الميثاق الجديد للاستثمار.. أولوية ملكية ورهان اقتصادي للحكومة
شكل الميثاق الجديد للاستثمار أولوية واهتماما ملكيا، ففي فبراير الماضي، ترأس الملك محمد السادس جلسة عمل خصصت للميثاق الجديد للاستثمار، وهي الجلسة التي تأتي امتدادا للتوجيهات الملكية المتضمنة في خطاب افتتاح
البرلمان، الداعية إلى اعتماد ميثاق تنافسي جديد للاستثمار في أسرع وقت، وتم خلالها تقديم عرض حول الخطوط
الكبرى لمشروع الميثاق الجديد للاستثمار من طرف الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية
وتقييم السياسات العمومية.
ومن شأن الميثاق الجديد أن يدفع إلى تغيير التوجه الحالي والذي يمثل فيه الاستثمار الخاص حوالي ثلث الاستثمار الإجمالي، فيما يمثل الاستثمار العمومي الثلثين. حيث يسعى إلى رفع حصة الاستثمار الخاص لتبلغ ثلثي الاستثمار الإجمالي، في أفق 2035.
وتتمثل الأهداف الرئيسية المحددة في الميثاق الجديد للاستثمار، طبقا لما أورده البلاغ الملكي، في إحداث مناصب الشغل، والنهوض بتنمية منصفة للمجال وتحديد القطاعات الواعدة ذات الأولوية بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني، كما أن
مشروع الميثاق الجديد يضم تدابير رئيسية للدعم تتكون من تعويضات مشتركة لدعم الاستثمارات انسجاما مع التوجيهات
الملكية، وأهداف النموذج التنموي الجديد وكذا الأولويات التي حددتها الحكومة، وتعويض مجالي إضافي يروم تشجيع
الاستثمار في الأقاليم الأكثر هشاشة، وتعويض قطاعي إضافي يمنح تحفيزات بهدف إنعاش القطاعات الواعدة، كما
ينص المشروع، على اتخاذ إجراءات للدعم خاصة بالمشاريع ذات الطابع الاستراتيجي من قبيل صناعات الدفاع، أو الصناعة الصيدلانية في إطار اللجنة الوطنية للاستثمارات، إلى جانب تدابير خاصة للدعم موجهة إلى المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، فضلا عن تدابير أخرى للنهوض بالاستثمارات المغربية بالخارج.
وبرزت أولوية ميثاق وطني للاستثمار، في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان، والذي دعا فيه الملك محمد السادس
إلى اعتماد ميثاق تنافسي جديد للاستثمار في أسرع وقت.
يتعلق الأمر بمقاربة جديدة، تستهدف ضمان منتوجات ذات قيمة مضافة عالية قادرة على مواجهة المنافسة الشرسة في
الأسواق الدولية. وفضلا عن الدعائم التقليدية لدعم تنافسية الاقتصاد من قبيل مناخ الاستثمار الجيد والكلفة المنخفضة، والتحفيزات الضريبية، يتعين الآن، وكما نص على ذلك النموذج التنموي الجديد، المرور إلى مقاربة جديدة، سمتها
الأساس الاعتماد على الابتكار والتكنولوجيات، وقبل ذلك وضع منظومة التربية والتكوين، لتوفير مؤهلات بشرية
قادرة على الانخراط في توجهات الاقتصاد العالمي الجديد.
وانطلاقا من النموذج التنموي الجديد، يهدف الميثاق الجديد للاستثمار إلى إحداث تغيير جذري في منظومة الاستثمار
المغربية.
هذه المنظومة يهيمن عليها القطاع العام بنسبة الثلثين، مقابل الثلث فقط للقطاع الخاص، وهي الوضعية التي
يطمح الميثاق الجديد إلى قلبها رأسا على عقب، من خلال رفع حصة الاستثمار الخاص لتبلغ ثلثي الاستثمار الإجمالي
في أفق سنة 2035، ففي مروره الأخير بمجلس النواب، كشف والي بنك المغرب عن معطيات صادمة، إذ رغم أن
المغرب يحتل المرتبة الثالثة عالميا باستثمارات عمومية تمثل 32.3 في المائة من الناتج الداخلي الخام من حيث القيمة، إلا
أن ذلك لم يسهم في تحقيق الأهداف المنتظرة، سواء على مستوى التشغيل أو النمو، في الوقت الذي تمكنت دول تنفق
أقل من المغرب بكثير من تحقيق «معجزة اقتصادية»
ومن جانبها، تضع الحكومة الاستثمار في صلب الأولويات الاقتصادية لديها، حيث قال عزيز أخنوش، رئيس الحكومة،
إن الحكومة نجحت في إخراج ميثاق الاستثمار بعد 12 سنة من الأخذ والرد والنقاش، مشيرا إلى أنها ستواصل كذلك
تحفيز الاستثمار وخلق فرص الشغل وإصلاح الإدارة، معتبرا أن «الحكومة نجحت في سنتها الأولى في إخراج
ميثاق الاستثمار، الذي سيعطي آفاقا كبيرة للاستثمار في المستقبل، إلى حيز الوجود، بعد سنوات من التأخر والنقاش
والأخذ والرد»، مضيفا أن «الحكومة أعدت مرسوما سيخرج مباشرة بعد التصويت عليه في مجلس المستشارين،
وهكذا سيتم بدء العمل بمقتضياته، حيث سيعطي آفاقا جديدة في ما يخص العدالة المجالية، حتى يصبح مثلا الاستثمار في
الدار البيضاء مثل الاستثمار في زاكورة».
وتابع رئيس الحكومة أن «ميثاق الاستثمار الجديد يروم أيضا خلق فرص الشغل»، مؤكدا أن الحكومة «تعد في هذا
الصدد مجموعة من المراسيم في ما يتعلق بتحفيز الدولة للمستثمرين، من أجل الرفع من عدد الاستثمارات»، مشيرا
إلى أن «مستثمرين كُثر من دول مختلفة يهتمون بوجهة المغرب، ويهتمون بمختلف القطاعات، وهناك فرصة كبيرة
للمستثمرين يجب المحافظة عليها، من أجل مواصلة خلق فرص الشغل».
وفي هذا الشأن، أوضح أخنوش أن الحكومة «تتواصل في إطار الحوار والنقاش الجاد مع مختلف المهنيين وأرباب
العمل والمستثمرين، من أجل إنجاح الرهان المتمثل في خلق 500 ألف منصب شغل في السنوات المقبلة»، مضيفا أن
«الدولة توفر كذلك حوالي 250 ألف منصب شغل خلال هذه السنوات، أي بمعدل 50 ألف منصب كل سنة، دون إغفال فرص الشغل الأخرى التي سيتم خلقها في كل من القطاع الفلاحي والصناعة التقليدية والسياحة، التي شهدت نشاطا مهما بعد توقف امتد إلى حدود أواخر مارس الماضي»، مشيرا إلى أن «المغرب بلد جذاب يحظى باهتمام كبير للسياح من مختلف بقاع العالم».