محمد اليوبي
في الوقت التي تبذل مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية مجهودات كبيرة، من أجل توفير الموارد المالية لخزينة الدولة، أصدر عبد الرحيم الهومي، المدير العام للوكالة الوطنية للمياه والغابات، قرارات من أجل التنازل عن مساطر قضائية مفتوحة في وجه «مافيا المقالع» بأقاليم الشمال، علما أن هذه المساطر تضم محاضر جنح غابوية تتضمن غرامات بالملايير.
وحصلت «الأخبار» على وثائق تتضمن المحاضر المنجزة في حق شركات تستغل مقالع فوق الملك الغابوي، ومراسلات تحمل توقيع الهومي موجهة إلى المدير الجهوي لوكالة المياه والغابات، يطلب منه تكليف محامي الإدارة بتقديم طلبات إلى المحكمة المختصة، من أجل التنازل عن كل الملفات الجنحية الرائجة أمام القضاء تخص شركتين إحداهما تستغل مقالع بنواحي طنجة، والثانية تستغل مقالع بنواحي تطوان، بدعوى أن هذه العقارات أصبحت موضوع اتفاقية شراكة بين وزارة الداخلية والوكالة الوطنية للمياه والغابات موقعة في سنة 2022. وأكدت مصادر من الوكالة أن توقيع الاتفاقية لا يعطي الصلاحيات للمدير العام لإصدار أوامر بالتنازل عن المساطر القضائية المفتوحة أمام القضاء، وتتضمن غرامات مسجلة على مدى أكثر من 10 سنوات، لأن الأمر يتعلق بأموال عمومية لا يمكن التفريط فيها.
وأفادت المصادر بأن الهومي سبق أن وجه مراسلتين حول الموضوع نفسه بتاريخ 12 ماي 2023، تحملان عدد 882 و883، بخصوص المساطر القضائية المفتوحة ضد شركات تستغل مقالع فوق الملك الغابوي، وكشفت المصادر أن إحدى هذه الشركات تستغل مقلعا على مساحة 57 هكتارا بغابة «بني حزمار» بمنطقة «الزينات»، تجني منه مداخيل تفوق 50 مليون سنتيم يوميا، وكانت هذه الشركة موضوع محاضر جنح منذ سنة 2012، تتضمن الغرامات والإرجاع والتعويضات بمبالغ مالية بلغ مجموعها 55 مليار سنتيم، مع مصادرة الوسائل المستعملة في اقتراف الجنح، حسب تقرير مفصل توصلت به الإدارة المركزية للوكالة (تتوفر «الأخبار» على نسخة منه)، حيث يؤكد تقرير الجنحة وجود مخالفات تتعلق باقتلاع الأعشاب الثانوية واستخراج ونقل الأحجار داخل الملك الغابوي. وكان المدير الإقليمي قد وجه رسالة إلى عامل إقليم تطوان، أكد من خلالها معاينة تزايد الترامي على الملك الغابوي عن طريق استخراج التربة والأحجار، حيث تم تحرير محضر جنحة غابوية صدر بشأنها حكم قضى بإدانة صاحب الشركة.
وطلب الهومي في مراسلته من المدير الجهوي للمياه والغابات التنسيق مع مصالح وزارة الداخلية على المستوى الإقليمي، قصد ربط الاتصال بالمصالح المختصة للمحكمة المعنية بالمساطر القضائية، من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية المعمول بها لإيقاف هذه المساطر القضائية ضد الشركات المعنية بالمخالفات المسجلة في حقها، وبرر الهومي هذا القرار بكون العقارات موضوع المساطر القضائية تمت تسويتها في إطار اتفاقية الشراكة المبرمة بين الوكالة ووزارة الداخلية.
وأفادت المصادر بأن المدير الجهوي للمياه والغابات تمرد على تعليمات الهومي، ورفض تقديم تنازلات عن المساطر القضائية المفتوحة ضد الشركات المخالفة، وطلب من المدير العام للوكالة أن يوقع على هذه التنازلات بنفسه، تفعيلا للمقرر رقم 668 الصادر عنه بتاريخ 16 مارس 2023، وشرع العمل به ابتداء من فاتح يناير 2023، وينص في المادة الأولى على التفويض للمديرين الجهويين بالقيام بكل الإجراءات القانونية المتعلقة بتدبير المنازعات وبتحديد وتحفيظ الملك الغابوي، باستثناء التنازل عن الدعاوى القضائية ورفع اليد عن التعرضات.
وأوضحت المصادر أنه تم توقيع اتفاقيات شراكة من أجل تفويت عقارات غابوية لفائدة الجماعات السلالية، بهدف تسهيل استغلالها من طرف «مافيا المقالع»، وبحكم أن المساطر الإدارية تصبح أسهل من أجل الاستغلال، حيث يتم تفويت العقارات التي توجد فوقها مقالع لفائدة الجماعات السلالية بموجب اتفاقيات شراكة، لتصبح بعد ذلك تحت وصاية وزارة الداخلية، ثم يتم استصدار رخص استغلالها من طرف قسم الشؤون الداخلية، وهناك مقالع أخرى تشتغل بدون ترخيص بمنطقة «صدينة».
وأكد مصدر مسؤول بالإدارة المركزية للوكالة أنه ليس من حق أي أحد التنازل عن غرامات لفائدة الدولة مهما كان منصبه، وحتى المدير العام بنفسه، ومن حقه فقط أن يفتح مسطرة التصالح، وفق المقتضيات القانونية، وذلك بالتفاوض مع المخالفين لأداء ما بين 40 إلى 60 في المائة من قيمة الغرامات المسجلة في حقهم. وأوضح المصدر أنه عندما تقع المخالفة، يتم تحرير محضر الجنحة الغابوية، ويرفع المحضر مرفوقا بمذكرة المطالب إلى النيابة العامة المختصة قصد إجراء المتعين، ولكن إذا رغب المخالف في إجراء التصالح، فإن ذلك ممكن، وفق ما تنص عليه الدورية عدد 4787 الصادرة بتاريخ 8 شتنبر 2009 حول إجراء التصالح في شأن الجنح الغابوية، والتي تتضمن مجموعة من الشروط تطبيقا للفصل 74 من ظهير 1917 بشأن المحافظة على الغابات واستغلالها، من بينها أنه لا يمكن إجراء التصالح، إلا بعد إفراغ المكان وإدلاء المترامي بتعهد مكتوب مصادق عليه يلتزم فيه بحق الدولة على القطعة المترامى عليها وبالكف عن استغلالها. كما تنص الدورية على أن التصالح يسقط الدعوى، قبل إصدار الأحكام القضائية، أما بعد صدور الأحكام لا يقع التصالح إلا في مبلغ الإرجاع والتعويضات المدنية، وفي هذه الحالة تجب مراسلة وكيل الملك لإخباره بهذا الإجراء.