الموقف الأقل سوءا
قرر المغرب عدم المشاركة في عملية التصويت التي عرفتها الجمعية العامة، قد يظن البعض أن الامتناع عن المشاركة ظاهرة سلبية توحي بنوع من الهروب من اتخاذ موقف ديبلوماسي واضح، وهذا ليس من طبع المغرب الذي كان سباقا لإعلان موقفه من النزاع بعد ساعات من انطلاق الغزو الروسي. والحقيقة أن قرار الدولة المغربية بعدم حضور جلسة التصويت له ظاهر وباطن. فالظاهر منه أن المغرب غير معني بالجلسة التي تتشابك في الرهانات، أما الباطن فهو توازن ديبلوماسي دقيق تحكمه المصالح الجيواستراتيجية، فالمغرب لا يتخذ قراراته بناء على الرومانسية أو التبعية لهذا المعسكر أو ذاك، فهو، بالنظر إلى نضجه الديبلوماسي وتراكمه التاريخي ومصالحه بعيدة المدى، يعلم أن الوضع الدولي جد معقّد، لذلك فضل موقف عدم المشاركة في الجلسة تجنبا لأي شكل من أشكال الضغط الديبلوماسي، فالمغرب لا يمكن أن يقبل لعب دور الأتباع المجبرين على اتخاذ موقف كما حدث مع بعض الدول العربية.
وهكذا، فإن قرار عدم المشاركة في التصويت لا يتماشى فقط مع ما سبق الإعلان عنه في الموقف الديبلوماسي الرسمي الذي عبر فيه عن رفضه لاستعمال القوة في حل النزاعات وتمسكه بالوحدة الترابية للدول، بل هو رفض صامت ولا يقبل أي تأويل تجاه الاصطفافات الدولية القائمة، خاصة وأن الأمور غير واضحة لحد الآن. صحيح أن المصالح الاستراتيجية للدولة المغربية قريبة من المعسكر الذي تقوده الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، لكن المغرب له حساباته ومصالحه مع الدولة الروسية التي حافظت على شعرة معاوية ولم تصطف ضد بلدنا في ملف الصحراء المغربية خلال القرار الأخير لمجلس الأمن الذي امتنعت عن التصويت له.
الخلاصة أن القرار المغربي تظل له مبرراته وهو القرار الأقل سوءا الذي له مكاسب دون أن يخلف خسائر ثقيلة على مصالحنا الاستراتيجية، بحكم وجود ديبلوماسيتنا بين مواقف متضاربة، مواقف الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي المستعد للقيام بكل شيء من أجل خنق روسيا وعزلها عالميا، ومواقف روسيا التي تسعى لبناء نظام عالمي يخدم مصالحها ولو بالاعتداء على سيادة دولة عضوٍ في الأمم المتحدة.