شوف تشوف

الرأي

الموسيقي حسن حنفي

معن البياري

لما كان المفكر المصري الراحل أخيرا، حسن حنفي، إخواني الهوى، في مقتبل شبابه، في أثناء دراسته الفلسفة في جامعة القاهرة في أوائل الخمسينيات، كان يتردد على شعبة لجماعة الإخوان المسلمين، يحمل معه الكَمان، فيسأله هناك «أحد الإخوة» إن كان لا يعلم أن الموسيقى حرام، فيحاججه بأن المسلمين غنوا للرسول محمد «طلع البدر علينا..».

وقد يُدهشك أن تعرف أن حسن حنفي، في دراساته العليا لاحقا في باريس، كان طالبا في الفلسفة في «السوربون» قبل الظهر، ثم طالبا في معهد فرنسي للموسيقى بعد الظهر، وفي أول المساء يقرأ الفلسفة، وفي آخره يعزف مع كاتم الصوت على الكمان. واستمر في هذا عامين، قبل أن ينكشف أنه مهدد بمرض السل، بعد التهاب رئوي أصابه، أبقاه تحت العلاج أربعة أشهر بالمستشفى، ثم حدثه الطبيب أن عليه الاختيار بين التخصص في الفلسفة أو دراسة الموسيقى، وإنْ لم يفعل سيقضي على حياته بنفسه. يصف تلك اللحظة بأنها كانت قاسية: «كيف أترك إحدى معشوقاتي؟ الموسيقى بلا فكر لحن خالص، والفكر بلا موسيقى تجريد خالص. وأخيرا اخترت الجامعة، فللفلسفة أتيت، وكتبت التنازل عن المعهد، وقلبي ينفطر حزنا. وأنا حتى الآن عندما أسمع موسيقى شرقية أو غربية أحن إليها، وأتساءل: هل أحسنت الاختيار؟».

كتب حسن حنفي عن هذا كله، وعن كثير متصل به، في كتابه «ذكريات 1935- 2018» والذي يبقى من بديع كتب المذكرات التي دونها مفكرون عرب، لما «انكشف» فيه حسن حنفي إنسانا خالصا، وصاحب تجربة عريضة في مغالبة الحياة. وإذ أنتبه إلى حسن حنفي الذي كاد يكون موسيقارا، فذلك ببساطة لأن هذا فاجأني، وأحسبُه جانبا في شخص صاحب «التراث والتجديد» غير معلوم عند جمهور قرائه وطلبته، وربما عند أصدقائه ومعارفه. وكتابُه المتحدث عنه هنا يحفل بإشارات غزيرة إلى أفلام وأغان وموسيقات وأوبريتات غير قليلة، إلى محمد عبد الوهاب في «عاشق الروح» في فيلم «غزل البنات»، إلى حسن يوسف ونادية لطفي في  فيلم «الخطايا»، إلى نجيب محفوظ في «التوت والنبوت» في «الحرافيش»، إلى تحية كاريوكا في فيلم «سمارة»، إلى فيلم قصة إحسان عبد القدوس «في بيتنا رجل».. أمثلة. ولافت أنه يستهل كتابه بمقطع من أغنية أم كلثوم «ذكريات»، مع حرصه على التأشير إلى كاتبها أحمد رامي وملحنها رياض السنباطي. ومن مفارقات يعرفنا بها أن أول مقال نشره في حياته (متأخرا في 1971) كان عن الشيخ إمام، وأنه في أثناء دراسته في فرنسا عمل، بعض الوقت، مدرسا للهجة المصرية في معهد اللغات الشرقية في باريس، وكان ذلك بإسماع الطلاب مقاطع من عبد الحليم وأم كلثوم ومغنين آخرين.

يُعْطَى حسن حنفي في بولندا جائزة المفكر الحر (في 2015)، ويتسلمها من رئيس هذا البلد الذي يبدو أن المضيفين عرفوه بأن الفائز موسيقي أيضا، فطلب منه أن يعزف شيئا، ففعل حنفي، وأنصت حضور حفل العشاء في قصر الرئاسة منه إلى عزف على الكمان من موسيقى سيد درويش. تقرأ هذا في خواتيم الكتاب الشائق، وقد قرأت في صفحاته الأولى عن عمل والد حنفي، لاعب ترومبون (آلة نفخ موسيقية) في الفرقة الموسيقية للمشاة في الجيش المصري (قبل ثورة يوليوز).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى