شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرمجتمعمدن

المواطن يدفع ثمن ارتجالية القرارات الحكومية والأخيرة تعلنها: “هـي فـوضـى”

هشـام الطرشي

إصدار الحكومة لقرار صِيغَ على عجل يهُم ملايين المغاربة ممن كانوا يُمنّون النفس بلقاء عائلاتهم وذلك بعد أربعة أشهر من الحجر الصحي، (القرار) كان كافيا ليُحدث حالة طوارئ في البلاد ويدخلها ارتباك وفوضى، أدت في كثير من الأوقات وعلى امتداد الخريطة الجغرافية للمملكة إلى حوادث سير بعضها كان مميتا. ناهيك عن عشرات الآلاف من المواطنين الذين افترشوا ساحات وممرات محطات القطارات والحافلات، في انتظار لحظة “السفر الحلم” التي ستُقرِّب المسافات وتجمع شمل العائلات.

لكن كيف لحكومة سعد الدين العثماني المفروض رعايتها لمصالح المواطنين أن تتخذ هكذا قرار وبهذه السرعة التي تعكس المستوى المتقدم من الارتجالية التي تتخبط فيها. ثم إلى أي حد تستطيع الحكومة بلورة قرارات مُؤسَّسة على دراسة شاملة ورؤية واضحة، وتستحضر ظروف وسياقات تفاعل المواطن الفرد من داخل البنية المجتمعية التي ينتمي إليها، والتي تؤثر بلا أدنى شك في جزء غير يسير من سلوكاته ومواقفه وقراراته؟

قرارات حكومية فاشلة متسرعة

القرار الذي اتخذته وزارتي الداخلية والصحة عشية أمس الأحد والقاضي بمنع السفر من وإلى ثماني مدن مغربية وهي: طنجة، تطوان، فاس، مكناس، الدار البيضاء، برشيد، سطات ومراكش، مع استثناء “الأشخاص ذوي الحالات الطبية المستعجلة، والأشخاص العاملين بالقطاع العام أو الخاص والمتوفرين على أوامر بمهمة مسلمة من طرف مسؤوليهم، مع شرط الحصول على رخص استثنائية للتنقل مسلمة من طرف السلطات المحلية”.

تسبب في حالة من الفوضى عاشتها كل محطات القطارات والمحطات الطرقية، حيث قضى مئات الآلاف من المغاربة بمعية أبنائهم ليلة سوداء في انتظار وسيلة تقلهم إلى بيت العائلة لقضاء أيام معدودات بالتزامن مع عيد الأضحى رفقة الأهل والأحباب، خصوصا بعد الأربعة أشهر الماضية التي تم قضاؤها تحت تدابير حالة الطوارئ الصحية وإجراءات الحجر الصحي التي أقرتها الحكومة.

وحتى الذين اختاروا السفر بالسيارة، لم يسلموا وعائلاتهم ومرافقيهم من المآلات الكارثية التي تسبب فيها قرار متهور اتخذته الحكومة على عَجَل. حيث تم تسجيل عشرات حوادث السير بالعديد من النقط على الطرق الوطنية والطرق السيارة منذ الساعات الأولى لليلة أمس (التي سبقت موعد دخول القرار الكارثي حيز التطبيق) وإلى غاية لحظة كتابة هذه الأسطر.

وأمام غياب أية استراتيجية تواصلية مواكبة للقرار الذي اتخذته الحكومة، لم يجد المغاربة من متنفس لحجم الحَنَق والرفض لما تسببت فيه الحكومة من ارتباك وفوضى أدى مواطنون ثمنها من أموالهم وأعصابهم وسلامة أبدانهم وأرواحهم، غير منصات التواصل الاجتماعي، التي عكس الاجماع على حجم الاستنكار للقرار والجهات التي اتخذته معا.

مستعينين بمئات الصور ومقاطع الفيديو التي توثق للاكتظاظ الكبير وغير المسبوق لأصحاب السيارات الذين خاضوا سباقا مع الزمن لقطع أطول مسافة ممكنة قبل الدخول الفعلي للقرار حيز التطبيق، ما تسبب في حوادث سير بالعشرات، لم تقتصر أضرارها على ما هو مادي، بل طالت حتى أجساد وأرواح المواطنين.

الارتجالية في اتخاذ القرارات

وبالعودة إلى تسلسل القرارات والإجراءات التي اتخذتها حكومة سعد الدين العثماني طيلة فترة تدبير جائحة “كورونا”، نجد أنها كانت موفقة جدا في اتخاذ أفشل القرارات وأكثرها تناقضا.

والمؤكد أن الجميع يتذكر القرار “النظري” الذي تم اتخاذها، بدايات تطبيق حالة الطوارئ الصحية، بخصوص إلزامية الحصول على ورقة التنقل من لدن ممثل السلطة. وحرصا من المواطنين على الجمع بين الالتزام بالقرار والحرص على قضاء أغراضهم، ما كان منهم إلا التجمهر بالمئات أمام مكاتب السلطة المحلية بمختلف المدن المغربية طلبا للوثيقة، التي تبين أنها غير متوفرة لدى المقدمين والقياد أواخر شهر مارس وطيلة شهر أبريل. ليجد المواطن نفسه في متاهة حقيقية، فلا هو حصل على الورقة السحرية التي تضمن له حق التنقل وفق مسار معين، ولا هو انصرف إلى قضاء أغراضه والتزاماته المهنية والأسرية.

كما يتذكر الجميع تصريحات رئيس الحكومة التي دعا فيها المغاربة إلى تشجيع السياحة الداخلية لتحريك عجلة قطاع السياحة الذي كان من أكبر المتضررين بفعل الجائحة، إلا أنه سارع وفي نفس اليوم إلى نشر مقطع فيديو، على حسابه بالتويتر، يدعو من خلاله إلى الاهتمام بالسياحة الثقافية (ليس في المغرب بل في اسبانيا)، من خلال زيارة منشآت سياحية تاريخية متواجدة بالجارة الشمالية.

ناهيك عن القرار الأخير القاضي بمنع التنقل من وإلى المدن الثمانية، وهو ما يتعارض كليا وقرار سابق اعتمدته الحكومة بخصوص عودة المغاربة المقيمين أو العالقين في الخارج، والذين فَرضت عليهم الحكومة قائمة طويلة ومُنهِكة من الإجراءات والتدابير التي عليهم الالتزام بها.

لكن وبلا سابق إخبار عمدت الحكومة إلى منع التنقل إلى ثماني مدن، ليجد المواطنون القادمون من خارج البلاد أنفسهم، مرة أخرى في وضع استثنائي، ما بين أداء أثمنة التذاكر التي سيغادرون بها البلد الذي كانوا يتواجدون فيه والقيام بالاختبار الخاص بـ”كوفيد 19″ الذي اشترطت الحكومة إجراءه خلال الـ48 ساعة التي تسبق موعد السفر، وبين حرمانهم من دخول المدن الثمانية التي توجد بها منازلهم وعائلاتهم.

منع السفر أم إلغاء شعيرة عيد الأضحى؟

وفي محاولة منهم استيعاب الطريقة التي تفكر بها الحكومة والتي تتخذ بناء عليها القرارات التي أظهرت كارثيتها على مستوى النتائج، تساءل عدد كبير من المواطنين عن السر في تمسك الحكومة بشعيرة العيد الأضحى لهذا العام، بالرغم مما خلفته جائحة فيروس “كورونا” من تداعيات اقتصادية واجتماعية أنهكت دولا عظمى باقتصاداتها القوية والصلبة، فما بالك بملايين الأسر هشة وفقرة.

وبالنظر لقرار وقف صلاة الجماعة وصلاة الجمعة بالمساجد إضافة إلى تعليق صلاة التراويح طيلة شهر رمضان، فبالنسبة لجزء كبير من المغاربة، فقد كان قرار إلغاء شعيرة عيد الأضحى هذا العام تحصيل حاصل ومُنتظر، ومُتفهِّم لأسبابه وتداعياته.

لكن ما لم يكن متوقعا من طرف المتسائلين، هو تمسك الحكومة بعيد الأضحى بالرغم من تكلفته الاقتصادية والاجتماعية، في مقابل اتخاذها لقرار منع سفر المواطنات والمواطنين للاجتماع بعائلاتهم في هذه المناسبة ذات الرمزية الخاصة.

وللتأكيد على ترجيح فرضية إلغاء عيد الأضحى لهذا العام من طرف عدد من المواطنين، استدل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بخلاصات التوصيات التي قدمتها اللجنة العلمية المجتمع قبل أيام بدعوة من وزير الصحة، والتي أكدت على أنه من المؤكد أن يرتفع عدد الإصابات بفيروس “كوفيد 19” خلال فترة عيد الأضحى، داعيا إلى جملة من الإجراءات والتدابير الوقائية والاحترازية لتفادي ما أمكن الإصابة بالفيروس ونقله للآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى