شوف تشوف

الرأيالرئيسية

المواجهة الفكرية

على خلاف تنظيمات أخرى متشددة كثيرة، عرفها العالمان العربي والإسلامي، فإن وزن الجانب العقائدي الحاكم لكثير من خيارات حركة طالبان بأفغانستان أكبر من الجانب السياسي، وهو ما يستدعي ضرورة الاشتباك مع هذا النمط من التفكير الطالباني الخارج عن صحيح الدين.

صحيح أن حركة طالبان هي جزء من إشكالية أكبر عرفها العالمان العربي والإسلامي، وتتمثل في دخول تنظيمات دينية المجال السياسي بشروط الجماعة الدينية، مثلما شهدنا أخيرا مع كثير من التنظيمات الدينية في العراق، وحزب الله في لبنان، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهي كلها جماعات دينية رغم ما بينها من فروقات عقائدية ومذهبية، إلا أنه ينطبق عليها نفس القاعدة، وهي «تداخل الديني والسياسي».

والحقيقة أن فكرة التنظيم الديني النقي والمحصن، الذي يَعِد أنصاره بمجتمع مثالي على الأرض وجنة في السماء، وفي سبيل ذلك يرفض محاسبته أو نقده باعتباره ظل الله في الأرض فشلت، وكانت نتائجها كارثية على كل المجتمعات في الشرق والغرب.

إن أزمة حكم هذه التنظيمات الدينية لا تقتصر فقط على محاولة هندسة حياة الناس والتدخل في ملبسهم ومأكلهم والتمييز ضد المرأة والأقليات، وكراهية الفن والإبداع، إنما أيضا القهر السياسي والفشل الاقتصادي، لأن إقامة نظام حكم قائم على «الحصانة» باسم الدين أو بأي اسم آخر تعني رفض كل صور التنوع والنقد.

ولذا فرغم الضغوط التي مُورست على أفغانستان طوال العامين الماضيين، من أجل مراجعة مواقفها العقائدية، خاصة في ما يتعلق بحقوق المرأة، لم تصل بعد إلى نتيجة، بل تراجعت الحركة عما سبق أن وعدت به فور وصولها إلى السلطة بأنها ستسمح للنساء بالتعلم، وهو ما يرجع إلى كونها تنطلق من تفسير ديني غير صحيح، ويمكن دحضه بسهولة بأطروحة فكرية وعقائدية مقابلة.

ويمكن القول إن دفع حركة طالبان إلى مراجعة توجهاتها على المستوى العقائدي سيحتاج إلى ضغوط مؤسسات إسلامية كبرى تعبر عن الإسلام الوسطي، وعلى رأسها الأزهر الشريف، الذي رفض قرار طالبان الخاص بمنع تعليم الفتيات، وأعلن شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب «أن قرار طالبان بمنع النساء الأفغانيات من التعليم الجامعي، يتعارض مع الشريعة الإسلامية».

وأوضح أن الشريعة تدعو الرجال والنساء إلى السعي وراء التعليم «من المهد إلى اللحد». ووصف الحظر بأنه صادم للمسلمين وغير المسلمين، وما كان ينبغي ولا يليق أن يصدر عن أي مسلم، فضلا عن أن يتمسك به ويزهو بإصداره. وحث قادة حركة طالبان على التراجع عن القرار.

مطلوب من الأزهر ومجلس حكماء المسلمين أن يتواصلوا مع شيوخ طالبان ومن يفتون لها، في أمور بعيدة تماما عن صحيح الدين، وأن يشكلوا نواة لتصحيح مفاهيم الحركة الدينية ومنطلقاتها العقائدية، وفي حال النجاح فإن ذلك سيعني بالحتم تغيير كثير من مواقف طالبان في أمور الدين والدنيا.

عمرو الشوبكي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى