عمرو الشوبكي
كما توقعنا، الأسبوع الماضي، أن إسرائيل لن تذهب إلى وقف كامل لإطلاق النار، فقد اندلعت المعارك مرة أخرى في قطاع غزة، واستأنفت إسرائيل عدوانها على القطاع، مخلفة حتى الآن حوالي 240 شهيدا يُضافون إلى 15 ألفا آخرين سقطوا في العدوان الأول، بينهم حوالي 5 آلاف طفل. وصمدت المقاومة في الجولة الأولى من المعارك، وأثرت صور الضحايا الفلسطينيين من الأطفال والنساء على الرأي العام العالمي، مما فجر احتجاجات واسعة في كل بقاع الدنيا في وجه العدوان الإسرائيلي، وطالب كثير من القادة الأوروبيين بوقف القتال وبحث ترتيبات سياسية جديدة لإدارة قطاع غزة، ودعمهم في هذا الموقف الأمين العام للأمم المتحدة وتقريبا كل المسؤولين في المنظمات الأممية.
وقد مثلت ضغوط الرأي العام العالمي والشعبي ورقة ضغط هائلة على الحكومات الغربية، وشهدت الولايات المتحدة مظاهرات حاشدة وتصريحات لسياسيين كبار ونواب تنتقد السياسات الإسرائيلية، وتطالب بوقف إطلاق النار، وهو أمر لم يكن سيحدث لولا ضغوط الرأي العام هناك، كما سحبت دول في أمريكا الجنوبية سفراءها من تل أبيب، وقطعت أخرى علاقتها الدبلوماسية معها، وطالب برلمان جنوب إفريقيا بقطع العلاقات مع دولة الاحتلال، بعد أن وصفت وزيرة خارجيتها ما تقوم به إسرائيل بأنه جرائم حرب.
وقد اتضحت نوايا إسرائيل العدوانية عقب قرارها باستدعاء سفيري بلجيكا وإسبانيا، لأن رئيسي وزراء البلدين صرحا عند معبر رفح بضرورة وقف القتال، وأن تلتزم إسرائيل بالقانون الدولي. كما اتضح حجم الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في الضفة الغربية طوال فترة الهدنة، فيكفي أن جنودها قتلوا بدم بارد طفلين فلسطينيين لم يحملا سلاحا ولا حجرا، ودون أن يحاسبهما أحد، ناهيك عن عشرات الضحايا الذين سقطوا منذ اندلاع معارك غزة. لم يمنع «تسونامي» التضامن والتعاطف مع الشعب الفلسطيني في كل بقاع العالم إسرائيل من استئناف عدوانها على قطاع غزة بنفس المنهجية السابقة، واستمرارها في ذلك ما دام مجلس الأمن عاجزا عن إصدار قرار بوصف ما تقوم به إسرائيل بأنه عدوان، وما دامت أمريكا والمجتمع الدولي غير قادرين على إجبارها بالالتزام بقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية وقبول حل الدولتين. ستكون الجولة الثانية صعبة على الشعب الفلسطيني، وسنشهد محاولات «عملية» لتهجير الفلسطينيين، بالضغط عليهم في جنوب غزة ورفح الفلسطينية، وربما ستنجح إسرائيل في تفكيك جانب كبير من قوة حماس العسكرية، ولكنها لن تحل مشكلة أمنها ولا مستقبلها ما دامت بقيت كآخر دولة احتلال عنصري في العالم تضطهد شعبا آخر، وتقتل طموحاته في العيش بكرامة وسلام.
على الجميع أن يستعد ويحذر من نتائج الجولة الثانية والأخيرة من العدوان الإسرائيلي على غزة، وأن يستمر في توظيف أوراق الضغط الدولية والشعبية من أجل وقف العدوان.