شوف تشوف

الرأي

المهدي بن بركة.. كتاب آخر

يونس جنوحي
رغم أننا لسنا في أكتوبر، إلا أن اسم المهدي بن بركة عاد من جديد إلى أخبار «الاستعراض».
هذه المرة مع صحافي معروف بالتنقيب في الاغتيالات السياسية وقضايا جهاز الموساد الغامضة اسمه رونين بيرغمان.
البعض استقبلوا ما توصل إليه هذا الصحافي وكأنه حقيقة تاريخية، علما أنها ليست المرة الأولى التي يكتب فيها عن قضية المهدي بن بركة. فقد سبق له التعقيب على الخرجة الإعلامية قبل سنوات لواحد من أشهر أسماء الموساد، رافي إيتان، الذي كان «بطلا» مجهولا من أبطال الموساد والذي ارتبط اسمه باغتيال زعماء عرب وأجانب واختطاف كبار أسماء جيش هتلر بعد الحرب العالمية الثانية ونقلهم للمحاكمة كما وقع مع «إيخمان» الذي اختطف من الأرجنتين، حيث كان يقيم باسم مستعار. وهي إحدى أكثر العمليات غموضا وإثارة في التاريخ.
أكبر إهانة يتعرض لها الآن اسم المهدي بن بركة، هي أن يقحم في كُتب من هذا النوع، الهدف منها هو البيع وليس البحث التاريخي. هذا الكتاب الذي يتحدث عن حالات كثيرة من بينها حالة المهدي بن بركة، لا يمكن أن يحمل أي جديد في الموضوع. لماذا؟
لأن الإجابة عن قضية المهدي بن بركة، والسبق الصحافي الوحيد في العالم، الذي يُمكن أن يُعتبر كذلك، هو تقديم أدلة مادية، سواء تسجيلات، صور، أو أغراض شخصية للمهدي بن بركة في مكان ما. أما تأليفات الذين عاشوا تلك الأحداث أو كانوا بالقرب منها، فلا يمكن أن يعتبر إلا تأليفا في الموضوع.
ما دام الذين تورطوا بشكل مباشر، في حادث اختطاف واختفاء المهدي بن بركة قد انتقلوا إلى حيث سوف نذهب جميعا، وذكرهم الشهود وتمت الإشارة إليهم في المحاكمة التي مضى عليها حتى الآن خمس وخمسون سنة، فإن مسألة كشف المصير الحقيقي للمهدي بن بركة، سيبقى أحد أكبر ألغاز التاريخ ما دام لم يُقدم أي دليل مادي في الموضوع عن مصيره.
كتاب رونين بيرغمان، للأسف، يتحدث عن التعاون بين الأجهزة السرية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقضية المهدي بن بركة ليست إلا فصلا من ذلك التعاون. وهذا الأمر تؤكده معلومات سرية استخباراتية من تلك الحقبة الزمنية، وتحدث عنها قدماء ضباط الأجهزة السرية سواء في الشرق وحتى في الغرب.
مسألة التعاون بين ضباط من الموساد، وبين الأجهزة السرية المغربية، والتواصل بينها، مسألة تعود إلى سياق سنوات الستينيات، حيث كانت الـCIA تخوض حربها ضد الشيوعيين واليساريين بشكل عام، وتحارب الحركات التحررية التي تطالب بنسف الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها رمزا للرأسمالية المتوحشة.
والمهدي بن بركة كان معروفا جدا بعدائه للولايات المتحدة الأمريكية التي كانت علاقتها طيبة جدا مع الملك الحسن الثاني في أواسط الستينيات.
سنة 2013، زُرت أحد أصدقاء المهدي بن بركة القدامى ممن لا يحبون الأضواء كثيرا. يتعلق الأمر بأستاذنا البروفيسور محمد الحبابي، والذي كان قريبا جدا من المهدي بن بركة داخل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. كان يشرب فنجانه في الحديقة الصغيرة لمنزله الذي لم يغادره منذ تلك السنوات، ويتأمل السماء. قال لي إن المهدي بن بركة كان يجلس معه في نفس الحديقة، وفي نفس المكان عندما مرت فوق رأسيهما طائرات أمريكية من تلك التي أهدتها الولايات المتحدة الأمريكية للمغرب، حيث كانت تقلع من قاعدة القنيطرة وعلى متنها طيارون مغاربة بطبيعة الحال. كان المهدي بن بركة يتبع تلك الطائرات ببصره إلى أن تختفي من فوق سماء الرباط، ويلتفت إلى الحبابي قائلا ما معناه إن «هؤلاء الحمقى» سوف يخربون العالم. لا بد أن هذه الطائرات ستقصف أحدا ما ذات يوم.
لقد كان المهدي بن بركة أحد زعماء دول العالم الثالث. وتلك النزعة كانت مرفوضة في ذلك الوقت. لا أحد يعرف حقيقة مصير جثة المهدي بن بركة إلا الذين ذكرت أسماؤهم في محاضر البوليس الفرنسي وكشفت البيانات والسجلات نزولهم في التراب الفرنسي في تلك الليلة الحزينة من أواخر أكتوبر 1965. أما أن يأتي كاتب أو ضابط متقاعد من الموساد لكي يخبرك بأن تنسيقا ما قد وقع بين الأجهزة، فهذا أمر معروف. وأن يقول رونين بيرغمان إن جثة المهدي بن بركة توجد بالضبط في مكان أصبح الآن مقرا لبناية متحف لوي فويتون، فليس جديدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى