ذهبت رئيسة تايوان إلى الولايات المتحدة واجتمعت برئيس مجلس النواب الأمريكي ومسؤولين آخرين، فقررت الصين القيام بمناورات عسكرية في مضيق تايوان، حاصرت الجزيرة، ومثلت محاكاة لاستهداف المطارات والرادارات والبنية التحتية، وجرى فيها التدريب على توجيه ضربات لمواقع محددة في الجزيرة، عسكرية ومدنية.
وتمر نصف حاويات العالم من مضيق تايوان، واعتماد الصين واليابان وكوريا الجنوبية على هذا المضيق هو تقريبا اعتماد كلي لنقل بضاعتها إلى أوروبا، كما أن 88 في المائة من كبرى سفن العالم حمولة تمر عبره، مما يعني أنه طوال الأيام الثلاثة للمناورات الصينية توقفت تقريبا حركة النقل في المضيق بصورة أربكت كثيرا من الدول الكبرى، وخاصة الآسيوية. والمعروف أنه في العرف العسكري يعتبر توجيه المدافع والصواريخ والقاذفات تجاه أي موقع نوعا من الاعتداء، كما أن مصطلح «محاكاة» يشير إلى أن المعدات العسكرية المشاركة تلقت إحداثيات لمواقع مستهدفة، كما فعلت القوات الصينية طوال مناوراتها، وهو يمثل إهانة للدولة التي تستهدفها هذه المحاكاة.
والحقيقة أن تايوان يعتبرها العالم، بما فيه الولايات المتحدة، جزءا من الصين، ويؤكد على ما يُعرف بـ«الصين الواحدة» مع الاعتراف بحقها في بناء نظام سياسي واقتصادي مستقل عن الصين، كما أن غالبية الشعب التايواني لا ترغب في الانضمام إلى الصين، كما هو الحال بالنسبة إلى أغلب الأوكرانيين الذين يرفضون الانضمام إلى روسيا، وإن كان هناك جزء ينتمي عرقيا للقومية الروسية ويرغب في الانضمام إليها، وخاصة في الشرق.
والحقيقة أن قضية تايوان يحكمها أمران: الأول الانتماء القومي والثقافي والتاريخي، وهنا هي جزء من الصين، أما الثاني فهو المستوى السياسي والخبرة الاقتصادية والذي أخذ مسارا مختلفا تماما عن الذي انتهجته الصين عقب ثورتها في سنة 1949؛ فعقب اندلاع الصراع المسلح بين الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسي تونغ وحزب الكوميتانغ، انسحب الأخير إلى تايوان وأعلنها دولة مستقلة باسم جمهورية الصين، في حين سُميت الصين بالشعبية.
وقد أصبحت الصين قوة عظمى وصارت مصنفة على المستويين الاقتصادي والعسكري كثاني قوة في العالم بعد الولايات المتحدة، ويتوقع بعض الخبراء أن تتجاوزها مع نهاية العقد المقبل.
ورغم أن أمريكا اعترفت بالصين، إلا أنها حافظت على علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية قوية مع تايوان، واتبعت سياسة عُرفت بـ«الغموض الاستراتيجي»، فهي تقول إن الصين واحدة، ولكنها تدعم من يقولون إنهم يرغبون في الانفصال الكامل عنها.
وستبقى خطورة المناورات الصينية أنها تضيف بعدا جديدا للصراع التجاري والاقتصادي والسياسي الدائر بين نموذجين وليس فقط بلدين، أي نموذج يقول إن النظم المركزية والسلطوية قادرة على الإنجاز وتحقيق التقدم كما ترى الصين، ونموذج آخر ما زال يرى أنه لا يمكن تحقيق أي تقدم وسلام دولي، إلا من خلال النظم الديمقراطية.
عمرو الشوبكي