الممنوعون من دخول المغرب
أثار موضوع منع المحامي البلجيكي كريستوف مارشان من دخول المغرب جدلا واسعا في الصحافة المغربية والعالمية، قبل أن تخرج السلطات المغربية عن صمتها وتذكر الرأي العام بأن القرار سيادي ولا يتطلب تأويلات كثيرة، خاصة وأن دولا راسخة في الديمقراطية عريقة في تبني حقوق الإنسان لم تتردد في منع العديد من الشخصيات السياسية والإعلامية والحقوقية من دخول أراضيها، تحت مبررات أمنية بالخصوص.
يعتقد الكثيرون أن الحصول على تأشيرات مسلمة من طرف سفارات وقنصليات المملكة المغربية بالخارج، يعني دخول البلاد دون قيد أو شرط، ودون ممارسة السلطة المكلفة بالمراقبة لسلطتها في رفض دخول القادمين من الخارج، سيما إذا كان ذلك الدخول يشكل تهديدا للنظام العام، أو كان الأجنبي قد صدر في حقه قرار منع الدخول أو الطرد.
حسب القانون المغربي، فإن السلطات المغربية لها هامش من الصلاحيات، على غرار دول عديدة لا تعتقد أن التأشيرة جسر عبور، ويمكنها أن ترفض دخول أي أجنبي إلى التراب المغربي «إذا كان في وجوده فوق التراب المغربي ما من شأنه أن يهدد النظام العام، أو كان ممنوعا من الدخول إليه أو مطرودا منه».
لقد خول قانون 03. 02 للأجنبي بعض الحقوق التي تكفل له إبراز امتثاله للإجراءات التي تنظم دخول التراب المغربي، ومنحه مجموعة من الحقوق التي تكفل له تقديم ما يثبت خلوه من دواعي المنع.
ويسود الاعتقاد بأن الممنوعين من دخول التراب الوطني هم في غالبيتهم من صنف النشطاء الحقوقيين، والحال أن المنع طال العديد من الشخصيات التي وضعت في اللائحة السوداء بالنقاط الحدودية، ومن هذه الشخصيات فنانون وإعلاميون وسياسيون.
المحام البلجيكي وقرار المنع من الدخول للمغرب
اضطرت المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان إلى إصدار بلاغ، يوم الثلاثاء الماضي، أوضحت فيه أن منع المحامي البلجيكي كريستوف مارشان من «دخول التراب الوطني قرار سيادي، تم وفقا لمقتضيات القانون رقم 03. 02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة».
وأشارت المندوبية، في بلاغها، إلى أنه قد صدر عن قرار للسلطات الإدارية المختصة منع دخول المعني بالأمر إلى التراب الوطني من أجل تتبع أطوار محاكمة جارية، علما أن السلطات العمومية تسمح لملاحظين أجانب من جنسيات مختلفة، بدخول التراب الوطني من أجل تتبع أطوار محاكمة جارية إلى جانب ممثلين عن بعض الهيئات الدبلوماسية وعن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وذلك حرصا منها على توفير ملاحظة محايدة ومستقلة لأطوار هذه المحاكمة.
وحسب البلاغ ذاته، فإن مجيء المواطن البلجيكي المعني بقرار المنع من دخول التراب الوطني، والمعروف بمواقفه العدائية تجاه المغرب، خاصة المس بوحدته الترابية، «محاولة منه لاستغلال الوجود بالمغرب، للتشويش على قضية معروضة على المحكمة». علما أن مارشان أشعر مسبقا بأنه ممنوع من دخول المغرب منذ 24 فبراير 2021، لكنه أصر على السفر.
وكانت سلطات مطار محمد الخامس قد أوقفت المحامي البلجيكي كريستوف مارشان ومنعته من دخول التراب الوطني، مساء الاثنين الماضي، حين وصل إلى المغرب، لحضور جلسة محاكمة الصحفي عمر الراضي.
وقال بيان لمكتب محاماة في بروكسيل، يعمل فيه المحامي، إن «المحامي كريستوف مارشان تم إيقافه، مساء الاثنين، حين وصل إلى المغرب لحضور جلسة محاكمة الصحفي المغربي عمر الراضي، وإنه قضى الليلة في منطقة العبور داخل المطار، وسحب منه جواز سفره، وسيتم ترحيله يوم الثلاثاء إلى بروكسيل».
تعليق دخول كلود مانغين زوجة انفصالي صحراوي إلى المغرب مرتين
حين منعت سلطات مطار محمد الخامس الدولي، كلود مانغين، زوجة النعمة أسفاري، المتهم رفقة 23 معتقلا آخرين في قضية أحداث «أكديم إيزيك»، من الدخول إلى التراب الوطني، انتفضت الجزائر والبوليساريو والقوات الاحتياطية في إسبانيا، وجعلت من المنع قضية رأي عام دولي. علما أن كلود سبق لها أن تلقت المنع في أكثر من مناسبة.
وكانت كلود مانغين، العضوة في منظمة غير حكومية تدعى «رابطة النضال المسيحي من أجل إلغاء التعذيب»، والتي تدعم الأطروحة الانفصالية قد أشعرت من طرف الشرطة المغربية بوجود مذكرة أمنية صادرة في حقها تحظر إقامتها بالمغرب، وهي المذكرة التي قوبلت باستخفاف شديد من طرف مانغين، التي قالت إنها «جاءت إلى المغرب لزيارة زوجها النعمة أسفاري، المعتقل في السجن المحلي «عكاشة» بالدار البيضاء مع 23 متهما آخرين، في قضية مقتل 11 فردا من قوات الأمن في أحداث العنف التي عرفها مخيم «أكديم إيزيك» بضواحي مدينة العيون يوم 6 نونبر 2010، حيث منعتها السلطات من ولوج التراب المغربي».
وأوضحت وكالة الأنباء الإسبانية أن كلود مانغين قضت الليلة بمنطقة المغادرة في المطار، في انتظار الإجراءات التي باشرتها سفارة فرنسا، فور إخطارها بوجودها هناك، والتي كللت بالنجاح، تضيف الوكالة.
وكانت كلود قد زارت زوجها أسفاري في سجن بولمهارز بمراكش، وفي مذكرة كتبتها بعد الزيارة قالت إنها شاهدت كدمات تحت عيني زوجها، وعلامات على معصميه، وبعد يومين طردت السلطات المغربية مانغين، بعد التأكد من زيف أقاويلها.
الجزائري فرحات مهني يحتج على منعه من حضور مهرجان «تيميتار»
احتج السياسي الجزائري فرحات مهني، زعيم «الحركة من أجل الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل»، ورئيس «حكومة القبائل المؤقتة»، التي تتخذ من فرنسا مقرا لها، على رفض المصالح القنصلية المغربية بفرنسا منحه تأشيرة الدخول إلى المغرب، من أجل المشاركة في مهرجان «تيميتار» بمدينة أكادير.
وهاجمت «الحركة من أجل الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل» في بيان لها نقلته صحيفة «الخبر» الجزائرية، رئيس الحكومة المغربية السابق عبد الإله بنكيران، واتهمته بالوقوف وراء منع زعيمها من الدخول إلى المغرب.
وجاء في البيان الذي نشرته جريدة «الخبر» الجزائرية، أن رئيس الحكومة المغربية «يعادي الشعوب الأمازيغية علنا»، وأنه «يرفض أي تقارب بينها»، مشيرا إلى أن رفض دخول مهني إلى المغرب، يتعارض مع دبلوماسية هذا البلد، الذي زكى «تقرير المصير بمنطقة القبائل»، خلال أشغال الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأوضحت الحركة الأمازيغية الجزائرية أن فرحات مهني تقدم بطلب إلى المصالح القنصلية المغربية بفرنسا، من أجل المشاركة في مهرجان «تيميتار» الذي تم تنظيمه في الفترة الممتدة بين 13 و16 يوليوز 2016، بعدما تمت دعوته من طرف المنظمين.
وحسب الحركة، فإن «مهني وضع طلب الحصول على التأشيرة لدى المصالح القنصلية المغربية بالاستعانة بجواز سفره، الذي يقدمه بصفته «لاجئا سياسيا»، وهو الجواز الذي استخرجه بفرنسا، قبل أن يتم رفض طلبه ومنعه من دخول التراب المغربي».
عبد الحليم حافظ: منعت سبع سنوات من دخول المغرب
حصلت قصة طريفة بين المطربة المصرية فايزة أحمد و«العندليب» الأسمر عبد الحليم حافظ، ففي إحدى الحفلات التي كان مقررا أن يشارك فيها «العندليب» بالغناء في المغرب بمناسبة الاحتفال بعيد الشباب، قابله أحد الصحفيين المصريين مساء في صالون الفندق الذي يقيم فيه، حيث كشف له عن غضب فايزة من عبد الحليم، حيث اتهمته بمنعها من المشاركة في الحفل وعدم إدراج اسمها في لائحة ضيوف الملك الحسن الثاني.
ضحك عبد الحليم وقال: «سبحان الله أنا الذي منعت سبع سنوات من دخول المغرب، ووضعت أنا وأغنياتي على اللائحة السوداء يتم اتهامي بأني أمنع الناس من المجيء إلى المغرب، وكيف هل أنا الحاكم في هذا البلد؟».
وحسب صحيفة «اليوم السابع» المصرية، فإن الصحافي أوضح لـ«العندليب» بأن فايزة أحمد قالت إن عبد الحليم يتولى، منذ عامين، مسؤولية التعاقد مع الفنانين الذين يشاركون في الحفلات المقامة بالمغرب، وأضافت أن حليم يغار منها لأنها عندما سافرت للمشاركة في هذه الاحتفالات عام 1961، حققت نجاحا كبيرا وتفاعل معها الجمهور بشكل لافت.
وخلال استضافة مجدي العمروسي، محامي عبد الحليم، في إحدى القنوات المصرية، روى قصة منع هذا الأخير من دخول المغرب، وقال: «هناك دولة عربية واحدة لم توجه إليه أي دعوة من أي جهة. تساءل عبد الحليم لماذا لم توجه إليه دعوات لحضور افتتاحيات أفلامه من الموزعين؟ وهل أفلامي تعرض هناك، أم لا تعرض إطلاقا؟». ويضيف العمروسي: «لم يقتنع عبد الحليم بكل تلك التبريرات والحجج وقرر إرسالي إلى المغرب لمعرفة الحقيقة، وعندما وصلت هناك لمعرفة سبب الابتعاد الفني لعبد الحليم، فوجئت بأن أغاني وأفلام عبد الحليم ممنوعين تماما عن الناس، وأن هذا المنع صادر عن جهات سيادية عليا، أي من الملك نفسه بأمر صادر من جلالته شخصيا، ولا أحد يعلم سببه».
علم المحامي أن سر المصادرة يرجع إلى تعاطف مصر مع الجزائر خلال حرب الرمال، وما أعقبها. واستكمل العمروسي روايته: «وجدت شخصية رسمية وفنية مغربية تهمس في أذني بالسر، وهو أن الملك الحسن علم بأن عبد الحليم تحمس للجزائر وقام بأداء أغنية تتغنى بالجزائر وأمجادها وتناصر الجزائر ضد المغرب. بعضهم اقترح أن أدفع عبد الحليم إلى كتابة ملتمس الصفح يكذب فيه التهمة». بل إن المحامي المصري، وكيل أعمال «العندليب»، ادعى أن عبد الوهاب الدكالي وشى وشاية كاذبة بعبد الحليم حافظ لدى الحسن الثاني.
ظلت العلاقة متشنجة بين عبد الحليم وعبد الوهاب، إلى أن تدخل الملك الحسن الثاني، وقام بتذويب جليد الخلاف بينهما، واقترح على «العندليب» إعادة أداء بعض أغاني عبد الوهاب الدكالي وهو ما فعله بالضبط، في إطار تبادل الثقافات والتجارب بين المغرب ومصر. كان ذلك سنة 1974، في جلسة جمعتهما حيث أديا سويا أغنية: «لا تسألني حبيتك هكذا»، ردا على الذين يقولون إن اللهجة المغربية غير مفهومة بالشرق.
القذافي يمنح أحمد فؤاد نجم جواز سفر ليبي ليدخل المغرب سرا
«كان ذلك في صيف 1986. وقتها كنت في ليبيا، وقد حملت الأخبار زيارة شيمون بيريز السرية إلى المغرب. اعتبرت هذه الزيارة كخرق للاتفاقية المبرمة بين المغرب وليبيا»، يتذكر الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم هذه الواقعة، ويسرد في حوار مع موقع مغربي الزيارة السرية التي قام بها إلى المغرب فيقول: «شخصيا كنت قلقا من ردة فعل القذافي على هذه الزيارة، لكنه أجابني بحكمة قائلا: «إن جلالة الملك الحسن الثاني، هو بمثابة الأخ الأكبر، وإنه ملتزم باتفاقية وجدة وحريص على تمتين العلاقة بين الشعبين»».
عبر الشاعر المصري عن رغبته في زيارة المغرب، لكنه ممنوع من دخول التراب الوطني، إلا أن القذافي أمر باستخراج جواز سفر ليبي يحمل اسم «نجم الدين أحمد عبد العزيز، فمرت الأمور على خير، ودخل المغرب دون أن يلفت نظر شرطة الحدود. استقر في فندق بالدار البيضاء يحمل اسم «الموحدين». بعد فترة وجيزة، قرأ على صحيفة «الاتحاد الاشتراكي» خبرا بتنظيم الذكرى الأربعين للمسرحي الشاب حوري الحسين، الذي انتحر. «عندها قررت الذهاب إلى مكان الحفل التأبيني. غيرت من هيئتي، ودخلت من باب خلفي. فجأة سمعت صوت الشاعر المغربي حسن نجمي الذي كان يترأس الحفل، وهو يقول: «الآن يلتحق بنا الشاعر العربي الكبير أحمد فؤاد نجم»، لترتفع الهتافات وأغاني الشيخ إمام. في ظل هذا الحماس تناولت الكلمة وتوجهت بكلمة للحاضرين، «قلت لي ليها ليها»، لقد انكشف أمري ولم أعد «نجم الدين أحمد عبد العزيز».
اتصل به الكاتب المغربي محمد برادة، الرئيس السابق لاتحاد كتاب المغرب، فأخبره بأن «مدير الأمن يطالبه بمغادرة المغرب، «لملمت أغراضي وغادرت المغرب شبه مطرود»». بعد سنوات سيعود نجم إلى المغرب بدعوة من وزير الثقافة، دون الحاجة إلى انتحال صفة مواطن ليبي.
صحافي «الباييس» في اللائحة السوداء
في مداخلة مثيرة لـ«إغناسيو سامبريرو»، خلال الندوة الدولية حول موضوع: «الصحافة بين الإخبار والتشهير»، التي نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والعصبة المغربية لحقوق الإنسان، كشف الصحافي الاسباني عما حصل له ذات أكتوبر من سنة 2002، حين كان جالسا في بهو فندق وسط مدينة سبتة، كان حينها يعمل في جريدة «الباييس» مكلفا بتغطية أحداث المنطقة المغاربية.
جمعته الجلسة بهاربين من العدالة المغربية، زوجة مدير سابق للقرض العقاري والسياحي، وعسكري برتبة ملازم في الجيش المغربي، هرب أخيرا من الجيش، فضلا عن الصحفي بيدرو كاناليس، مراسل جريدة «لاراسون» الإسبانية في المغرب.
«حسب الرواية المغربية الرسمية، كنا نحن الصحافيان نلعب دور حلقة الوصل بين الضابط العسكري والمركز الوطني الإسباني للمخابرات، هذا الجهاز كان يشرف، حسب الرواية نفسها آنذاك، على الاجتماع الذي كان على وشك الانعقاد في سبتة. كنا جميعا ننتظر وصول الصحافيين المغربيين علي عمار ومعاذ غاندي، من الأسبوعية الصادرة في الدار البيضاء «لوجورنال». كانت المديرية العامة المغربية لمراقبة التراب الوطني قد اعترضت سبيلهما في النقطة الحدودية «باب سبتة». من ناحية أخرى، لم يستطع الوصول إلى المكان ذاته صحافيان آخران مدعوان لذلك اللقاء، الأول هو جان بيير توكوا من جريدة «لوموند»، والثاني هو جان كلود جوفينال، رئيس مكتب «وكالة الأنباء الفرنسية» بالرباط، الذي طردته السلطات المغربية من البلاد، وكانا يتابعان بدقة ولو عن بعد وقائع اللقاء في الفندق».
عاد مدير مكتب وكالة الأنباء الفرنسية المطرود ليرابط في ثغر سبتة، وكأنه يريد أن ينتقم لنفسه من الإجلاء، تحدثت السلطات المغربية عن فيلق إعلامي ينفذ توصيات جهاز الاستخبارات الإسبانية «من أجل زعزعة استقرار جارها الجنوبي، المغرب».
قالت «لافي إيكونوميك» إن «رئيس الفريق الصحافي التابع لماريا أثنار هو إغناسيو سامبريرو، صحافي من «الباييس»، لا يفوت فرصة للإساءة إلى المغرب ومؤسساته»، بينما وصفته «أوجوردوي لو ماروك» بالمتآمر والجاسوس. وصلت القضية إلى المحاكم، لكن الغريب في النازلة أنه بعد ثلاث سنوات تمكن سامبريرو من دخول القصر، وإجراء حوار صحفي مع الملك محمد السادس لفائدة جريدته «الباييس».
تحدثت السلطات المغربية عن فيلق إعلامي ينفذ توصيات جهاز الاستخبارات الإسبانية من أجل زعزعة استقرار جارها الجنوبي المغرب
البصري يمنع دخول السرفاتي إلى المغرب بسبب موقفه من القضية الوطنية
توفي المعارض أبراهام السرفاتي، اليهودي الديانة المغربي الجنسية، عن عمر يناهز 84 سنة، قضى الجزء الأكبر منها في المعتقلات، سواء على أيدي السلطات الاستعمارية الفرنسية، أو على يد أمن مغرب ما بعد الاستقلال، لاتهامه بالتآمر ضد النظام الحاكم.
وكان أبراهام السرفاتي المنحدر من عائلة يهودية تم ترحيلها من إسبانيا بعد سقوط غرناطة سنة 1492، يعاني من «مشاكل في الرئة واضطراب في الذاكرة، وقد قضى العضو السابق في الحزب الشيوعي المغربي، ثم في حركة «إلى الامام» الماركسية اللينينية، نحو 17 سنة في السجن (1974- 1991) بالمغرب.
وكان السرفاتي من مؤيدي موقف جبهة البوليساريو الانفصالية، ما جر عليه غضب المغاربة وليس النظام الحاكم فقط، وقضى 17 سنة في سجن القنيطرة المركزي، قبل أن يفرج عنه الملك الحسن الثاني بعد حملة تضامن دولية، وتم ترحيله مباشرة من المغرب إلى فرنسا بأمر من وزير الداخلية حينها إدريس البصري، بدعوى أنه «مواطن برازيلي».
ومباشرة بعد توليه العرش سنة 2000، سمح الملك محمد السادس للسرفاتي بالعودة إلى المغرب بجواز سفر مغربي. واستقر في المحمدية مع زوجته كريستين دور، التي كانت دائما سنده.
بعد مرور أربع سنوات على وفاة زوجها أبراهام، التحقت كريستين دور برفيق دربها في مثواه الأخير يوم 28 ماي 2014، بعد مرض عضال لم ينفع معه دواء، حيث شيع جثمانها بحضور عدد كبير من اليساريين الذين واكبوا تجربتها النضالية. عانت بدورها من مصادرة حقها في الانتماء إلى المغرب، ومنعت من دخوله بقرار من وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، الذي وقع قرار المنع في شتنبر 1991، لكن الأقدار شاءت أن يموت في المصحة نفسها التي لفظت فيها كريستين الروح.
محمد الخامس يمنع ابن قيادي سياسي من دخول المغرب
يعد محمد بن عبد الجليل، شقيق القيادي الاستقلالي عمر بن عبد الجليل، ظاهرة سوسيولوجية بكل المقاييس، فالفتى الذي نشأ في وسط عائلي محافظ ودرس في القرويين وسافر إلى الديار المقدسة رفقة والديه، وحفظ القرآن الكريم منذ صغر سنه، سرعان ما غير جلده واستبدل دينه الإسلامي بالمسيحية التي اعتنقها، وتسلق فيها سلم الوجاهة الدينية إلى أن حصل على لقب «كاردينال».
كانت نقطة التحول في حياة محمد، هي علاقته بالمستشرق الفرنسي لويس ماسينيون، الذي كان مدرسا بالمغرب، فنشأت بين التلميذ ومعلمه علاقة إعجاب فاقت كل الحدود، سيما حين ظل حوار الأديان حاضرا في جلساتهما خارج أسوار المؤسسة، وهي العلاقة التي زادت متانة حين انتقل محمد إلى باريس لاستكمال دراسته الجامعية سنة 1925، حيث انكب على دراسة الفلسفة.
حسب رواية الباحث أحمد حموش، فإن الطالب المغربي اعتنق المسيحية واستبدل اسم محمد بـ«جون» وقطع علاقته بالمغرب، حينها قامت عائلته في المغرب بإقامة جنازة رمزية سنة 1927، إذ اعتبرته في حكم الموتى وأعلنت قطع علاقاتها به.
خلال زيارة السلطان محمد الخامس إلى باريس سنة 1930، رفض ملتمسا باستقبال هذا الطالب المثير للجدل، وعودته إلى المغرب، بالرغم من تردد مجموعة من الطلبة على مقر إقامته، بل إن شقيقه عمر القيادي الاستقلالي قام بمحاولات لإعادة «جون» إلى هويته المغربية، لكن دون جدوى.
في سنة 1958 كان للطالب النصراني لقاء خاص مع ولي العهد آنذاك الحسن الثاني، الذي سيصبح بعدها بثلاث سنوات ملكا للمغرب، هذا اللقاء لا يعرف حتى المقربون من «الأب» محمد بن عبد الجليل فحواه، لكن التكهنات كانت حول محاولة السلطات المغربية العفو عنه ورفع الحجر عن دخوله إلى بلده الأم، مقابل إعلان توبته واعتناق الإسلام على أن ينال مناصب حكومية، لكن تيار العلاقات انتهى كما بدأ. وحين فشلت المحاولة طلب ولي العهد من «جون» التوقف عن استدراج الطلبة المغاربة إلى الديانة المسيحية، والكف عن جهود استقطاب العرب المقيمين بفرنسا، مستغلا خصاصهم المالي وهشاشة عقيدة بعضهم.
ظل «الأب يوحنا» محمد بن عبد الجليل لسنوات طويلة يعاني من مرض سرطان اللسان، وقد كان في كتاباته يشتكي لأصدقائه شدة الألم ويكتب باللغة العربية: «الحمد لله على كل حال». خلفت حالته ضجة حتى بعد وفاته عام 1979، حيث تم دفنه بمقابر النصارى بصفته «كاردينال».
بن عرفة.. السلطان الذي منعت جثته من دخول المغرب
في فاتح أكتوبر 1955، انتهت صلاحية محمد بن عرفة، أو ما اصطلح عليه شارل أندري جوليان بـ«آلة توقيع الظهائر»، انتهت مغامرات الحكم القصيرة على عرش المملكة الشريفة، وتحت ضغط الشارع واتساع رقعة «ثورة الملك والشعب»، فضل بن عرفة الفرار إلى مدينة طنجة بحكم طبيعتها الدولية، ومنها إلى مدينة نيس الفرنسية، حيث سيقضي بقية حياته مغضوبا عليه، حتى وفاته في يوليوز 1976.
رفض الملك الراحل الحسن الثاني عودة محمد بن عرفة إلى المغرب، رغم استعطافه ورغم محاولات جهات وسيطة خاصة من فرنسا ومن المغرب، سيما أحمد رضا اكديرة، الوزير المقرب من الملك، حاولت قدر الإمكان انتزاع صفح ملك على «ملك»، عبر تقديم تفسيرات تفيد بأن قبوله الجلوس على العرش كان مفيدا للأسرة الملكية، لأنه فوت الفرصة على الحماية الفرنسية التي كان أقطابها يسعون إلى إقامة نظام جمهوري بالمغرب مكان النظام الملكي. رفض الملك الحسن الثاني استقرار بن عرفة البكر بالمغرب، لكنه خلافا لذلك سمح لبنات بن عرفة بالبقاء بالبلاد والقصر الملكي، وقد قيل إن الملك محمد الخامس كان على وشك العفو عن محمد بن عرفة، غير أن المنية وافته قبل القيام بذلك.
توفي بن عرفة في صيف 1976، ورفض الملك الحسن الثاني مقترح اكديرة الرامي إلى دفنه بالمغرب، حيث قال له ولمن توسط له من الفرنسيين: «وخا نبغي أنا، أرض المغرب غادي ترفضو». وبذلك تم دفنه بالديار الفرنسية، لكن الدفن كان مؤقتا إلى حين نجاح المساعي الحميدة، التي أثمرت موافقة الحسن الثاني على استقبال الجثمان ودفنه من جديد في تربة المغرب خلال الثمانينات، أي بعد مرور عشر سنوات على موت الملك «الاحتياطي». نقل رفاة محمد بن عرفة إلى فاس، وهي المدينة التي ولد فيها سنة 1886، حيث دفن في قبر مجهول لا يحمل أي لقب بمقبرة باب المكينة العتيقة، وقد تكلف الراحل إدريس البصري حينها بإجراءات النقل والدفن في سرية تامة، حيث عومل في مماته كمواطن خان العرش، بعد أن ساهمت عودة محمد الخامس من منفاه في كنس بن عرفة من الأذهان، بالرغم من الدعم والسند الذي قدمه له الباشا الكلاوي وكثير من القياد والباشوات.
وأصر أفراد أسرة بن عرفة على انتزاع عفو عن «السلطان» الذي جيء به من طرف المستعمر، ليخلف محمد الخامس وينهي النظام الملكي، لكن لا أحد من سلالة هذا «الملك البديل» كان يعلم أن نهايته لن تكون كبدايته، حين حمل إلى السلطة بالدف والمزمار والبيعة، ليوارى الثرى غريبا قبل أن يدفن في قبر مهجور يصعب الوصول إليه أو حتى الاقتراب منه، خوفا من عدوى الخيانة.