الممثل اليهودي روجي هانان يجبر بوتفليقة على انتظاره قبل التوشيح
ضدا على رغبات وزير الثقافة والإعلام محيي الدين عميمور قرر رئيس الجمهورية الجزائرية عبد العزيز بوتفليقة منح وسام الاستحقاق الوطني من مرتبة الأثير للممثل الفرنسي روجي هانان الذي ولد في القصبة بالجزائر العاصمة، وشارك في عدة أفلام تطرقت للحقبة الاستعمارية، كما دفن في الجزائر عند وفاته وسط جدل كبير.
اعترف عميمور بحجم الصدمة التي انتابته حين علم بخبر توشيح صدر الممثل اليهودي، «صدمت لأن معظم أعضاء الحكومة لا يحملون هذا الوسام، وهكذا اتصلت بزميلي وزير المجاهدين لأحذر من إعطاء وسام بهذا المستوى لرجل لم يعرف عنه نشاط متميز في خدمة الثورة الجزائرية، واقترحت التفكير بسرعة في استحداث وسام لأصدقاء الجزائر، وقلت له بصراحة إن عليه أن يطرح الأمر على من يراه وأن ينسب الأمر لي إن أراد، وتحدثت في الأمر شفويا لرئيس الحكومة».
وصل الأمر إلى الرئيس بوتفليقة الذي انتابته نوبة غضب من موقف الوزير، «أنا أتصور أن بعض من بلغهم ذلك أو تنصتوا عليه تطوعوا بنقل موقفي من الأمر كله إلى الرئيس، وبطريقة لعلها استثارت غضبه، وهو ما لم أتوقف عند بعض دلالاته في اليوم الأول ولكن برز أمامي في ما بعد عندما رحت أستعرض سيرتي في الوزارة منذ الأيام الأولى وحتى نهاية مهمتي».
حرص عميمور على تحرير الدعوات من منزله وبواسطة حاسوبه تجنبا لأي تجسس من المقربين، لكن «ومرة ثانية ألاحظ أنني كنت أكتب كل هذه المراسلات في منزلي وبنفسي على الحاسوب لكي لا يتسرب محتواها إلى أحد، وسيتأكد في ما بعد أنني كنت أعمل في مكتب بلا سقف ولا جدران، مع ملاحظة أن العقيد المكلف بالأمن في الوزارة لم يبلغني بأي أمر ذي قيمة طوال مدة تحملي للمسؤولية».
مرت سنوات وبدأ عميمور يتوصل بمعلومات تكشف حجم الحصار المضروب عليه والدسائس التي عاشها خلال مروره العابر بوزارة الثقافة والإعلام، يقول محيي الدين إن سفراء الجزائر يعلمون ما لا يعلمه. «الأكثر إثارة للاهتمام هو ما حدث بعد عدة سنوات وخلال جلسة مع الأخ عبد القادر حجار سفيرنا بالقاهرة، قال لي بأن البشير بومعزة رئيس مجلس الأمة قال له آنذاك بأنه: «كان على وزير الثقافة أن يستقيل فورا احتجاجا على قرار الرئيس»، وفي البداية قلت لحجار بأن بومعزة على حق، فالمواقف الوطنية كل لا يتجزأ، ولكنني وبعد عدة دقائق من الحوار تراجعت، فقد أحسست بأن أسبقية الاستقالة، إن كان لابد من تسجيل موقف وطني، تقع أولا على عاتق رئيس مجلس الأمة، وهو الشخصية الثانية في الدولة ورجل حزب الشعب الجزائري ومؤسس جمعية 8 مايو والشخصية القيادية في جبهة التحرير الوطني». واعتبر محيي الدين أن استقالة وزير بعد شهرين عن تعيينه تعد عبثا سياسيا.
سجل عميمور الموقف السلبي الذي أخذه منه بومعزة، وأرجعه لفترة عمله مع الرئيس الراحل هواري بومدين الذي لم يكن يشعر معه بأي تعاطف، «ربما بتصوره أنني، بمواقفي التي جاهرت بها في المجلس وكتبتها في الصحف، كنت أتلقى تعليمات من الرئيس بوتفليقة».
افتتح مهرجان سينما الصيف الفرنسية في 17 سبتمبر 2000، أي قبل أن ينتهي شهر على تسلم محيي الدين لمهامه الوزارية، واستقبل رئيس الجمهورية عند مدخل مسرح الهواء الطلق، وتوجها إلى إحدى ساحات المسرح الداخلية، حيث تقرر أن تسلم الأوسمة، وكان روجي هانان في زيارة لبعض مناطق البلاد فتأخر وصوله إلى مكان الحفل، وبالتالي تأخر بدء الحفل في انتظار وصوله، «كنت أكتم غيظي مما رأيت أنه استهانة برئيس الجمهورية، الذي كان يجب أن ينتظره الضيوف وليس العكس».
ووصل النجم الفرنسي أخيرا بعد طول انتظار، واستقبله وزير الثقافة في مدخل المبنى بصفته ضيفا على الرئيس، ثم اصطحبه للقاء بوتفليقة الذي أجلسه على يمينه على أريكة في صالون مرتجل، وجلس الوزير على كرسي كان على يمين روجي هانان متعمدا عدم الجلوس على يسار الرئيس لسببين على حد تعبيره: «أولهما احتراما للرئيس حتى لا يضطر إلى الالتفات يمينا ويسارا، وثانيهما خشية ألا ينظر الرئيس نحوي على الإطلاق فيكون ذلك مؤشرا لمن يوجدون حولنا على استهانته بوجودي، وكان ذلك أمرا ألهمني المولى عز وجل به».
حصلت مجموعة من المستجدات، إذ أعد عميمور كلمة الافتتاح التي قرر إلقاءها لأنه لم يكن يريد للرئيس أن يعطي لهذه التظاهرة العادية والمحدودة بافتتاحه لها تكريما لا تستحقه، «أتصور أن هذا كان خطأ ارتكبته، وهكذا توجهنا نحو قاعة المسرح المكشوف، حيث أخذت الكلمة لافتتاح المهرجان، وركزت في كلمتي القصيرة، ولهدف واضح جدا، على أن هذه التظاهرة هي جانب من برنامج ثري تنطلق به جزائر الوئام والاستقرار، بتوجيهات رئيس الجمهورية».
تعمد محيي الدين في الكلمة المكتوبة أن يوضح بأن العروض جزء من تظاهرات ثقافية متعددة الأوجه، تواصلت بافتتاح المعرض الدولي السادس للكتاب، ولسبب واضح هو عدم إعطاء التظاهرة السينمائية أكثر من حقها كجزء من نشاط موسع.
«لم أكن استأذنت الرئيس الذي لم يعطني أي توجيه في هذا الصدد، ولكنني تصرفت بناء على ما ارتأيته، وتزايد إحساسي بأن شيئا ما كان يزعج الرئيس الذي لم يكن يبدو مرتاحا، وبالتالي كنت أنا شخصيا أبذل جهدا مضاعفا لكي أسيطر على توتري، استمع الرئيس للكلمة بدون اهتمام واضح، ولم يعلق بأي كلمة مجاملة عند انتهائي».
كان مقررا أن يكتفي الرئيس بمتابعة مقدمة الفيلم ثم تشعل أضواء المسرح لتسمح له بالانصراف، وهو ما حدث فعلا، لكن الوزير فوجئ بأن الرئيس قفز من كرسيه بمجرد انتهاء المقدمة وإنارة الأضواء، واندفع عبر الممر من أعلى المسرح إلى أسفله، وراح الجميع يجري وراءه لوداعه، ولكنه، عندما وصل إلى سيارته المتوقفة خلف مبنى المسرح، ركبها بدون أن يلتفت خلفه.
«أحسست يومها بأن هذا ليس فألا جيدا، ولم أكن أعرف على وجه التحديد ماذا قيل للرئيس، ولم يسألني هو عن أي شيء، ولم أبادر باستفساره عن شيء، وكنت اكتفيت بأن قلت له في لحظات وقبل وصول «روجي هانان» أنني أطمع في أن يخصص لي دقائق أستعرض فيها معه أهم معطيات القطاع، وكانت تلك اللحظات هي الوحيدة التي حظيت بها منفردا مع الرئيس طوال وجودي في الحكومة. كنت أغلي غضبا، وقضيت الليل ساهرا أتخيل ما يمكن أن أقوم به كرد فعل على تصرف الرئيس، خصوصا أمام الممثل الفرنسي، وفكرت للمرة الأولى في الاستقالة، لكنني كظمت غيظي».
كان معرض الكتاب الدولي السادس سيفتتح بعد يومين، وهو ما دفع الوزير للعدول عن الاستقالة، خاصة أن المعرض توقف نحو 14 سنة، هي عمر الأزمة الجزائرية.