الملك يسير على نهج خطاب غشت ويدشن السنة الدراسية من مركز للتكوين المهني لأول مرة
أمزازي أمام امتحان تغيير الصورة السلبية للتكوين المهني عند المغاربة
المصطفى مورادي
أشرف الملك محمد السادس، يوم الخميس الماضي، بمركز التكوين في مهن الفندقة والسياحة، الكائن بحي كيش الوداية بتمارة، على إعطاء الانطلاقة الرسمية للسنة التربوية 2019-2020، كما ترأس حفل تقديم المعطيات المتعلقة بحصيلة ومستجدات إصلاح منظومة التربية والتكوين، ولاسيما آليات التوجيه الجديدة المعتمدة هذه السنة، والتي تأخذ بعين الاعتبار قدرات وميولات المتعلم. وتعكس هذه الالتفاتة الملكية، ذات الدلالات الرمزية القوية، المكانة المركزية التي يوليها الملك لقطاع التعليم، لتعزيز المنظومة التربوية ودعم وتوطيد قطاع التكوين المهني، باعتبارهما أساس التنمية، ومحفزا للانفتاح والرقي الاجتماعي، والضامن لحماية الفرد والمجتمع من آفتي الجهل والفقر.
وقام الملك أيضا، بهذه المناسبة، بزيارة ورشات مركز التكوين في مهن الفندقة والسياحة، الذي تم إنجازه بشراكة مع مؤسسة محمد الخامس للتضامن ودشنه الملك في 15 يوليوز 2014.
نجاح التكوين المهني رهين بتغيير صورته النمطية
تدشين الملك محمد السادس للسنة الدراسية من مركز للتكوين المهني يعتبر حدثا هو الأول من نوعه، بعد أن كانت الانطلاقة تتم من مؤسسة تعليمية. هذا الحدث جاء بعد أسابيع قليلة من خطاب الملك الذي دعا فيه إلى مراجعة صورتنا عن الشهادات المدرسة والجامعية المعروفة، على غرار الباكلوريا والإجازة، ومنه مراجعة صورتنا النمطية عن التكوين المهني. هذا الأخير الذي يعتبر في عيون عموم المغاربة مسلكا تكوينيا يلجأ إليه «الفاشلون». وهذا أول امتحان حقيقي أمام وزير التربية الوطنية. فبعد سنوات كان فيها التكوين المهني على هامش منظومة التربية والتكوين، بسبب الاستقلالية البيداغوجية والمؤسساتية لمكتب التكوين المهني عن وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي، أضحى وزير القطاع مجبرا على إيجاد توليفة مؤسساتية تدمج التكوين المهني ضمن مناهج وإيقاع التمدرس من داخل جميع مؤسسات التربية.
الرهان تواصلي أولا، بحسب مراقبين، إذ ينبغي وضع استراتيجية تواصلية تصل فيها هذه الرؤية الجديدة إلى كل المغاربة، وخاصة في القرى والمدن الهامشية. ثم ينبغي أيضا، حسب المتتبعين للشأن التربوي، خلق جاذبية في التكوينات المهنية، لتصبح اختيارا ذا حافزية بالنسبة للأسر المغربية، لتشجيع أبنائها على التكوين المهني بدل مراكمة الشهادات المدرسية والجامعية التي قد لا تضمن لهم عيشا كريما. لذلك كانت هذه الإشارة الواضحة من الملك محمد السادس، فالسنة الدراسية لا تنفصل عن السنة التكوينية، ومؤسسات التكوين المهني ليست منفصلة عن مؤسسات التربية. وبدل أن يتم إدخال مؤسسات التكوين المهني ضمن سياق اجتماعي وتنموي معزول، فإن التوجه الآن هو إدخالها ضمن تصور إصلاحي شمولي يلعب فيه التعليم عموما دور القاطرة. وهذا ما أكد عليه سعيد أمزازي عندما قدم حصيلة ومستجدات إصلاح منظومة التربية والتكوين أمام الملك بمناسبة تدشين السنة الدراسية، عندما أشار إلى أن البرامج والتدابير المزمع تنفيذها برسم هذا الإصلاح سجلت معدلات إنجاز مرضية للغاية، لاسيما تلك المرتبطة منها بالدعم المدرسي، ومكافحة الفقر والهشاشة، وتنفيذ البرنامج الوطني للتربية الدامجة، ووضع نظام وطني للتوجيه المبكر. ليبقى التحدي الأكبر هو تغيير الصورة السلبية عن التكوين المهني، ليصبح هذا الأخير جزءا من هذه البرامج..، علما أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين سبق له أن وقف مطولا عند هذه المسألة قبل أشهر، في تقرير له عن التكوين المهني، عندما أشار إلى «استمرار التصور السلبي للتكوين المهني عند الطلبة والأسر، والذي تعود أسبابه، على الخصوص، للصعوبات التي يواجهها خريجوه من أجل ولوج سوق الشغل ولضيق آفاق متابعة المسار الدراسي بالنسبة للراغبين في ذلك، ولا توجد عندنا جاذبية إلى التكوين المهني». مقترحا «تثمين التكوين المهني من خلال اقتراح سلسلة من التدابير، تروم إعطاء صورة إيجابية عن التكوين المهني، وتأكيد دوره المحوري في تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص والاندماج الاجتماعي».
انطلاق ورش إحداث مدن المهن والكفاءات
الإشارة الملكية بتدشين السنة الدراسية انطلاقا من مؤسسة للتكوين المهني، تأتي في ظل مجهودات كبيرة من طرف الوزارة الوصية، لتفعيل الرؤية الملكية الواردة في خطب كثيرة، ومنها خطاب 20 غشت الماضي. ففي ما يتعلق بالخدمات الاجتماعية لفائدة تلاميذ التعليم العالي ومتدربي التكوين المهني، نجد أن عرض الإيواء تعزز، في إطار الشراكة مع القطاع الخاص، بفتح 8 أحياء وإقامات جامعية (9 آلاف و294 سريرا) و5 مطاعم جامعية، مشيرا إلى أن أشغال بناء وتوسيع 18 حيا وإقامة جامعية (12 ألفا و798 سريرا) و4 مطاعم جامعية توجد في طور الإنجاز. كما أن موسم 2018-2019 عرف فتح 4 داخليات (500 سرير) ومطاعم لفائدة متدربي التكوين المهني وصرف 35 ألف منحة. ومن جهة أخرى، أبرز أمزازي أن الوزارة اتخذت عددا من التدابير الموازية، لاسيما تعزيز شبكة المدارس الجماعاتية من خلال تشييد 29 مدرسة من بينها تسع مؤسسات افتتحت بمناسبة الدخول المدرسي الجديد، وكذا مدارس الفرصة الثانية من الجيل الجديد، والتي سيتم فتح 30 منها برسم موسم 2019-2020. كما تم إحداث مسارات تخصص «رياضة ودراسة»، بشراكة مع وزارة الشباب والرياضة، بسلكي التعليم الثانوي والعالي، وكذا تحسين التحكم في اللغات الأجنبية، وتعزيز جودة التعليم على مستوى المؤسسات الخاصة للتكوين المهني والتعليم العالي.
وعلى مستوى تقدم برنامج مدن المهن والكفاءات، الذي يعد العمود الفقري لخارطة الطريق الجديدة لتنمية قطاع التكوين المهني، التي تمت بلورتها تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، وتقديمها بين يدي الملك في 4 أبريل الماضي. هذا البرنامج، الذي يهدف إلى تدشين جيل جديد من مؤسسات التكوين المهني، التي تشجع قابلية الشباب للتشغيل وتنافسية المقاولات وخلق القيمة على المستوى المحلي، من جهة، وكذا تحفيز مسيرة التغيير نحو منظومة وطنية للتكوين المهني متجانسة وأكثر نجاعة، من جهة أخرى. يقتضي هذا البرنامج، إنجاز 12 مدينة للمهن والكفاءات، بواقع مدينة لكل جهة من جهات المملكة، تبلغ طاقتها الاستيعابية 34 ألف مقعد بيداغوجي، بمعدل إيواء يبلغ 16 بالمائة، مشيرة إلى أنه سيتم ربط 8 مؤسسات ملحقة بهذه المدن، لاسيما مؤسستي التكوين في مهن الصحة بالرباط والدار البيضاء، و5 أقطاب لـ«الفلاحة» بجهات الشرق، وسوس- ماسة، وفاس – مكناس، وبني ملال- خنيفرة، والرباط -سلا- القنيطرة، بالإضافة إلى معهد السياحة الذي يوجد في طور البناء بالداخلة. علما أن مفهوم مدن المهن والكفاءات يعتمد على ثلاث دعامات أساسية، ويتعلق الأمر بفضاءات بيداغوجية عصرية، وهندسة محينة للتكوين وتثمين الرأسمال البشري. على أساس أن هذه الدعامات الثلاث ترتكز بدورها على الحكامة الجديدة لمقاولات التسيير، الكفيلة بتوفير تقارب حقيقي بين المشرف على التكوين، والمقاولة والجهة، عبر تمكين مدن المهن والكفاءات من مرونة وسلاسة التسيير الضروري للتكيف مع احتياجات سوق الشغل الذي يعيش على وقع تطور مستمر.
العرض سيتميز، أيضا، بتشكيلة تضم 11 قطاعا، توفر 449 شعبة للتكوين، 29 بالمائة منها حديثة، و24 بالمائة محينة. وبخصوص وضعية تقدم إنجاز البرنامج، فالبحث عن العقار انطلق بمجرد المصادقة على خارطة الطريق الجديدة، وأن اختيار الموقع الخاص بكل مدينة من مدن المهن والكفاءات هاته خضع لمنطق يروم تعزيز الحضور الاقتصادي، من أجل ضمان ربطها بمنظومتها، بما يمكن بالتالي من تشجيع الانفتاح على المقاولة والتكوين بالميدان المهني لفائدة المتدربين.
وسيتم تسليم هذه المدن على ثلاثة أشطر، وذلك في إطار احترام التزام انطلاق التكوين بين دخول سنة 2021 ودخول سنة 2023. وبذلك، سيتم افتتاح مدن المهن والكفاءات بجهات سوس- ماسة، والعيون- الساقية الحمراء، والشرق انطلاقا من دخول 2021، مضيفة أن دخول سنة 2022 سيعرف انطلاق 5 مدن للمهن والكفاءات جديدة، ويتعلق الأمر بالرباط-سلا-القنيطرة، وطنجة-تطوان – الحسيمة، وبني ملال-خنيفرة، ودرعة-تافيلالت، وكلميم-واد نون. كما أن دخول سنة 2023 سيتميز بإتمام إنجاز البرنامج، مع افتتاح مدن المهن والكفاءات لجهات الدار البيضاء-سطات، وفاس-مكناس، ومراكش-آسفي والداخلة-واد الذهب.