الملك يترأس جلسة افتتاح السنة التشريعية لمجلسي البرلمان
دعا إلى الإسراع بتأهيل وإعادة بناء المناطق المتضررة من الزلزال
أكد أن الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع ويجب توفير أسباب تماسكها
صرف الدعم المالي المباشر للأسر الفقيرة والهشة قبل نهاية هذه السنة
ترأس الملك محمد السادس، مرفوقا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن وصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، عشية يوم الجمعة الماضي بالرباط، افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة. وألقى الملك، بهذه المناسبة، خطابا وجهه لأعضاء مجلسي البرلمان، استهله بالحديث عن الزلزال المفجع الذي ضرب المملكة في بداية الشهر الماضي، والذي أظهر انتصار القيم المغربية الأصيلة. وشدد الملك على ضرورة مواصلة تقديم المساعدة للأسر المنكوبة والإسراع بتأهيل وإعادة بناء المناطق المتضررة وتوفير الخدمات الأساسية. وتطرق الملك، أيضا، إلى إصلاح مدونة الأسرة، ودعا إلى تحصين الأسرة بالمشاريع والإصلاحات الكبرى، ومن بينها ورش تعميم الحماية الاجتماعية، الذي اعتبره الملك دعامة أساسية للنموذج الاجتماعي والتنموي.
أكد الملك محمد السادس، يوم الجمعة الماضي، أن الزلزال المفجع الذي ضرب المملكة مخلفا آلاف الشهداء، والعديد من الجرحى، أظهر انتصار القيم المغربية الأصيلة.
انتصار القيم المغربية الأصيلة
قال الملك، في الخطاب السامي الذي وجهه لأعضاء مجلسي البرلمان، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، إن هذه الفاجعة أظهرت انتصار القيم المغربية الأصيلة، التي «مكنت بلادنا من تجاوز المحن والأزمات والتي تجعلنا دائما أكثر قوة وعزما على مواصلة مسارنا، بكل ثقة وتفاؤل».
وأضاف الملك أن تلك هي «الروح والقيم النبيلة، التي تسري في عروقنا جميعا، والتي نعتبرها الركيزة الأساسية لوحدة وتماسك المجتمع المغربي، وهي قيم وطنية جامعة، كرسها دستور المملكة، وتشمل كل مكونات الهوية المغربية الأصيلة، في انفتاح وانسجام مع القيم الكونية».
وخص الملك بالذكر، في هذا الصدد، القيم المؤسسة للهوية الوطنية الموحدة المتمثلة في القيم الدينية والروحية، وفي مقدمتها قيم الإسلام السني المالكي، القائم على إمارة المؤمنين، الذي يدعو إلى الوسطية والاعتدال، والانفتاح على الآخر، والتسامح والتعايش مع مختلف الديانات والحضارات وهو ما جعل المغرب نموذجا في العيش المشترك، بين المغاربة، المسلمين واليهود، وفي احترام الديانات والثقافات الأخرى.
كما تتمثل هذه القيم، يضيف الملك، في القيم الوطنية التي أسست للأمة المغربية، والقائمة على الملكية، التي تحظى بإجماع المغاربة، والتي وحدت بين مكونات الشعب المغربي، وعمادها التلاحم القوي والبيعة المتبادلة بين العرش والشعب.
وإلى جانب ذلك، يؤكد الملك، هناك قيم التضامن والتماسك الاجتماعي، بين الفئات والأجيال والجهات، التي جعلت المجتمع المغربي كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
وفي هذا الصدد، دعا الملك إلى مواصلة التشبث بهذه القيم، اعتبارا لدورها في ترسيخ الوحدة الوطنية، والتماسك العائلي، وتحصين الكرامة الإنسانية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وخاصة في ظل ما يعرفه، اليوم، من تحولات عميقة ومتسارعة أدت إلى تراجع ملحوظ في منظومة القيم والمرجعيات، والتخلي عنها أحيانا.
البناء وإعادة الإعمار
على صعيد متصل، أكد الملك أنه إذا كان الزلزال خلف الدمار، فإن «إرادتنا هي البناء وإعادة الإعمار». وفي هذا السياق، شدد الملك على ضرورة مواصلة تقديم المساعدة للأسر المنكوبة، والإسراع بتأهيل وإعادة بناء المناطق المتضررة وتوفير الخدمات الأساسية.
وأشار الملك إلى أنه، رغم هول الفاجعة، فإن ما يخفف من مشاعر الألم، ويبعث على الاعتزاز، ما أبانت عنه فعاليات المجتمع المدني، وعموم المغاربة، داخل الوطن وخارجه، من مظاهر التكافل الصادق والتضامن التلقائي مع إخوانهم المنكوبين.
وفي هذا الصدد، أشاد الملك بالتضحيات التي قدمتها القوات المسلحة الملكية، ومختلف القوات الأمنية، والقطاعات الحكومية والإدارة الترابية، لإنقاذ ومساعدة سكان المناطق المتضررة. وبهذه المناسبة، جدد الملك «عبارات الشكر للدول الشقيقة والصديقة، التي عبرت عن تضامنها مع الشعب المغربي، ووقفت إلى جانب الشعب المغربي في هذا الظرف الأليم».
وأكد الملك أنه ما فتئ يعمل على تحصين الأسرة بالمشاريع والإصلاحات الكبرى، ومن بينها «ورش تعميم الحماية الاجتماعية، الذي نعتبره دعامة أساسية لنموذجنا الاجتماعي والتنموي»، مبرزا أن «الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، حسب الدستور، لذا نحرص على توفير أسباب تماسكها»، مذكرا بأنه «في إطار هذه القيم الوطنية، التي تقدس الأسرة والروابط العائلية، تندرج الرسالة التي وجهناها إلى رئيس الحكومة، بخصوص مراجعة مدونة الأسرة».
الدعم الاجتماعي المباشر
أشار الملك إلى أنه سيتم الشروع، في نهاية هذه السنة، في تفعيل برنامج الدعم الاجتماعي المباشر. مبرزا أنه تجسيدا لقيم التضامن الاجتماعي، الراسخة عند المغاربة، «فقد قررنا ألا يقتصر هذا البرنامج، على التعويضات العائلية فقط؛ بل حرصنا على أن يشمل أيضا بعض الفئات الاجتماعية، التي تحتاج إلى المساعدة»، مشيرا جلالته إلى أن هذا الدعم يهم الأطفال في سن التمدرس، والأطفال في وضعية إعاقة؛ والأطفال حديثي الولادة؛ إضافة إلى الأسر الفقيرة والهشة، بدون أطفال في سن التمدرس، خاصة منها التي تعيل أفرادا مسنين.
وأوضح الملك أنه بفضل أثره المباشر، سيساهم هذا البرنامج في الرفع من المستوى المعيشي للعائلات المستهدفة، وفي محاربة الفقر والهشاشة، وتحسين مؤشرات التنمية الاجتماعية والبشرية، وقال إن «المجتمع يكون أكثر إنتاجا وأكثر مبادرة، عندما يكون أكثر تضامنا، وأكثر تحصينا أمام الطوارئ والتقلبات الظرفية»، مؤكدا أنه «قد وجهنا الحكومة لتنزيل هذا البرنامج، وفق تصور شامل، وفي إطار مبادئ القانون – الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، الذي صادق عليه البرلمان».
وشدد الملك على ضرورة تفعيل هذا البرنامج بطريقة تدريجية، تراعي تطور الاعتمادات المالية المرصودة، وتحدد المستوى الأمثل للتغطية، ومبالغ التحويلات المالية وكيفيات تدبيرها، مضيفا أنه «ينبغي أن يشكل نموذجا ناجحا في تنزيله، على أساس نظام الاستهداف الخاص بالسجل الاجتماعي الموحد، وأن يستفيد من الفعالية التي توفرها التكنولوجيات الحديثة».
وفي هذا الإطار، أكد الملك على ضرورة احترام مبادئ التضامن والشفافية والإنصاف، ومنح الدعم لمن يستحقه، داعيا الحكومة إلى العمل على إعطاء الأسبقية لعقلنة ونجاعة برامج الدعم الاجتماعي الموجودة حاليا، وتأمين استدامة وسائل التمويل، كما أكد على «ضرورة اعتماد حكامة جيدة لهذا المشروع، في كل أبعاده، وأن يتم وضع آلية خاصة للتتبع والتقييم، بما يضمن له أسباب التطور والتقويم المستمر».
توجيهات ملكية للإسراع بتأهيل وإعادة بناء المناطق المتضررة من الزلزال
أكد الملك محمد السادس في خطابه الموجه إلى أعضاء مجلسي البرلمان أن الزلزال المفجع الذي ضرب المملكة مخلفا آلاف الشهداء، والعديد من الجرحى، أظهر انتصار القيم المغربية الأصيلة. وشدد الملك على ضرورة مواصلة تقديم المساعدة إلى الأسر المنكوبة، والإسراع بتأهيل وإعادة بناء المناطق المتضررة، وتوفير الخدمات الأساسية.
وكان الملك قد ترأس جلسة عمل خصصت لبرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، وهي الثالثة منذ أن ضرب الزلزال منطقة الحوز، وتأتي امتدادا للتوجيهات التي أعطاها الملك خلال اجتماعي 9 و14 شتنبر الماضي، والتي وضعت لبنات برنامج، مدروس، مندمج، وطموح يهدف إلى تقديم جواب قوي، منسجم، سريع، وإرادي، بميزانية توقعية إجمالية تقدر بـ120 مليار درهم، على مدى خمس سنوات، تغطي الصيغة الأولى من البرنامج المندمج ومتعدد القطاعات الذي قدم بين يدي الملك الستة أقاليم والعمالة المتأثرة بالزلزال (مراكش، الحوز، تارودانت، شيشاوة، أزيلال، وورزازات)، مستهدفة ساكنة تبلغ 4,2 ملايين نسمة.
ويضم هذا البرنامج، الذي تم إعداده حسب مقاربة التقائية، وعلى أساس تشخيص محدد للحاجيات وتحليل للمؤهلات الترابية والفاعلين المحليين، مشاريع تهدف من جهة، إلى إعادة بناء المساكن وتأهيل البنيات التحتية المتضررة، طبقا للتدابير الاستعجالية المقررة خلال اجتماع 14 شتنبر المنصرم، ومن جهة أخرى، تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المستهدفة.
ويتمحور البرنامج حول أربعة مكونات أساسية، وهي إعادة إيواء السكان المتضررين، إعادة بناء المساكن وإعادة تأهيل البنيات التحتية، وفك العزلة وتأهيل المجالات الترابية، وتسريع امتصاص العجز الاجتماعي، خاصة في المناطق الجبلية المتأثرة بالزلزال؛ وتشجيع الأنشطة الاقتصادية والشغل، وكذا تثمين المبادرات المحلية.
كما يتضمن البرنامج، وكما أمر بذلك الملك، إحداث منصة كبرى للمخزون والاحتياطات الأولية (خيام، أغطية، أَسِرَّة، أدوية، مواد غذائية..)، بكل جهة، وذلك قصد التصدي بشكل فوري للكوارث الطبيعية.
وخلال جلسة العمل هذه، دعا الملك الحكومة إلى تنزيل الرؤية التي تم تقديمها على مستوى كل من الأقاليم والعمالة المتضررة. وشدد الملك، مجددا، على أهمية الإنصات الدائم للساكنة المحلية، قصد تقديم الحلول الملائمة لها، مع إيلاء الأهمية الضرورية للبعد البيئي والحرص على احترام التراث المتفرد وتقاليد وأنماط عيش كل منطقة.
كما شدد الملك على ضرورة اعتماد حكامة نموذجية مقوماتها السرعة والفعالية والدقة والنتائج المقنعة، حتى يصبح برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة نموذجا للتنمية الترابية المندمجة والمتوازنة.
وسيتم تأمين التمويل لهذا البرنامج الكبير انطلاقا من الاعتمادات المرصودة من الميزانية العامة للدولة، ومساهمات الجماعات الترابية، والحساب الخاص للتضامن المخصص لتدبير الآثار المترتبة على الزلزال، وكذا من خلال الدعم والتعاون الدولي.
وفي هذا الصدد، وفي إطار مهام صندوق الحسن الثاني في مجال دعم إنجاز البرامج والمشاريع ذات النتائج المهيكلة من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أصدر الملك تعليماته السامية قصد مساهمة هذا الصندوق بمبلغ ملياري درهم لتمويل هذا البرنامج.
وكان الملك قد ترأس اجتماع عمل خصص لتفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضررا من زلزال الحوز، والذي كان موضوع تعليمات ملكية خلال جلسة العمل التي ترأسها الملك يوم 9 شتنبر الماضي.
وأفاد بلاغ للديوان الملكي بأن هذا الاجتماع يأتي امتدادا للتدابير التي أمر بها الملك والهادفة إلى تعبئة كافة الوسائل بالسرعة والنجاعة اللازمتين، من أجل تقديم المساعدة إلى الأسر والمواطنين المتضررين، خصوصا من أجل تنفيذ التدابير المتعلقة بإعادة التأهيل والبناء في المناطق المتضررة من هذه الكارثة الطبيعية ذات الآثار غير المسبوقة، في أقرب الآجال.
وتهم هذه النسخة الأولى من برنامج إعادة الإيواء التي تم تقديمها بين يدي الملك، والتي تم إعدادها من قبل اللجنة الوزارية التي تم تشكيلها بتعليمات ملكية سامية، نحو 50 ألف مسكن انهارت كليا أو جزئيا على مستوى الأقاليم الخمسة المتضررة.
ويشمل البرنامج، من جهة، مبادرات استعجالية للإيواء المؤقت، وخصوصا من خلال صيغ إيواء ملائمة في عين المكان وفي بنيات مقاومة للبرد وللاضطرابات الجوية، أو في فضاءات استقبال مهيأة وتتوفر على كل المرافق الضرورية. من جهة أخرى، ستمنح الدولة مساعدة استعجالية بقيمة 30000 درهم للأسر المعنية.
وفي هذا الصدد أثار الملك انتباه السلطات المختصة إلى أن عملية إعادة الإيواء تكتسي أولوية قصوى، ويجب أن تنجز في احترام للشروط الضرورية المتعلقة بالإنصاف والإنصات الدائم لحاجيات السكان المعنيين.
ويتمثل البرنامج، من جهة أخرى، في اتخاذ مبادرات فورية لإعادة الإعمار، تتم بعد عمليات قبلية للخبرة وأشغال التهيئة وتثبيت الأراضي. ومن المقرر لهذا الغرض، تقديم مساعدة مالية مباشرة بقيمة 140 ألف درهم للمساكن التي انهارت بشكل تام، و80 ألف درهم لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئيا.
كما شدد الملك على ضرورة أن يتم إجراء عملية إعادة الإعمار على أساس دفتر للتحملات، وبإشراف تقني وهندسي بانسجام مع تراث المنطقة والذي يحترم الخصائص المعمارية المتفردة.
من جهة أخرى، جدد الملك، خلال اجتماع العمل، التأكيد على تعليماته السامية حتى تكون الاستجابة قوية، سريعة، واستباقية مع احترام كرامة السكان، وعاداتهم وأعرافهم وتراثهم. فالإجراءات لا يجب أن تعمل فقط على إصلاح الأضرار التي خلفها الزلزال، ولكن أيضا إطلاق برنامج مدروس، مندمج، وطموح من أجل إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة بشكل عام، سواء على مستوى تعزيز البنيات التحتية أو الرفع من جودة الخدمات العمومية.
هذا البرنامج ذو الأبعاد المتعددة سيعبئ أساسا الوسائل المالية الخاصة للدولة والمؤسسات العمومية، وسيكون أيضا مفتوحا للمساهمات الواردة من الفاعلين الخواص والجمعويين، وكذا الدول الشقيقة والصديقة، التي ترغب في ذلك والتي يجدد لها الملك بهذه المناسبة عبارات الشكر الصادقة للمملكة المغربية.
وخلال هذا الاجتماع، تطرق الملك أيضا إلى موضوع يحظى بالأولوية وبالأهمية، ويتعلق بالتكفل الفوري بالأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم وأضحوا بدون موارد. كما أعطى الملك أوامره بإحصاء هؤلاء الأطفال ومنحهم صفة مكفولي الأمة.
وبهدف انتشالهم من هذه المحنة وحمايتهم من جميع المخاطر وجميع أشكال الهشاشة التي قد يتعرضون لها للأسف بعد هذه الكارثة الطبيعية، أعطى الملك أوامره للحكومة من أجل اعتماد مسطرة المصادقة على مشروع القانون اللازم لهذا الغرض، وذلك في أقرب الآجال.
تعميم الحماية الاجتماعية.. ورش اجتماعي بتطلعات ملكية
تسارع حكومة عزيز أخنوش، الخطوات نحو تنزيل تعميم الحماية الاجتماعية، لذا باشرت تعبيد طريق التشريع القانوني من خلال إصدار مشروع قانون يهدف إلى تعميم الحماية الاجتماعية لتشمل الأشخاص الذين لا يتوفرون عليها، وذلك من أجل التقليص من الفقر ومحاربة الهشاشة، ومن أجل بلوغ هذه الأهداف، ستعمل الدولة على إصلاح الأنظمة والبرامج الاجتماعية المعمول بها، سيما الإصلاح التدريجي لنظام المقاصة، وتفعيل السجل الاجتماعي الموحد، وإصلاح المنظومة الصحية الوطنية وتأهيلها، وتنسيق عمل كافة المتدخلين المعنيين بتعميم الحماية الاجتماعية، واتخاذ جميع التدابير ذات الطابع التشريعي والمؤسساتي والمالي، التي تمكن من تفعيل تعميم الحماية الاجتماعية.
سيتم تنزيل هذا الإصلاح داخل أجل خمس سنوات، وذلك عبر تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال سنتي 2021 و2022، وتعميم التعويضات العائلية من خلال تمكين الأسر التي لا تستفيد من هذه التعويضات وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، من الاستفادة حسب الحالة، من تعويضات للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة، أو من تعويضات جزافية، وذلك خلال سنتي 2023 و2024، ثم توسيع الانخراط في أنظمة التقاعد وتعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل سنة 2025.
ويرتكز تعميم الحماية الاجتماعية على آليتين للتمويل، وهما آلية قائمة على الاشتراك بالنسبة إلى الأشخاص القادرين على المساهمة في تمويل هذه الحماية الاجتماعية، وآلية قائمة على التضامن لفائدة الأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك، وترتكز الآلية القائمة على الاشتراك، على الأداء المسبق لمبالغ الاشتراك من طرف الأشخاص المؤمنين أو عن طريق الغير لحسابهم الخاص، ويتم تمويل الحماية الاجتماعية في إطار هذه الآلية عن طريق الاشتراكات المستحقة تطبيقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، والواجبات التكميلية التي تفرضها الدولة على بعض الفئات المهنية، في إطار نظام المساهمة المهنية الموحدة، قصد أداء الاشتراكات الاجتماعية.
وقد باشرت أولى الخطوات من خلال مصادقة المجالس الحكومية على عدد من مشاريع مراسيم، ويتعلق الأمر بمشروع مرسوم رقم 2.21.290 بتطبيق القانون رقم 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض والقانون رقم 99.15 بإحداث نظام للمعاشات، الخاصين بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، فيما يتعلق بالأطباء، ومشروع مرسوم رقم 2.21.528 بتطبيق القانون رقم 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض والقانون رقم 99.15 بإحداث نظام للمعاشات، فيما يتعلق بالقوابل ومزاولي مهن الترويض والتأهيل وإعادة التأهيل الوظيفي، وصناع رمامات الأسنان، والمختصين في الحمية والتغذية والمختصين في علم النفس دون الأطباء المتخصصين في الطب النفسي.
كما تمت المصادقة على مشروع مرسوم رقم 2.21.529 بتطبيق القانون رقم 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في ما يتعلق بأطباء الأسنان، ومشروع مرسوم رقم 2.21.530 بتطبيق القانون رقم 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض المتعلق بالصيادلة، بالإضافة إلى مشروع مرسوم رقم 2.21.752 بتطبيق القانون رقم 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، الخاص بالموثقين، ومشروع مرسوم رقم 2.21.750 بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.20.659 الصادر في 29 من محرم 1442 (18 شتنبر 2020) بتطبيق القانون رقم 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لفئة المرشدين السياحيين، وهي المشاريع الستة التي تشترك في طبيعتها التطبيقية للقانون رقم 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض والقانون رقم 99.15 بإحداث نظام للمعاشات، الخاصين بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، بما يتيح استفادة عدد من الفئات المهنية من التغطية الصحية والاجتماعية.
وكان الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، قد كشف الخطوط العريضة لمشروعه الذي يهدف توسيع قاعدة الحماية الاجتماعية، لتشمل أيضا العمال غير الأجراء.
وتهدف الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، لتشمل 22 مليون مستفيد، عبر مراحل، حيث ستشرع في تسجيل أزيد من 500 ألف من الأشخاص الخاضعين لنظام المساهمة المهنية الموحدة و120 ألف من التجار والصناع التقليديين الذين يمسكون محاسبة، بدءاً من دجنبر الماضي، لتتسع دائرة الاستفادة، في فبراير من العام القادم، لتشمل الأطباء، الصيادلة، أطباء الأسنان والموثقين والمهن شبه الطبية.
ثلاثة أسئلة
عتيق السعيد*
“الخطاب الملكي دعوة للتشبث الدائم بقيم التضامن المجتمعي لترسيخ الوحدة الوطنية”
- ما هي دلالات إشارة الخطاب الملكي لعمليات التضامن والتأهيل التي شهدتها مناطق الحوز؟
الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، أكد على الإرادة المولوية في البناء وإعادة الإعمار وتأهيل المناطق المتضررة من زلزال الحوز، ومواصلة تقديم المساعدة للأسر المنكوبة، والإسراع بتأهيل وإعادة بناء المناطق المتضررة، ترسيخا لقيم التضامن المغربية الأصيلة، باعتبارها الركيزة الأساسية، لوحدة وتماسك المجتمع المغربي والتي مكنت بلادنا باستمرار وفي مختلف الظروف من تجاوز المحن والأزمات، بما يجعلها دائما أكثر قوة وعزما على مواصلة مسار التنمية البشرية بكل ثقة وتفاؤل.
إن الخطاب الملكي حمل دعوة للتشبث الدائم بقيم التضامن المجتمعي كدعامة أساسية لترسيخ الوحدة الوطنية وتعزيز العدالة الاجتماعية، حيث وقف على أهمية المبادرات التضامنية التي شهدتها المناطق المتضررة من زلزال الحوز، والجهود التنموية المبذولة تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس من أجل إعادة الإعمار ما بعد الزلزال، وتجاوز كل تداعيات وآثار الكارثة الطبيعية على الساكنة، والسعي الحثيث لتفكيك مختلف الإكراهات سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية، بهدف تدعيم إتاحة الخدمات التضامنية، وضمان تثمين الحيز الإنساني التكافلي من جهة، ومن جهة ثانية تعزيز القدرات والإمكانات لحشد كل الموارد ذات الصلة بإعادة البناء والإعمار، وهي كلها قيم وطنية جامعة، كرسها دستور المملكة تشمل كل مكونات الهوية المغربية الأصيلة في انفتاح وانسجام مع القيم الكونية، شكلت في عمق دلالاتها ميثاقا اجتماعيا متينا قائما على قيم التعاون والتآزر والتضامن والتكافل المجتمعي المعهودة للمغرب ملكا وشعبا، تعد اليوم رافعة حقيقية من رافعات العمل الاجتماعي المستدام، وركيزة أساسية من ركائز الثقافة المغربية الأصيلة.
الخطاب السامي دعا إلى مواصلة التشبث بقيم التضامن والتماسك الاجتماعي، لما لها من دور كبير في ترسيخ الوحدة الوطنية، والتماسك العائلي، وتحصين الكرامة الإنسانية، وتعزيز العدالة الاجتماعية ولاسيما في سياق ما يعرفه العالم، من تحولات عميقة ومتسارعة، أدت إلى تراجع ملحوظ في منظومة القيم والمرجعيات، لتكون دائما الحصن الآمن من كل المتغيرات والأزمات كيفما كانت وأينما كانت.
- ماذا بخصوص الإشارة الملكية إلى تعميم الحماية الاجتماعية؟
الخطاب الملكي أكد على أن ورش تعميم الحماية الاجتماعية يعد دعامة أساسية لتحصين المشاريع والإصلاحات في المجال الاجتماعي، هذا الورش يعد لبنة أساسية في عمليات تقليص الفقر ومحاربة كل أشكال الهشاشة ودعم القدرة الشرائية للأسر وتعميم التأمين الصحي الإجباري على جميع المواطنات والمواطنين، وتعميم التعويضات العائلية والتعويض عن فقدان الشغل، وتوسيع نظام التقاعد، وللنهوض بترسيخ العدالة الاجتماعية، ذلك أن الحماية الاجتماعية تركز على جميع آليات الاحتياط الجماعي التي تمكن الأفراد أو الأسر من مجابهة الآثار المالية المترتبة عن المخاطر الاجتماعية، وترتكز في ذات السياق على آليتين هما التأمين الاجتماعي والمساعدة الاجتماعية، مما يجعلها ورشا ينبني على هندسة اجتماعية بأبعاد آنية واستباقية أفقيا وعموديا تعزز من مقومات الدولة الاجتماعية.
هذا، ولابد من الإشارة إلى أن ورش تعميم الحماية الاجتماعية يساهم في تعزيز التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي، وبالتالي بلادنا، من خلال إصلاح وحكامة منظومة الحماية الاجتماعية، ستكون أمام ورش يساير التحولات المجتمعية ويتأقلم مع المتغيرات المتسارعة داخليا وخارجيا، حيث ترتكز الحماية الاجتماعية في المقام الأول على إدارة المخاطر الاجتماعية، وبالتالي فهي توفر دورة فعالة من التنمية والنمو، كما تمكن من الحد من فقر الأسر، وتعزيز التماسك والاستقرار الاجتماعي، والمساهمة في التنمية الشاملة، وبالتالي تشكل الحماية الاجتماعية اليوم أداة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة حيث توفر آليات الحماية الاجتماعية للأسر مزايا اجتماعية تمكنها من العيش بكرامة.
- ماذا عن أهمية السجل الاجتماعي في تنزيل برامج الحماية الاجتماعية؟
الخطاب الملكي السامي أكد على أهمية السجل الاجتماعي في عملية الدعم المباشر، ذلك لكون السجل الاجتماعي الموحد يهدف إلى تيسير وضبط عمليات استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي، كما يعد مشروعا اجتماعيا واستراتيجيا بأبعاد متعددة، وأيضا بطموح واسع الأفق في مجال الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، كونه يهم فئات واسعة من المغاربة تعد القاعدة الأساس لحيوية المجتمع وتماسكه في الأزمات ومختلف الفترات العصيبة، وبالتالي فأهميته تتبين باعتباره أكبر من أن يعكس مجرد برنامج حكومي لولاية محددة، أو يختزل في رؤية قطاع وزاري، أو فاعل حزبي أو سياسي، لأنه ورش اجتماعي مستدام بدرجة أولى.
بناء على ما تقدم يمكن القول بأن الورش في ارتباطه بعمليات الدعم المباشر للفئات المستهدفة سيمكن من توفير بنك معطيات اجتماعية مهمة تحدد بشكل مفصل ومستمر الأوضاع الاجتماعية التي ستعمل بمثابة إطار موحد ودقيق يفضي إلى فحص عملية الدعم الاجتماعي بناء على معايير مضبوطة، تكون الإطار الصحيح لرصد الفئات المستهدفة من الدعم، وأيضا القدرة بشكل استشرافي على قياس مؤشرات فعالية ونجاعة المشاريع التنمية في المجال الاجتماعي ببلادنا.
ولا بد من الإشارة إلى أن المغرب مقبل على منعطف جديد من حيث رقمنة المعطيات الاجتماعية، مما سيمكن بفعالية ونجاعة عالية من إحداث أكبر قاعدة بيانات بيومترية، مشروع سَيُسْهِمُ في الحد من تجزئة البيانات الاجتماعية بشكل يضمن الموثوقية والجودة والدقة في الاستهداف والدعم الاجتماعي المباشر، كما يمكن أن يعتبر مؤشرا واقعيا ودقيقا لقياس دينامية التحولات الاجتماعية والاقتصادية بمختلف مناطق المملكة، بما يخدم أيضا مشروع النموذج التنموي الجديد، بل أكثر من ذلك يمكن أن يشكل القاعدة الأساس التي يبني عليها التطور المستدام للنموذج التنموي بشكل يضمن تحقيق الواقعية في التقييم والرصد الواسع النطاق.
هذه الخطوة التدبيرية للمجال الاجتماعي، ستمكن المغرب على مستوى الاستفادة من التطورات المتلاحقة في مجال الرقمنة والتكنولوجيات لتحسين استهداف الشرائح المعنية بمختلف برامج الدعم الحكومية، ومنه يمكن القول بأن بلادنا تحت قيادة جلالة الملك ترسم معالم مرحلة جديدة قوامها تنمية بشرية مستدامة.