الملك محمد السادس يترأس افتتاح السنة التشريعية
إشكالية الماء والاستثمار أهم القضايا المطروحة على أجندة الحكومة والبرلمان
وجه الملك محمد السادس، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن، يوم الجمعة الماضي، خطابا إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة. وأكد الملك أن افتتاح البرلمان ليس مجرد مناسبة دستورية، لتجديد اللقاء بممثلي الأمة، وإنما نعتبره موعدا سنويا هاما، لطرح القضايا الكبرى للأمة، سيما تلك التي تحظى بالأسبقية. وركز الملك في خطابه على موضوعين هامين، الأول يتعلق بإشكالية الماء وما تفرضه من تحديات ملحة، وأخرى مستقبلية، والثاني يهم تحقيق نقلة نوعية في مجال النهوض بالاستثمار.
وأكد الملك محمد السادس في خطابه أن الماء هو أصل الحياة، وهو عنصر أساسي في عملية التنمية، وضروري لكل المشاريع والقطاعات الإنتاجية، معتبرا أن إشكالية تدبير الموارد المائية تطرح نفسها بإلحاح، خاصة أن المغرب يمر بمرحلة جفاف صعبة، هي الأكثر حدة، منذ أكثر من ثلاثة عقود.
ولمواجهة هذا الوضع، يقول الملك: «بادرنا منذ شهر فبراير الماضي باتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية، في إطار مخطط مكافحة آثار الجفاف، بهدف توفير ماء الشرب، وتقديم المساعدة للفلاحين، والحفاظ على الماشية»، مضيفا: «وإدراكا منا للطابع البنيوي لهذه الظاهرة ببلادنا، ما فتئنا نولي كامل الاهتمام لإشكالية الماء، في جميع جوانبها».
وتحدث الملك عن تخصيص عدة جلسات عمل لهذه المسألة، تكللت بإخراج البرنامج الوطني الأولوي للماء 2020- 2027، كما حرص، منذ توليه العرش، على مواصلة بناء السدود، حيث: «قمنا بإنجاز أكثر من 50 سدا، منها الكبرى والمتوسطة، إضافة إلى 20 سدا في طور الإنجاز»، مشيرا إلى أنه كيفما كان حجم التساقطات، خلال السنوات المقبلة، فإنه حريص على تسريع إنجاز المشاريع التي يتضمنها هذا البرنامج، في كل جهات ومناطق المملكة، وخص بالذكر، استكمال بناء السدود المبرمجة، وشبكات الربط المائي البيني، ومحطات تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى تعزيز التوجه الهادف إلى الاقتصاد في استخدام الماء، سيما في مجال الري.
إجهاد مائي هيكلي
أبرز الملك في خطابه أن مشكلة الجفاف وندرة المياه لا تقتصر على المغرب فقط، وإنما أصبحت ظاهرة كونية، تزداد حدة، بسبب التغيرات المناخية، كما أن الحالة الراهنة للموارد المائية تسائل الجميع، حكومة ومؤسسات ومواطنين، وتقتضي من الجميع التحلي بالصراحة والمسؤولية في التعامل معها، ومعالجة نقاط الضعف، التي تعاني منها، حيث أصبح المغرب يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي. ولا يمكن حل جميع المشاكل، بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة، رغم ضرورتها وأهميتها البالغة.
ودعا الملك لأخذ إشكالية الماء، في كل أبعادها، بالجدية اللازمة، سيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول، لهذه المادة الحيوية، وقال: «كما ينبغي ألا يكون مشكل الماء، موضوع مزايدات سياسية، أو مطية لتأجيج التوترات الاجتماعية»، مضيفا: «وكلنا كمغاربة مدعوون لمضاعفة الجهود، من أجل استعمال مسؤول وعقلاني للماء»، وهو ما يتطلب إحداث تغيير حقيقي في سلوكنا تجاه الماء. وعلى الإدارات والمصالح العمومية، أن تكون قدوة في هذا المجال، كما يجب العمل على التدبير الأمثل للطلب، بالتوازي مع ما يتم إنجازه، في مجال تعبئة الموارد المائية.
أما على المدى المتوسط، يضيف الملك، فيجب تعزيز سياستنا الإرادية في مجال الماء، وتدارك التأخر الذي يعرفه هذا القطاع، وقال: «فواجب المسؤولية يتطلب اليوم، اعتماد اختيارات مستدامة ومتكاملة، والتحلي بروح التضامن والفعالية، في إطار المخطط الوطني الجديد للماء، الذي ندعو إلى التعجيل بتفعيله».
وهنا، ركز الملك على بعض التوجهات الرئيسية، وهي أولا: ضرورة إطلاق برامج ومبادرات أكثر طموحا، واستثمار الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة، في مجال اقتصاد الماء، وإعادة استخدام المياه العادمة، وثانيا: إعطاء عناية خاصة لترشيد استغلال المياه الجوفية، والحفاظ على الفرشة المائية، من خلال التصدي لظاهرة الضخ غير القانوني، والآبار العشوائية، وثالثا: التأكيد على أن سياسة الماء ليست مجرد سياسة قطاعية، وإنما هي شأن مشترك يهم العديد من القطاعات، وهو ما يقتضي التحيين المستمر للاستراتيجيات القطاعية، على ضوء الضغط على الموارد المائية، وتطورها المستقبلي، ورابعا: ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التكلفة الحقيقية للموارد المائية، في كل مرحلة من مراحل تعبئتها، وما يقتضي ذلك من شفافية وتوعية، بكل جوانب هذه التكلفة.
الاستثمار وخلق فرص الشغل
في ما يتعلق بالمحور الثاني لهذا الخطاب، أكد الملك أن موضوع الاستثمار يحظى ببالغ اهتمامه، وقال: «إننا نراهن اليوم، على الاستثمار المنتج، کرافعة أساسية لإنعاش الاقتصاد الوطني، وتحقيق انخراط المغرب في القطاعات الواعدة؛ لأنها توفر فرص الشغل للشباب، وموارد التمويل لمختلف البرامج الاجتماعية والتنموية». وعبر عن انتظاراته بأن يعطي الميثاق الوطني للاستثمار دفعة ملموسة، على مستوى جاذبية المغرب للاستثمارات الخاصة، الوطنية والأجنبية، وهو ما يتطلب رفع العراقيل، التي لا تزال تحول دون تحقيق الاستثمار الوطني لإقلاع حقيقي، على جميع المستويات.
وشدد الملك على أن المراكز الجهوية للاستثمار مطالبة بالإشراف الشامل على عملية الاستثمار، في كل المراحل والرفع من فعاليتها وجودة خدماتها، في مواكبة وتأطير حاملي المشاريع، حتى إخراجها إلى حيز الوجود، وفي المقابل، ينبغي أن تحظى بالدعم اللازم من طرف جميع المتدخلين، سواء على الصعيد المركزي أو الترابي.
وعلى مستوى مناخ الأعمال، يقول الملك فقد مكنت الإصلاحات الهيكلية التي قمنا بها من تحسين صورة ومكانة المغرب في هذا المجال، ولكن النتائج المحققة تحتاج إلى المزيد من العمل، لتحرير كل الطاقات والإمكانات الوطنية، وتشجيع المبادرة الخاصة، وجلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
ودعا الملك، مرة أخرى، إلى ضرورة التفعيل الكامل لميثاق اللاتمركز الإداري، وتبسيط ورقمنة المساطر، وتسهيل الولوج إلى العقار، وإلى الطاقات الخضراء، وكذا توفير الدعم المالي لحاملي المشاريع.
ولتقوية ثقة المستثمرين في بلادنا، كوجهة للاستثمار المنتج، دعا الملك لتعزيز قواعد المنافسة الشريفة، وتفعيل آليات التحكيم والوساطة، لحل النزاعات في هذا المجال.
وأضاف: «وبما أن الاستثمار هو شأن كل المؤسسات والقطاع الخاص، فإننا نؤكد على ضرورة تعبئة الجميع، والتحلي بروح المسؤولية، للنهوض بهذا القطاع المصيري لتقدم البلاد»، مشيرا إلى أن الهدف الاستراتيجي يبقى هو أن يأخذ القطاع الخاص المكانة التي يستحقها، في مجال الاستثمار، كمحرك حقيقي للاقتصاد الوطني، وأضاف: «والمقاولات المغربية، ومنظماتها الوطنية والجهوية والقطاعية، مدعوة لأن تشكل رافعة للاستثمار وريادة الأعمال»، كما أن القطاع البنكي والمالي الوطني، مطالب بدعم وتمويل الجيل الجديد من المستثمرين والمقاولين، خاصة الشباب والمقاولات الصغرى والمتوسطة، يقول الملك، وفي هذا السياق، جدد دعوته لإعطاء عناية خاصة، لاستثمارات ومبادرات أبناء الجالية المغربية بالخارج.
ولتحقيق الأهداف المنشودة، وجه الملك الحكومة، بتعاون مع القطاع الخاص والبنكي، لترجمة التزامات كل طرف في تعاقد وطني للاستثمار، ويهدف هذا التعاقد إلى تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات، وخلق 500 ألف منصب شغل، في الفترة بين 2022 و2026.
وشدد الملك في الأخير على أن دور المؤسسة البرلمانية، في مجالات التشريع والتقييم والمراقبة، في الدفع قدما بإشكاليات الماء والاستثمار، وبمختلف القضايا والانشغالات التي تهم الوطن والمواطنين.
القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار ينتظر المصادقة البرلمانية
من المنتظر أن يصادق مجلس النواب على القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار، ويهدف هذا المشروع إلى الرفع من آثار عملية الاستثمار، سيما في ما يتعلق بخلق فرص الشغل القار، وتقليص الفوارق بين الأقاليم والعمالات في جلب الاستثمارات.
كما يتوخى توجيه الاستثمار نحو القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية، وتحقيق التنمية المستدامة، إضافة إلى تعزيز جاذبية المملكة وجعلها قطبا قاريا ودوليا في مجال الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وكذا تحسين مناخ الأعمال وتسهيل عملية الاستثمار، والرفع من مساهمة الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي.
ولتحقيق هذه الأهداف، تم وضع آلية دعم أساسية للمشاريع الاستراتيجية، وثلاث آليات خاصة لدعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وللمقاولات المغربية التي تتوخى تطوير قدراتها على المستوى الدولي.
وأكد محسن جازولي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، أن ميثاق الاستثمار الجديد يروم ملاءمة سياسة الدولة في مجال تنمية الاستثمار، مع التحولات المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتكنولوجية العميقة على الصعيدين الوطني والدولي.
وقال جازولي، خلال تقديمه في اجتماع للجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، لمشروع قانون- إطار رقم 22. 03 بمثابة ميثاق الاستثمار، إن هذا النص الجديد مكن من تجاوز الجمود الذي عرفه مشروع الميثاق الجديد للاستثمار منذ أكثر من عشر سنوات، تم خلالها إعداد أكثر من 65 صيغة. مبرزا أنه نتيجة عمل مشترك لكل مكونات الحكومة، في إطار الحكامة الجيدة التي تدعو لها منذ تعيينها.
وأضاف أن الميثاق الجديد للاستثمار الذي تمت المصادقة عليه في المجلس الوزاري، الذي ترأسه الملك محمد السادس يوم الأربعاء 13 يوليوز 2022، بالقصر الملكي بالرباط، شامل للجميع وواضح ويطرح إطارا موحدا ومتماسكا، فضلا عن كونه يوجه الاستثمار نحو الأولويات الاستراتيجية للدولة ويقترح تدابير تحفيزية قوية، منوها إلى أن الطموح الأكبر يتمثل في تحرير الإمكانات الكاملة للاستثمار الخاص على الصعيد الوطني، في سياق دولي متميز بمنافسة حادة من أجل جذب الاستثمارات.
وسجل الوزير أن الميثاق الجديد يشمل كل الاستثمارات، كبيرة كانت أو صغيرة، فضلا عن كونه موجها إلى جميع المستثمرين المغاربة والأجانب، وفي جميع جهات المملكة بلا استثناء، موضحا أن أحكام هذا القانون الإطار لا تطبق على مشاريع الاستثمار المنجزة في القطاع الفلاحي، التي تبقى خاضعة للنصوص التشريعية والتنظيمية السارية عليها.
وأكد جازولي أن الهدف الأساسي من هذا القانون الإطار يكمن في عكس التوزيع الحالي بين الاستثمار العمومي والاستثمار الخاص في أفق سنة 2035، مشيرا إلى أن هناك إرادة ليبلغ الاستثمار الخاص الذي لا يتجاوز حاليا ثلث الاستثمار الإجمالي، ثلثي الاستثمار الإجمالي في سنة 2035، وفقا لمضامين النموذج التنموي الجديد.
ولتحقيق هذا الطموح، أورد المسؤول الحكومي أن ميثاق الاستثمار الجديد يهدف بالأساس إلى إحداث مناصب شغل قارة، وتقليص الفوارق بين أقاليم وعمالات المملكة في جذب الاستثمارات، وتوجيه الاستثمار نحو القطاعات ذات الأولوية ومهن المستقبل.
كما يهدف إلى تحسين مناخ الأعمال وتسهيل عملية الاستثمار، وتعزيز جاذبية المملكة من أجل جعلها قطبا قاريا ودوليا للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتشجيع الصادرات وحضور المقاولات المغربية على الصعيد الدولي، فضلا عن تشجيع وتعويض الواردات بالإنتاج المحلي.
ولبلوغ هذه الأهداف، شدد جازولي على أن الميثاق يطرح إطارا شفافا ومحفزا للمستثمرين يرتكز على ثلاثة محاور هي خلق أربعة أنظمة لدعم الاستثمار، واتخاذ التدابير الشاملة لتحسين مناخ الأعمال، وكذا تعزيز حكامة موحدة ولامركزية حول اللجنة الوطنية للاستثمارات، مبرزا أن هذه اللجنة تتمتع باختصاصات موسعة مقارنة بالهيئة السابقة، وستكون تحت رئاسة رئيس الحكومة.
واستطرد قائلا إن هذه اللجنة ستكون مسؤولة عن الموافقة على اتفاقيات الاستثمار، وتقييم فعالية أنظمة الدعم، والبت في الطابع الاستراتيجي لمشاريع الاستثمار، وتتبع تفعيل أحكام هذا القانون-الإطار والنصوص المتخذة لتطبيقه، ورصد تنفيذ أحكامه، فضلا عن اقتراح أي تدبير من شأنه تشجيع الاستثمار وتعزيز جاذبية المملكة.
البرلمان.. صلاحيات كبيرة وحصيلة هزيلة
منح الدستور الجديد للبرلمان عدة صلاحيات في مجال الرقابة على العمل الحكومي، كما تم منح المعارضة بالبرلمان وضعية متميزة وحقوقا متعددة، ويبقى الهدف الأساسي من ذلك هو النهوض بالعمل البرلماني، والرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية التي يتولى البرلمان تشريعها، ورد الاعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية لازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقة وليس الشكلية، كما نص الدستور على تنظيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، على أن «تخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة». والحكومة ملزمة بالجواب عن أسئلة أعضاء البرلمان، خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال إليها.
وتتعلق هذه الأسئلة الأسبوعية أساسا بالقطاعات الحكومية المختلفة، ويتولى كل وزير أو من ينوب عنه من أعضاء الحكومة، في حال غياب الوزير المعني لسبب ما، تقديم الجواب في جلسة عامة علنية يتم نقلها عبر أمواج الإذاعة والتلفزة العمومية، وذلك بهدف إطلاع الرأي العام الوطني على ما تقوم به كل من الحكومة والبرلمان في مجالي عملهما كل على حدة، أما الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة، فالدستور المغربي الجديد ينص في الفقرة الثالثة من المادة 100 على أن «تقدم الأجوبة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر، خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة».
وبالإضافة إلى الجلسات الأسبوعية التي تخصص لمساءلة أعضاء الحكومة، كل واحد حسب القطاع الذي يشرف عليه، منح الدستور الجديد، آلية أخرى لمساءلة رئيس الحكومة، حول السياسة العامة لحكومته، من خلال جلسة واحدة كل شهر بمجلسي البرلمان. ويعد تقييم السياسات العمومية، من أهم الاختصاصات الجديدة التي نص عليها الدستور الجديد، وأناطها بالبرلمان، وهذا ما تنص عليه الفقرة الثانية من الفصل 70 من دستور 2011، والتي تصرح بأن «يصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية»، وفي السياق نفسه، تنص الفقرة الثانية من الفصل 101 على أن «تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها»، أما الفقرة الأولى من الفصل 101 تصرح بأن «يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين». كما أقر الفصل 102 من الدستور على أنه «يمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم».
وخص الدستور الجديد فرق المعارضة بالبرلمان بمكانة متميزة، وخولها العديد من الحقوق، كما جعل منها شريكا أساسيا في صناعة التشريع والرقابة على العمل الحكومي إلى جانب الأغلبية البرلمانية، وخصص لها المشرع الدستوري الفصل 10 من الدستور، الذي ينص على ما يلي «يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية.
ويضمن الدستور بصفة خاصة للمعارضة مجموعة من الحقوق، أهمها حرية الرأي والتعبير والاجتماع، وحيزا زمنيا في وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تمثيليتها، والاستفادة من التمويل العمومي، وفق مقتضيات القانون، والمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، سيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان، والمشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، خاصة عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة إلى الحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق، والمساهمة في اقتراح المترشحين وفي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وتمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان، ورئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب، والتوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية، والمساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية، والمساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين، من خلال الأحزاب المكونة لها، طبقا لأحكام الفصل 7 من هذا الدستور، وممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي، محليا وجهويا ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور».
وأبانت الحصيلة التشريعية للبرلمان عن هيمنة الحكومة على جل الإنتاج التشريعي، حيث أغلب النصوص القانونية المصادق عليها يكون مصدرها هو الحكومة، في حين توجد في رفوف اللجان البرلمانية الدائمة بمجلسي البرلمان العشرات من مقترحات القوانين، بعضها يعود إلى الولاية الحكومية السابقة، بقيت محتجزة دون إخضاعها للدراسة والمصادقة وفق المسطرة التشريعية المعمول بها.
وهناك إجماع من طرف أغلب الفرق البرلمانية على «هزالة» الحصيلة التشريعية للبرلمان بغرفتيه، وذلك مقارنة مع العدد الكبير من القوانين والقوانين التنظيمية التي تنتظر العديد من مكونات الشعب المغربي إخراجها إلى الوجود لتفعيل الدستور الجديد، ورغم أن فرق الأغلبية الحكومية تبرر ضعف الأداء التشريعي للبرلمان، بهيمنة الحكومة على العمل التشريعي، فهذا لا يبرر أداء الفرق البرلمانية في أخذ المبادرة التشريعية، وفق الصلاحيات التي خولها لها الدستور الجديد.
وتمر عملية التشريع التي تنتج القوانين تحت قبة البرلمان بعدة مراحل، قبل الوصول إلى تطبيق هذه القوانين بعد نشرها بالجريدة الرسمية، فطبقا للنظام الداخلي الجديد لمجلس النواب، تودع بمكتب المجلس، مشاريع القوانين المقدمة من لدن الحكومة أو المحالة من مجلس المستشارين للمصادقة، ومقترحات القوانين ومقترحات القوانين التنظيمية المقدمة من لدن النواب أو المحالة من مجلس المستشارين للمصادقة، ويأمر مكتب المجلس بتوزيعها على النواب، ويحيل رئيس المجلس مقترحات القوانين المقدمة من لدن النواب إلى الحكومة، في أجل 20 يوما قبل إحالتها على اللجان الدائمة المختصة، وإذا انصرم الأجل، يمكن للجنة الدائمة المختصة برمجة دراستها للمقترح، ويحيط رئيس المجلس الحكومة علما بتاريخ وساعة المناقشة في اللجنة، ويتعين على اللجان النظر في النصوص المعروضة عليها في أجل أقصاه 60 يوما، من تاريخ الإحالة، لتكون جاهزة لعرضها على الجلسة العامة للمناقشة والتصويت.
ويتكلف رئيس المجلس بإحالة على اللجنة الدائمة المختصة كل مشروع قانون تم إيداعه، أو مقترح قانون تم إيداعه لدى مكتب المجلس، وتبرمج مكاتب اللجان دراسة مشاريع ومقترحات القوانين المعروضة عليها في ظرف أسبوع من تاريخ الإحالة عليها، وتنظر اللجان في النصوص المعروضة عليها، أولا بتقديم النص من طرف ممثل الحكومة بالنسبة إلى مشروع القانون، أو من طرف واضع مقترح القانون، ثم يتم الشروع في المناقشة العامة للنص، وبعد انتهاء المناقشة العامة، يحدد مكتب اللجنة موعد جلسة لتقديم التعديلات كتابة، وتجتمع اللجنة بعد 24 ساعة للنظر في التعديلات بعد مناقشته، ثم بعد ذلك يتم التصويت على كل تعديل، قبل التصويت على النص التشريعي برمته.
مجلس النواب.. حصيلة هزيلة وانتظارات كبيرة
مع دنو موعد افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية الحكومية الحالية التي يقودها حزب التجمع الوطني للأحرار، يبرز نقاش متجدد حول الأدوار الرقابية والتشريعية لمؤسسة البرلمان ومدى تجاوبها مع التحديات والأزمات المتتالية التي أرخت بظلالها على المشهد السوسيو-اقتصادي بالمغرب. واختتم مجلس النواب أشغال دورته الثانية من السنة التشريعية 2021-2022، وأشارت حصيلة المجلس إلى أنه واصل القيام باختصاصاته الدستورية ووظائفه المؤسساتية في الرقابة والتشريع وتقييم السياسات العمومية والدبلوماسية البرلمانية، ونوّع من مبادراته تفاعلا مع السياق الوطني وسياقات المحيط الدولي، وبالخصوص مع انتظارات وتطلعات المجتمع المغربي، وأن «استمرار الميل أكثر إلى العمل الرقابي بمختلف فروعه، وإلى أعمال التقييم في أشغال المجلس، يعكس حرصنا المؤسساتي الجماعي، معارضة وأغلبية، على التفاعل والتجاوب مع انتظارات المجتمع، وهو تجسيد للديناميات الجديدة في عمل المؤسسات، ونوع من الانتقال في أشغال المؤسسة التشريعية».
وبخصوص أشغال اللجان النيابية الدائمة، أشار التقرير إلى أنه، في إطار الاختصاص الرقابي لهذه اللجان، تصدرت قضايا تدبير المياه والخصاص المسجل من هذه المادة الحيوية في عدد من مناطق المملكة جراء قلة التساقطات الثلجية والمطرية، اهتمام مختلف مكونات المجلس، تلتها قضايا الطاقة في ضوء ارتفاع أسعارها على المستوى الدولي، والإجراءات المواكبة لخفض آثار هذا الارتفاع على أسعار الخدمات والمواد الاستهلاكية، وبالتالي على القدرة الشرائية.
وفي باب الأسئلة، استأثرت قضايا الساعة باهتمام النواب في مساءلتهم للحكومة، حيث تمحورت الجلستان اللتان أجاب خلالهما رئيس الحكومة عن أسئلة المجلس حول موضوعين راهنين وجد هامين، وهما الاستراتيجية الاقتصادية العامة لمواجهة التقلبات العالمية، ومعيقات ورهانات المنظومة الصحية بالمملكة. وسارت محتويات الأسئلة الشفوية الأسبوعية الموجهة للحكومة، يضيف رئيس مجلس النواب، في أفق الاهتمام ذاته، إذ غلبت عليها قضايا ندرة المياه، والطاقة والفلاحة، والسيادة الغذائية، والحوار الاجتماعي، والتشغيل والحماية الاجتماعية، والتعليم، وغيرها من القضايا التي تم تناولها في أكثر من 1300 سؤال شفوي وجهها أعضاء المجلس للحكومة التي أجابت عن أكثر من 300 سؤال تمت برمجتها وفق المساطر المرعية، كان منها 73 سؤالا آنيا، وموازاة مع ذلك، وجه أعضاء المجلس للحكومة أكثر من 2200 سؤال وتوصلوا بأجوبة عن أكثر من 1400 سؤال.
وفي ما يخص التعهدات الحكومية، سجل المجلس أنه شرع في تفعيل مقتضيات النظام الداخلي ذات الصلة بهذا المدخل الرقابي على مستوى اللجان النيابية الدائمة عملا بمقتضيات المادة 114 من النظام الداخلي، مشيرا إلى أنه تم جرد 222 تعهدا على مستوى اللجان و73 تعهدا حكوميا على مستوى الجلسات العامة. وفي إطار ممارسة اختصاص التشريع، أبرز الطالبي العلمي أن المجلس صادق على 19 نصا منها ثلاثة مقترحات قوانين و 16 مشروع قانون، علما أن ثمانية نصوص من حصيلة التشريع برسم الدورة، هي قوانين تأسيسية تتعلق بأنشطة وخدمات وحقوق أساسية.
أما في إطار ممارسة اختصاص تقييم السياسات العمومية، فأشار رئيس المجلس إلى مواصلة المجموعات الموضوعاتية الثلاث المكلفة بتقييم كل من الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة، ومخطط المغرب الأخضر والسياسة المائية، أعمالها الميدانية، مركزيا وترابيا، والاستماع إلى كافة الأطراف المعنية، والمتدخلة والمستفيدة من كل سياسة عمومية موضوع التقييم، كما أشارت إلى مجال حقوق النساء. وحرصا على إعمال القوانين ذات الصلة بهذه الحقوق، لفت إلى إحداث مكتب المجلس مجموعة موضوعاتية مكلفة بتقييم شروط وظروف تطبيق القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، معربا عن تطلعه إلى أن يمكن هذا التقييم من تجويد التطبيق السليم لمقتضيات هذا القانون بما يكفل حقوق المغربيات ويحميهن من العنف المادي والرمزي.
إصلاح المنظومة الصحية أهم القوانين المعروضة على أجندة البرلمان
من المنتظر أن يصادق البرلمان، خلال هذه الدورة التشريعية، على مشروع القانون الإطار رقم 06.22 المتعلق بتأهيل المنظومة الصحية الوطنية. ويهدف هذا المشروع إلى إحداث إصلاح جذري للمنظومة الصحية الوطنية وجعل إصلاح قطاع الصحة من المبادرات المستعجلة التي تجب مباشرتها، ويمثل أيضا ترجمة فعلية لالتزام السلطات الحكومية المضمن في بنود قانون- الإطار رقم 21.09 المتعلق بالحماية الاجتماعية، والذي حدد الأهداف الأساسية لعمل الدولة في مجال الحماية الاجتماعية.
وشرع البرلمان في دراسة مشروع قانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية، الذي تم إعداده تنفيذا للتعليمات الملكية بإعادة النظر في المنظومة الصحية، التي تعرف عدة اختلالات، لتكون في مستوى ورش تعميم الحماية الاجتماعية وتوفير التغطية الصحية لجميع المغاربة.
وجاء في القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية أن النهوض بالقطاع الصحي، والعمل على تطويره والرفع من أدائه يعتبر مسؤولية مشتركة بين الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية من جهة، والقطاع الخاص والمجتمع المدني والهيئات المهنية والساكنة من جهة أخرى، حيث أصبح الإصلاح العميق للمنظومة الصحية الوطنية ضرورة ملحة وأولوية وطنية ضمن أولويات السياسة العامة للدولة الرامية إلى تثمين الرأسمال البشري، والاعتناء بصحة المواطنين كشرط أساسي وجوهري لنجاح النموذج التنموي المنشود.
ويروم القانون-الإطار وضع إطار قانوني للأهداف الأساسية لإصلاح المنظومة الصحية الوطنية وإعادة هيكلتها وفق مقاربة تشاركية، قوامها الانخراط الجماعي والمسؤول للدولة وسائر الفاعلين المعنيين. وتقوم هذه المقاربة، بصفة أساسية، على التعبئة والتدبير التشاركي، وعلى الشراكة التضامنية بين مختلف المتدخلين، من أجل إعادة هيكلة المنظومة وفق رؤية استشرافية بعيدة المدى، قوامها اعتماد سياسة صحية وقائية ناجعة، وعرض منصف ومتكافئ للعلاجات بمختلف جهات المملكة، بناء على معطيات وتوجهات الخريطة الصحية الوطنية والخرائط الصحية الجهوية المعتمدة، وتفعيل دور مؤسسات الرعاية الصحية الأولية وإقرار سياسة دوائية عقلانية مواكبة.
ومن أجل توفير الشروط اللازمة لهذا الإصلاح، تم إقرار مراجعة شاملة لحكامة المنظومة الصحية بكل مكوناتها، من خلال إعادة الاعتبار للموارد البشرية العاملة في القطاع الصحي، وتحسين أنظمة التكوين الصحي بهذا القطاع، وجلب الكفاءات الطبية العاملة بالخارج، وإحداث منظومة معلوماتية صحية وطنية مندمجة، ونظام لاعتماد المؤسسات الصحية، وإحداث هيئات متخصصة للتدبير والحكامة هي الهيئة العليا للصحة، التي ستضطلع بمهام التأطير التقني لورش التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، والمجموعات الصحية الترابية التي ستتولى تنفيذ سياسة الدولة في مجال الصحة على الصعيد الجهوي، علاوة على إحداث مؤسسة عمومية للأدوية والمنتجات الصحية، ومؤسسة عمومية أخرى خاصة بتوفير الدم ومشتقاته.
ويحدد القانون- الإطار الأهداف الأساسية لنشاط الدولة في ميدان الصحة والآليات الضرورية لبلوغها. ويهدف نشاط الدولة في المجال الصحي إلى حفظ صحة السكان ووقايتهم من الأمراض والأوبئة والأخطار المهددة لحياتهم، وضمان عيشهم في بيئة سليمة.
ولهذه الغاية تعمل الدولة على تحقيق مجموعة من الأهداف، وهي تيسير ولوج المواطنات والمواطنين إلى الخدمات الصحية وتحسين جودتها، وضمان توزيع متكافئ ومنصف لعرض العلاجات على مجموع التراب الوطني، والتوطين الترابي للعرض الصحي بالقطاع العام وتحسين حكامته من خلال إحداث مجموعات صحية ترابية، وضمان سيادة دوائية وتوافر الأدوية والمنتجات الصحية وسلامتها وجودتها، وتنمية وسائل الرصد والوقاية من الأخطار المهددة للصحة، وإعادة تنظيم مسار العلاجات ورقمنة المنظومة الصحية.
ومن بين الأهداف، كذلك، تعزيز التأطير الصحي في أفق بلوغ المعايير المعتمدة من لدن المنظمة العالمية للصحة في هذا المجال، وتثمين الموارد البشرية العاملة في قطاع الصحة وتأهيلها عبر إرساء وظيفة صحية تراعي خصوصيات الوظائف والمهن بالقطاع، وتفعيل آليات الشراكة والتعاون والتكامل بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع البحث العلمي والابتكار في الميدان الصحي.
وحسب القانون، فإن المنظومة الصحية الوطنية تقوم على المبادئ التالية، المساواة في الولوج إلى العلاج وفي الاستفادة من الخدمات الصحية، والاستمرارية في أداء الخدمات الصحية، والإنصاف والتوازن في التوزيع المجالي للموارد والبنيات والخدمات الصحية بين سائر جهات المملكة، ومبادئ الحكامة الجيدة، واعتماد مقاربة النوع في إعداد السياسات والبرامج والاستراتيجيات الصحية، والتدبير القائم على النتائج وربط المسؤولية بالمحاسبة، والتعاضد في الوسائل، وتعبئة جميع المواطنات والمواطنين والمؤسسات والهيئات بالقطاعين العام والخاص وجمعيات المجتمع المدني، وإشراكهم في تنفيذ سياسة الدولة المتعلقة بالوقاية من الأوبئة والأمراض وغيرها من الأخطار الصحية، وكذا المتعلقة بالبرامج الرامية إلى تحسين الوضعية الصحية للسكان، وتوفير الرعاية الصحية الأساسية لهم.
ويعتبر تحقيق الأهداف المنصوص عليها، سابقا، أولوية وطنية ومسؤولية مشتركة بين الدولة والجماعات الترابية والقطاع الخاص والمجتمع المدني ومختلف الهيئات المهنية والساكنة وباقي الفاعلين في المجال الصحي.
ومن أجل ذلك، يتعين على الدولة أن تتخذ، طبقا لأحكام هذا القانون-الإطار، ما يلزم من تدابير تشريعية وتنظيمية لتحقيق الأهداف المذكورة والسهر على تنفيذها، كما يتعين على الجماعات الترابية والقطاع الخاص ومختلف الهيئات المهنية، كل في ما يخصه، الإسهام في تحقيق هذه الأهداف والانخراط في مسلسل تنفيذها وتقديم مختلف أشكال الدعم من أجل بلوغها.