الملك.. حماية إرادة الشعب
وجه الملك محمد السادس أمرا مولويا لإحداث اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات، التي تتألف من عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، ومولاي الحسن الداكي، رئيس النيابة العامة، وكذلك إحداث لجان إقليمية لتتبع الانتخابات والتي تضم في كل عمالة وإقليم، الوالي أو العامل والوكيل العام للملك أو وكيل الملك، وكذا لجان جهوية عهد إليها بمواكبة أشغال اللجان الإقليمية على صعيد كل جهة من جهات المملكة، والهدف الأسمى من كل هاته التوجيهات الملكية، هو السهر على سلامة العمليات الانتخابية المقبلة والتصدي لكل الممارسات التي قد تسيء إليها.
منذ شهور ظهرت إرادة ملكية صارمة في حماية وصيانة العملية الانتخابية، سواء في ما يتعلق باحترام التنظيم الدوري للاستحقاقات كما هو منصوص عليه في الدستور، مع أن العشرات من الدول الديمقراطية فضلت تأجيل انتخاباتها بسبب استمرار خطر جائحة كوفيد 19، أو من خلال الحرص على تمرير القوانين الانتخابية في المجلس الوزاري بشكل مبكر لتجنب مسطرة الاستعجال في اعتمادها برلمانيا وحكوميا، أو من خلال منع الوزراء من الاستفادة من تغطية الإعلام العمومي خلال تدشيناتهم الرسمية، ضمانا لمبدأ تكافؤ الفرص الانتخابية بين الأغلبية والمعارضة، وأخيرا وليس آخرا التوجيه الملكي بتحريك لجان مراقبة العملية الانتخابية بين الإدارة الترابية والمؤسسة القضائية وتحميلهما المسؤولية المشتركة عن سلامة العملية الانتخابية في كل مراحلها.
إن الرهان الكبير من كل هاته الإشارات وغيرها التي أرسلتها أعلى سلطة في الدولة إلى الفاعل السياسي والمواطن والإدارة الانتخابية والسلطات العمومية، هو استعادة ثقة المواطنين في صناديق الاقتراع وحماية الإرادة الشعبية من التلاعب، باعتبارها الأساس الوحيد والأوحد لهندسة المرحلة المقبلة، لذلك كان من الضروري تدخل رئيس الدولة بما يتوفر عليه من شرعية دستورية في حماية الاختيار الديمقراطي لمجابهة ظاهرة التشكيك القبلي في الاستحقاقات من خلال مرافقة خطاب الثقة في العملية الانتخابية بإجراءات ملموسة، موكلا الجهتين القضائية والإدارية القيام بدور محوري واتخاذ ما يلزم من تدابير صارمة من شأنها وضع حد للسلوكيات التي من شأنها أن تسيء للحظة السياسية التي يقرر فيها الشعب مصيره خلال الولاية المقبلة.
ولا يمكن أن يكون لهاته الضمانات الملكية من معنى دون أن يتوقف الحزب الحاكم عن استراتيجية استهداف الولاة والعمال والتشهير بالقضاء مع اقتراب كل محطة انتخابية، وبالفعل لقد شرع حزب العدالة والتنمية كما يؤكد ذلك آخر بلاغ لأمانته العامة في بناء خطابه الانتخابي على مهاجمة الإدارة الترابية وإطلاق وابل من الاتهامات المجانية تجاه رموز وزارة الداخلية كما لو أنه حركة جذرية تعمل خارج الأطر المؤسساتية للنظام السياسي وليس الحزب الذي يقود الحكومة وتوجد وزارة الداخلية تحت تصرفه، لكن هذا الحزب كعادته يستمتع بلعب دور الضحية في كل ما يجري ويحاول أن يظهر نفسه أنه حزب لا حول ولا قوة له أمام جبروت وزارة الداخلية.
وبدل أن يضمن حزب رئيس الحكومة ممارسة وزارة الداخلية ورجالاتها لسلطتهم وحقهم في ضمان شفافية ونزاهة الانتخابات وتشجيع الإدارة الترابية على الحياد التام، فهو يفضل ممارسة خطاب شعبوي ويصادر حق وزارة الداخلية في ممارسة دورها في مراقبة العملية الانتخابية وشيطنة كل رجالاتها، والطامة الكبرى أن الحزب الحاكم يدرك أن خطابه التحريضي ضد المؤسسات ينزع الشرعية عن الانتخابات ويعمق الهشاشة السياسية، ويثير شكوكا غير مسبوقة في قدرة بلدنا على إدارة انتخابات حرة ونزيهة وذات صدقية.