الملك الحسن الثاني أقنع بوضياف ليصبح رئيسا للجزائر
يونس جنوحي
حكى لنا هشام عبود، إذن، عن الطريقة التي رُشح بها بوضياف في غيابه لكي يصبح رئيسا للجمهورية الجزائرية. أو بالأحرى، الطريقة التي جُلب بها بوضياف إلى حتفه. فنحن نعرف أنه بعد يناير 1992، جاء محمد بوضياف إلى الحكم لكنه ما لبث أن اغتيل على الهواء. ماذا وقع إذن؟
صديق المغرب
عُرف محمد بوضياف بأنه صديق المغرب منذ أيام الثورة الجزائرية في خمسينيات القرن الماضي، حتى أن بعض الجزائريين في جيش التحرير كانوا يحسبونه مغربيا أكثر مما هو جزائري بالنسبة للرأي العام الوطني في البلد الذي اختاره رئيسا.
قد يحسب القارئ أن هشام عبود يتوفر على معلومات حصرية بشأن سبب اختيار محمد بوضياف دون غيره لكي يصبح رئيسا للبلاد، لكن هذا الصحافي أصاب قراءه بالإحباط وهو يقول إنه لا يعرف السبب الحقيقي ولا الدافع لاختيار بوضياف دون غيره لكي يدخل البلاد ويصبح رئيسا للجمهورية، هكذا، مرة واحدة.
يقول: «في مذكراته، قام الجنرال خالد نزار بارتكاب خيانة مرة أخرى عندما كتب متحدثا عن اجتماع تم فيه الاتصال هاتفيا بمحمد بوضياف، ورفض الأخير العرض الذي قدموه له. حيث قال في تلك المذكرات:
-أصر الجنرال توفيق أمام الرفاق على ألا نفقد الأمل في جعل بوضياف يغير رأيه.
كان هذا يوم 11 يناير، أي اليوم الذي تخلصوا فيه من الشاذلي.
من هم إذن هؤلاء الرفاق الذين تحدث عنهم نزار في مذكراته؟ ماذا كان يفعل الجنرال توفيق في اجتماع اختيار بوضياف؟ أليس هذا دليلا إضافيا على وجود ديوان في الظل يحكم البلاد؟
فعلا، كان الجنرال توفيق، الخبير في التحكم، قد نجح في إقناع محمد بوضياف، عندما أرسل إليه علي هارون يوم 12 يناير، خلال ليلة واحدة فقط. قام الملك الحسن الثاني بإتمام أمور شركة بوضياف وأقنعه بإمساك زمام الحكم في الجزائر. كانت تلك مناسبة للملك الحسن الثاني لكي يحل مشكل الصحراء.
في النهاية، قام الجنرال إسماعيل بمرافقة زعيم حزب الثورة إلى الجزائر من منفاه المغربي».
يقول هشام عبود إن الملك الراحل الحسن الثاني لعب، إذن، دورا مهما في تعبيد الطريق أمام حل أزمة الحكم في الجزائر. فقد بدا واضحا أن بوضياف كان يعرف لعبة الجنرالات جيدا، كيف لا وهو الذي سبقهم جميعا إلى العمل السياسي. كما أنه كان يعرف أن الشاذلي بن جديد كان مغلوبا على أمره.
لكن المقربين من بوضياف كانوا يعرفون جيدا أن الرجل كان يتوفر على خطة في جيبه قبل أن يدخل الجزائر، ولم يكن يخطط نهائيا للجلوس فوق كرسي رئاسة الجمهورية بشكل صوري فقط ويترك البلاد للجنرالات.
بصيغة أخرى، كان بوضياف يخطط لانقلابه الناعم والشخصي ضد الجنرالات ويستعيد منهم الجزائر ويضعها بين يد الجزائريين لأول مرة منذ ستينيات القرن الماضي. فالبلد كان فعليا بين يد الجيش منذ أن أزال وزير الدفاع، الهواري بومدين، رفيقه، أحمد بن بلة من رئاسة الجمهورية، وجلس مكانه وترك الكرسي خلفه لرؤساء كانوا لا يملكون أي سلطة فعلية لحكم البلاد.
لنعد إلى أجواء وصول بوضياف إلى الجزائر، وهو اليوم الذي اعتبره الجزائريون مناسبة وطنية غير رسمية. يحكي هشام عبود في وصف تلك اللحظات: «خلال أسبوع فقط حُسم الموضوع. يوم 16 يناير 1992، وصل بوضياف إلى مطار الجزائر. كان منظره مؤثرا وهو يحمل ورقة كُتب عليها خطاب لم تكن لديه أدنى فكرة عنه. لقد كان ذلك عربونا لما سوف يكون عليه دوره بين أيدي الجنرالات.
وعلى طريقة السياسيين القدامى، قام بوضياف بثني الورقة التي قُدمت له، ووضعها في جيبه، وارتجل خطابا بسيطا وعفويا بأسلوب الوطنيين الصادقين».