شوف تشوف

الرأيرياضة

الملعب المحتل

حسن البصري

لم يهتم البيضاويون باجتماع على مستوى مجلس المدينة، كما اهتموا باجتماع حول تدبير مركب محمد الخامس، ليس لأن اختناق ملعب الكرة أكثر أهمية من اختناق شوارع وأزقة الدار البيضاء، بل لأن مباريات الوداد والرجاء تمارس جاذبية غريبة على الساكنة، وتشكل أولوية من أولويات الحياة في مدينة أشبه بالمتاهة.

بعد ثلاث ساعات من النقاش والمساءلة، بين لجنة تتبع اتفاقية انتداب شركة التنمية المحلية «كازا إيفنت»، ومجلس مدينة الدار البيضاء، وبعد الاستماع إلى مرافعة رئيس الشركة ودفوعاته، ساد الاعتقاد بأن دار لقمان ستظل على حالها، وأن هذه الدار التي تعد فضاء للفرجة الكروية أصبحت بؤرة توتر حقيقية.

على المستوى الشكلي، لا يمكن أن نتصور لجنة التتبع دون مكونات أساسية، كالأمن والصحة، والرجاء والوداد، على اعتبار أن المباريات لا تكتمل إلا بتغطية أمنية وصحية، كما أنه من العبث أن نسائل شركة «الدار البيضاء للتنشيط والتظاهرات»، في غياب صناع التنشيط والفرجة، أي الرجاء والوداد.

على غرار المحاكمات القضائية، التمست الشركة مهلة أسبوع، لإعداد الدفاع وتقديم تقرير مفصل حول معلمة رياضية يسود الاعتقاد أنها مجرد ملعب للكرة، والحال أنها مرفق عمومي يساهم في خلق السلم الاجتماعي بالعاصمة الاقتصادية.

خلص الاجتماع إلى ضرورة جرد للجهات «المحتلة» للمركب الرياضي، علما أن تحرير المرافق «المحتلة» يفترض أن يتم قبل توقيع اتفاقية انتداب شركة التنمية المحلية، لا بعده. كما تبين أن حاجة الدار البيضاء إلى ملعب كبير في الضواحي أضحت ملحة، حتى يعود الهدوء والسكينة لحي المعاريف الذي يتحول إلى نقطة توتر على الأقل مرة كل أسبوع، بالرغم من الـ22 مليار سنتيم التي رصدت له من أجل تأهيله.

تحدث الجواهري عن احتلال المركب الرياضي من طرف جمعيات تسلمت مفاتيح مقرات في جنبات المركب في عهد المجالس المنتخبة السابقة، وكأن وجود جمعية للاعبين المحترفين برئاسة الدولي السابق مصطفى الحداوي، وأخرى للرياضة والتنمية برئاسة البطلة الأولمبية السابقة نوال المتوكل، وثالثة للحكام ورابعة للمدربين، هي المشكلة الحقيقية للملعب.

يعرف القائمون على هذا المرفق الرياضي أن «المناطق المحتلة» في المركب الرياضي محمد الخامس، تكمن في فندق معطل منذ عقود، ظلت تستخدمه المجالس المتعاقبة مأوى لغير الرياضيين، وتكمن أيضا في مسبح في خبر كان وممر تحت أرضي مغلق، وفي قاعات تسكنها آليات الجوق الجهوي للدار البيضاء التي من طول تخزينها أصبحت تحفا يعلوها الغبار، لكن المعضلة الحقيقية تكمن في هاجس الربح المالي الذي يسكن وجدان الشركة، حين احتلت الملعب الملحق وحولته إلى مورد مالي تحت مسمى «مدرسة خصوصية للكرة».

في المركب الرياضي محمد الخامس تم احتلال المراحيض، لكل غاية غير مفيدة، وبات من المستحيل على النساء المشجعات دخول مرحاض إلا مع «ذي محرم»، يتقمص دور البواب إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

في هذا الملعب لا وجود لقاعة ندوات على غرار باقي ملاعب العالم، ولا وجود لمصحة بمواصفات عالمية، ولا وجود لموقف سيارات ودراجات، ولا ولوجيات للأشخاص في وضعية إعاقة، ولا مسجد لأداء الصلوات ولا مطاعم ولا محلات بيع لوازم الفرجة ولا هم يحزنون. لذا فنحن اليوم أمام ملعب بالإسمنت المسلح يدر ذهبا، لكن تغيب عن جدرانه لمسات فنان تعطي للفضاء رونقا آخر، وتجعله فضاء حقيقيا للفرجة.

في زمن أصبح فيه ربط المسؤولية بالمحاسبة مجرد فزاعة في المرفق العمومي، وأضحى التتبع رهين الأزمات والنكبات، وبات تدبير ملعب كبير يخضع لمنطق الربح ويعفي مرتاديه من خدمة ما بعد البيع، تبدو الحاجة اليوم إلى مارسيل سيردان كي يسدد لكماته لمن جعلوا الملعب رهينة بين أيديهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى