شوف تشوف

الرأي

المقاولة المواطنة وفيروس كورونا

يونس الجناتي
تعد المقاولة المواطنة أحد تجليات المبادئ المواطناتية، التي فرضت نفسها في الساحة الدولية منذ ثمانينيات القرن الماضي، باعتبارها وسيلة لتدبير الأزمات الاجتماعية والكوارث الطبيعية المطروحة والمحتملة، وأداة لتكريس روح التضامن وتقوية وشائج التعاون بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين، سعيا نحو بناء صرح تنموي شامل.
وتنزيلا للمفهوم الحقيقي للمقاولة المواطنة، انخرطت المملكة المغربية بمطلع الألفية الجديدة في مسلسل مأسستها الحثيثة، عبر توجيهات وخطب ملكية شكلت المنطلق وخارطة الطريق نحو تبنيها، بدءا بالخطاب الملكي سنة 2000 بمناسبة تدشين الملك للجرف الأصفر، والذي دعا فيه المقاولات المغربية إلى إيثار البعد الاجتماعي لتصبح مقاولة مواطنة اجتماعية، مرورا بخطاب عيد العرش يوم 30 يوليوز 2013، المنادي بالتشبث بعمق المقاولة المواطنة، فالخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية العاشرة (12 أكتوبر 2018)، الذي كرس فيه الملك دعوته لدعم المقاولات المواطنة.
واستكمالا لذلك تم سن العديد من القوانين الهادفة لتعزيز التسييج القانوني لهاته المقاولات في شقها المواطناتي، منها ذات البعد الاجتماعي كمدونة الشغل، ومنها المرتبطة بالبعد البيئي كقانون البيئة والتنمية المستدامة، ومنها المتعلقة بالجانب الاقتصادي كقانون الشركات ومدونة التجارة، تصديا لكل الآثار والتداعيات المحتمل وقوعها، ومنها ما استجد أخيرا مع تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي ما فتئ يزهق يوميا آلاف الأرواح البشرية ويعيق الحركة والتنقل بسبب العدوى الناجمة عنه.
لذلك واستجابة للتوصيات الملكية السباقة لإعمال كل أشكال الوقاية من الفيروس، عمدت وزارة الصحة المغربية بمعية مختلف الوزارات الأخرى المتدخلة (وزارتا الاقتصاد والمالية ووزارة الداخلية…) إلى التتبع الكامل والموازي لمختلف القطاعات الحيوية، خاصة المقاولات من خلال دعم نشاطها الاقتصادي وقدرتها الإنتاجية، تلبية لكل حاجيات المواطنين وتيسيرا لولوجياتهم الضرورية في هذه الظرفية الاستثنائية. وتحقيقا لهذه الغاية وإيمانا بالوحدة الوطنية واللحمة المجتمعية، اشتركت مجموعة من المقاولات العامة منها والخاصة، سواء الفردية أو الجماعية، بشكل فعال في التدبير المعقلن للجائحة عن طريق فتح مصانعها لتزويد العموم من خدماتها، فعلى سبيل المثال، اتخذت فيدرالية مخابز الدار البيضاء شعار «نحو تكريس المقاولة المواطنة»، واعتمدت مقاولات أخرى في مدن طنجة والرباط… خدمات جديدة مضافة إلى خدماتها الأصلية، تهدف إلى تصنيع كمامات وأجهزة تنفس وتعقيم اصطناعية محلية الصنع وبمواصفات جيدة مصادق عليها من قبل المختبرات الطبية المعتمدة، مع محافظتها على كل المناصب الشغلية للشغيلة العاملة بها، تعزيزا للتماسك الاجتماعي وتقوية للآليات الوقائية في أفق الإسهام في الحد من الفيروس الفتاك.
وعليه فإن المبدأ المواطناتي للمقاولات قد كرس وكانت معه في موعد الانتظارات، بل واستطاعت أن تقدم الدعم الكبير لمعظم القطاعات الحيوية ذات الأولوية الملحة، لتدشن بشكل فعلي وعملي لعهد جديد يمزج بين الهامش الربحي والحس الوطني والإنساني في مقاولة مواطنة، تروم درء المخاطر وتحقيق الإقلاع الاقتصادي والتنموي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى