شوف تشوف

الرأيالرئيسية

المفاعل النووي والمفاعل البيولوجي

في دجنبر من عام 1942م توصل الإيطالي «إنريكو فيرمي» إلى تركيب المفاعل النووي. وفي فبراير 2004م توصل الطبيب البيطري «هوانغ وو سوك Hwang Woo Suk»، من كوريا الجنوبية، إلى سر الانشطار الخلوي عن طريق الاستنساخ الجسدي. ومن المفاعل النووي مشى الطريق بأحد اتجاهين، إما انفجار قنبلة نووية بأقل من واحد من مليون في الثانية، أو مد مدينة متوسطة الحجم بالطاقة خلال سنة.

وفي الانشطار الخلوي بالاستنساخ الجسدي وصل العالم الكوري إلى مرحلة العلقة (Blastocyst)، أي مجموعة خلية من 200 خلية (غير مميزة). تمشي بإحدى الطريقين، إما أخذ خلايا للعلاج الاستنساخي، أو دفع الخلايا إلى تشكيل إنسان جديد مستنسخ.

ولشرح هذا الموضوع نقول إن الاستنساخ الجسدي يقوم على تكاثر خلوي بدون اتصال جنسي، من خلال أخذ خلية من جسد إنسان وسحب النواة لتزرع في خلية أخرى بدون نواة. ومن هذا المزيج وبتقنية خاصة، يتم تحريض الخلية على التكاثر. كما بدأ خلق الإنسان من خلية ملقحة واحدة بين ذكر وأنثى. وهي في المرحلة الأولى تنتج خلايا لا تتميز عن بعضها البعض في شيء. ويمكن لأي خلية من هذه المجموعة أن تتحول إلى أي خلية جسدية. أي أن الخلية (غير المميزة) يمكن أن تتحول إلى خلية عصبية أو عضلية أو هضمية، من خلال لغة كيماوية خاصة. ويمكن لهذه الخلايا المميزة أن تمشي بأحد اتجاهين، كما حصل مع المفاعل النووي. فإما أن هذه المجموعة من الخلايا تزرع في رحم امرأة فتتحول إلى إنسان مستنسخ، أو أن هذه الخلايا تدفع إلى التحول إلى نسيج بعينه من كبدي أو قلبي أو عصبي، أو أي نسيج آخر من 210 أنواع من الأنسجة التي يحفل بها البدن، والتي تضم 70 مليون مليون خلية.

وفي نونبر من عام 2001 م استطاعت شركة «ACT» (تكنولوجيا الخلايا المتقدمة) أن تصل إلى مرحلة ست خلايا، عبر تقنية الاستنساخ الجسدي. ولكن الدكتور «هوانغ» نجح للمرة الأولى في إيصال عملية التفاعل إلى مرحلة العلقة. والرجل جرب الاستنساخ الجسدي على الحيوانات، فنجح في استنساخ العجول عام 1999، ثم الخنازير عام 2002م، ولكنه فشل في استنساخ الكلاب، وكذلك النمر الكوري المهدد بالانقراض. وهو بالتقنية الجديدة فتح الطريق عمليا لاستنساخ الإنسان. وتقدم بنتيجة أعماله التي دامت عشر سنوات إلى المؤتمر السنوي «للجمعية الأمريكية للتقدم العلمي American Association for the Advancement of Science»، في مدينة سياتل الأمريكية.

وأهمية هذه التقنية أنها من الإنسان وإليه، فنتفادى بذلك مشكلة الرفض التي يشكلها الجسم ضد الأجسام الغريبة. وهي المشكلة الصعبة في زرع الكلية والكبد وسواهما عند المرضى المصابين بالفشل الكلوي، أو التهاب الكبد المزمن القاصر.

ونحن حاليا في جراحة زرع الأعضاء نقوم بزرع أجسام أجنبية مأخوذة من أجسام أناس آخرين ليستفيد منها من هو بحاجة إليها. وتعالج مشكلة الرفض بإعطاء العقاقير التي تخفض ظاهرة الرفض على حساب ترويض الجهاز المناعي إلى القدر الذي لا يرفض العضو المزروع، ويحافظ على مقاومة الجسم ضد الغزو الجرثومي الالتهابي من الخارج. وبالمناسبة فقد تم كشف هذه المادة، أي التي تسخر لتطويع ظاهرة الرفض في الجسم في مكانين عجيبين، فأما النوع الأول وهو السيفالوسبورين فقد كشف في مياه الصرف الصحي في جزيرة سردينيا، وأما النوع الثاني أي مركبات السيكلوسبورين فقد عثر عليها في تربة تم إيجادها في النرويج ونقلت إلى سويسرا بالصدفة، وفي كلتا الحالتين كانت الفطريات هي المسؤولة عن إنتاج المضادين الحيويين. والأعجب من الاثنين هو قصة تركيب الأنسولين على يد «خورانا»، الهندي الأمريكي، في المكورات البرازية في الأمعاء الغليظة من نوع إيشريشيا كولي. وفي العلاج الاستنساخي نقوم بتطوير الخلية إلى عدد كبير من خلايا النسيج المصاب، لتزرع في العضو التالف، فيكسب الصحة ويستعيد الشباب، فيقوم المشلول ويشفى القلب المعتل، ويتخلص مريض السكري من حقن الأنسولين مدى الحياة، وهي تقنية رائدة تفتح الطريق إلى عصر جديد في العلاج.

والذي دفع إلى التنكب عن طريق الاستنساخ الكامل واعتماد تقنية الخلايا، هو المظاهر السلبية التي ظهرت على الكائنات المستنسخة، من قطط وعجول وخنازير ومعز. وفي 95 في المائة من الحالات ظهرت مشاكل مرضية قبل الولادة وبعدها، ولعل أهمها التشيخ المبكر. وعندما يخلق الإنسان من خلية بعد الزواج، فهو يبدأ رحلته من الصفر. ولكن الخلية المستنسخة من جسد تبدأ حيث وصل الجسم، فإن أخذت من جسد كهل بدأت الخلية رحلتها في الأربعين، ولا تبدأ من الطفولة من الصفر.

والنعجة دوللي التي جاءت إلى العالم في فبراير 1997م تم قتلها في فبراير 2003م، بعد أن مرضت إلى حد السقام وظهر عليها من التشيخ ما قصر عمرها. ولكن مع هذا فإن تقنية الاستنساخ ليست بدون مشاكل، بما فيها موضوع الرفض. فهي موجودة في الخلية المستقبلة بدون نواة، والتي تحوي السيتوبلازما فيها (الميتوكوندريا)، فهي ليست حاويا مهملا، بل فيها ما لا يقل عن ثلاثة عشر بروتينا، تمثل زناد الانطلاق لظاهرة الرفض. مع هذا فالعلم يتقدم على ساقين من الحذف والإضافة. والزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال.

 خالص جلبي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى