المغرب والصين
علاقة الصداقة القوية والروابط المتينة بين الرباط وبكين ضاربة في القِدم، والعلاقات الديبلوماسية منذ عام 1958 ظلت تتميز بالاستقرار والتعاون، والبحث المستمر عن تعزيز الشراكات في مجالات الاقتصاد والسياسة والسعي لنزع فتيل التوتر بالمناطق الإقليمية الساخنة، واحترام سيادة الدول ودعم الاستقرار السياسي في إفريقيا وباقي البلدان، ما يحقق التنمية المنشودة ويرفع من مؤشرات جودة الحياة.
الزيارة التاريخية التي قام بها شي جين بينغ، رئيس جمهورية الصين الشعبية، إلى المملكة المغربية واستقباله من قبل ولي العهد مولاي الحسن بتوجيهات من الملك محمد السادس، تحمل رسائل ديبلوماسية في غاية الأهمية والدقة، بالنظر إلى تزامنها مع تأكيد مغربية الصحراء من قبل الدول العظمى، ومبادرة الحكم الذاتي لحل وحيد للنزاع المفتعل، والرفع من وتيرة انفتاح المغرب على دول العالم ودخوله نادي المنافسة في صناعة السيارات والطائرات وبناء الموانئ على واجهة المحيط الأطلسي لتعزيز الاستثمارات الاستراتيجية وترسيخ وتنزيل شعار الديبلوماسية الملكية (رابح – رابح).
لقد أكدت جمهورية الصين الشعبية، مرات متعددة، أنها تدعم استقرار وأمن الرباط دون قيد أو شرط، وهو الشيء الذي يتوافق والعين الواحدة التي يرى منها المغرب علاقاته الديبلوماسية بالنسبة لملف الصحراء المغربية، كما أن المغرب يتوفر على موقع استراتيجي يغري الدول المصنعة الكبرى بالاستثمار فيه والانفتاح على السوق الإفريقية الواعدة والخيرات التي تتوفر عليها القارة السمراء وتمثل مستقبل البشرية في الغذاء والدواء والصناعات الثقيلة والتطور التكنولوجي والاهتمام بالطاقات النظيفة والحفاظ على البيئة.
خلال سنة 2022، أصبحت الجمهورية الصينية الشعبية ثالث أكبر شريك تجاري للمغرب والشريك الأول في آسيا، حيث بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري 7.6 مليارات دولار، وحاليا تصل الاستثمارات الصينية في المغرب إلى حوالي 56 مليون دولار، مع توقعات بالرفع منها بوتيرة سريعة وإمكانية تكثيف نقل التصنيع من الصين إلى المغرب لتيسير عمليات التصدير نحو أوروبا وإفريقيا، ناهيك عن توفر المغرب على خام مهم خاص بتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية واليد العاملة، ما يفتح آفاقا مستقبلية واعدة بين الشعبين الصيني والمغربي.
إن الشعار الديبلوماسي الذي رفعه المغرب (رابح – رابح) تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، ليس لحظة عابرة، بقدر ما يتعلق الأمر برؤية مستقبلية جوهرها التعاون والتضامن لتحقيق الأفضل لشعوب العالم ومواجهة التحديات التي تعيق التنمية وتحول دون تحقيق العدالة في الاستفادة من الثروات، والمملكة منفتحة على الجميع شرط احترام سيادتها ومغربية الصحراء واحترام القوانين الدولية المعمول بها.
أمام المملكة الشريفة فرصة واعدة للإقلاع بقوة على المديين القريب والمتوسط، والمغرب يعد من أوائل الدول في إفريقيا والعالم العربي التي انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين، وصار عضوا في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بقيادة الصين خلال دجنبر 2018، كما أن وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة ونائبة رئيس اللجنة الوطنية الصينية للإصلاح والتنمية، نينغ جيجي، وقعا على اتفاقية بشأن خطة تنفيذ مبادرة الحزام والطريق المشتركة.
إن الدول العظمى واعية تمام الوعي برغبة المغرب ملكا وشعبا الجامحة لتحقيق التقدم والازدهار وتوفر كافة الأسباب والمقومات التي تجعل الحلم ممكنا في الواقع، من خلال التحولات في العلاقات الدولية بفعل الديبلوماسية الملكية الحكيمة وربط المغرب بجذوره الإفريقية الضاربة في العمق التاريخي وفروع أغصانه التي تجول العالم بحرية، لذلك علينا جميعا تقدير الفرصة المناسبة والعمل ولا شيء غير العمل لتحقيق حلم ملك وشعبه في دخول المملكة نادي الكبار من بابه الواسع، والتاريخ شهد دائما على أن التحام الملكية والشعب يصنع دوما المعجزات مثل المسيرة الخضراء واستقلال المغرب.