المغرب والسويد .. حوار العقل لا العضلات
عندما استقبل رئيس مجلس النواب السابق كريم غلاب وفدا عن البرلمان السويدي، قدم له الأخير نسخة مصورة بأقدم اتفاق يهم علاقات المملكة المغربية بالبلدان الاسكندنافية، ويخص تحديدا إعفاء بواخرها وأساطيلها التي تعبر البحر المتوسط من ضرائب مفروضة.
حدث ذلك في فترة وسعت فيها المملكة علاقاتها التجارية مع مختلف بلدان العالم، يوم كان صوت المغرب حاسما في الاعتراف بالدول، وضمنها الولايات المتحدة الأمريكية. غير أن التوقف عند مكامن القوة في الماضي لا يعني بالضرورة حدوث ضعف في الحاضر، ولكن التوقيت الذي يعتبر مفتاح المبادرات الناجحة يتعين التعاطي معه بهاجس قياس الزمن الذي يشكل فنا قائم الذات.
في أي حال فإن موقف البرلمان السويدي الذي دعا حكومة بلاده إلى تسريع الاعتراف بكيان وهمي، يطرح العديد من التساؤلات، في مقدمتها أي قيمة مضافة يمكن تحقيقها في مغامرة غير محسوبة مثل هذه. وإذا كانت الأحزاب الاشتراكية في البلدان الأوروبية وغيرها تتباهى بأنها تتحاور وتتعاطف مع نظيراتها في العالم، من منطلق تقاسم المبادئ والاختيارات، فهل يمكن اعتبار حركة انفصالية مسلحة حركة اشتراكية بأي معنى من المعاني، وبأي فهم تأويلي مغرض.
جدلية السؤال تخفي خلفيات أخرى، لا علاقة لها بكل ما هو مبدئي أو تضامني. والاشتراكيون السويديون يعرفون أكثر من غيرهم أن بوليساريو لا علاقة لها بمبادئ الاشتراكية أو أي حركة تحررية، فهي في أساسها مجرد قفاز تضعه الجزائر على أصابعها العشرة وتحركه في الاتجاه الذي تريد، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالاستعداء ضد كل ما هو مغربي.
هل هناك تيار اشتراكي تغيب فيه أبسط شروط حقوق الإنسان، بما في ذلك حظر التجوال وحرية إبداء الرأي، فبالأحرى إرادة تقرير المصير! وهل هناك حركة اشتراكية تنصب عليها قيادة أبدية بلا انتخابات ولا أي شكل من أشكال الممارسات الديمقراطية، ينضاف إليها معاكسة الاتجاه الوحدوي الذي هو مصدر زخم الفكر الاشتراكي المعاصر.
إذا تركنا جانبا غياب أي قواسم تدفع الاشتراكيين السويديين إلى الوقوع في المحظور، فإن آليات ومناهج الاعتراف بالدول تخضع لتوفر عناصر أساسية، أي الأرض والشعب والسيادة، وكلها معطيات لا وجود لها في حالة الحركة الانفصالية. عدا أن أي توجه بهذا المعنى يشكل ضربة موجهة للشعب المغربي المؤمن بعدالة قضيته، فهل كانت الاشتراكية في أي وقت مرادفا للانفصال وانتهاك حقوق الشعوب صاحبة السيادة والإرادة المؤتمنة عليها؟
اللافت في الموقف السويدي أنه يناقض التوجهات الدولية، وفيما انبرت عواصم أوروبية ودولية وازنة للتأكيد على أن النزاع الإقليمي في شمال غرب إفريقيا قائم أساسا بين المغرب والجزائر، لاعتبارات لم تعد خافية على أحد، وفي الوقت الذي يدفع المجتمع الدولي في اتجاه تحقيق الانفراج الإقليمي، بما يساعد على تسريع وتيرة الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، لا يمكن وصف موقف السويد إلا أنه يرجح كفة الجزائر. وهذا موقف يخالف المنطق السياسي الذي يربط حلول الأزمات بالمساعي والوساطات التي تحقق الوئام والتفاهم.
إذا كان من حق السويد وأي دولة أخرى أن تبحث عن تأمين مصالح اقتصادية وتجارية، بما في ذلك منافسة شركائها في الاتحاد الأوروبي والتطلع إلى مراكز نفوذ في عوالم أخرى. مثل إفريقيا وغيرها، فإن الأبواب مفتوحة أمام المنافسات، شريطة ألا يكون ذلك على حساب المبادئ. وقد رأينا على امتداد الفترة الأخيرة كيف أن انفتاح المغرب على إفريقيا خلق له المزيد من المتاعب، ولن يضير المغرب في شيء أن رهانه هذا كان صائبا ووجيها، خصوصا وقد بات ينظر إليه كمدخل مركزي نحو القارة الإفريقية.
أن يتحاور السويديون والمغاربة في شأن رهانات اقتصادية وتجارية يكون أجدى منه ضمان المصالح المشتركة. بخاصة تلك التي تهم دول القارة الإفريقية التي لم تعد تقبل أساليب الاستعلاء وامتصاص خبراتها. إلا أن الحوار شيء والضغوط السياسية شيء آخر. والمغرب ذو العمق الإفريقي يرفض أي ابتزاز في هذا المجال أو غيره، لكنه لا يمكن إلا أن يرحب بالمبادرات الخلاقة التي تسمح بإقامة شراكات متوازنة ذات امتداد إفريقي وأوروبي يذهب إلى أقصى منطقة عند بحر المانش.
وثيقة إلغاء الضرائب على البلدان الاسكندنافية، إن كانت ذات بعد تاريخي، فإن ميثاقها وروحها تبقى ذات بعد آخر، يغوص في الحاضر ويستشرف المستقبل. فقط يتعين استخدام العقل بدل العضلات.