دشنت العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإسبانيا، العريقة تاريخيا، مرحلة جديدة. وأرست المملكتان الأسس لشراكة اقتصادية متجددة ومتجهة نحو المستقبل، بهدف تطوير وتنويع التدفقات التجارية الثنائية لمواجهة تحديات السوق الدولية التنافسية أكثر فأكثر.
بفضل القرب الجغرافي والتنافسية المشتركة والتكامل الدينامي وآليات الاستباق والتقارب، نجح اقتصادا البلدين في التغلب على الصعوبات المرتبطة، على الخصوص، بتداعيات «كوفيد-19» والسياق الإقليمي والدولي، عبر إرساء شراكة مندمجة في سلسلة القيمة.
وتمتد هذه الخيارات المشتركة إلى أبعاد جديدة تؤشر على مستقبل واعد للعلاقات الاقتصادية. ويتعلق الأمر، في المقام الأول، بأبعاد قطاعية؛ مثل الاندماج في سلاسل القيمة الصناعية من خلال تطوير شراكات في قطاعات النسيج، والإلكترونيات، والصناعة الغذائية، وصناعة السيارات والطاقة، وكذا أبعاد جيو-اقتصادية تستفيد من الاستقرار السياسي الذي يتمتع به المغرب.
ومكنت هذه الحركية الجديدة البلدين من الحفاظ على دينامية مستدامة للمبادلات التجارية على مر السنوات وتنفيذ مشاريع إنمائية مشتركة ذات قيمة مضافة عالية، وخير مثال على ذلك وجود نسيج مقاولاتي إسباني قوي في المغرب ما فتئ يتزايد، والذي يستفيد من المناخ الإيجابي للاستثمار في المملكة. ونتيجة لذلك تعد إسبانيا، منذ 10 سنوات، أول شريك تجاري وزبون للمغرب.
وكما كان مبرمجا، حل بالمغرب رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، الذي يترأس، إلى جانب رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أشغال الدورة 12 للاجتماع رفيع المستوى المغرب- إسبانيا. وكان في استقبال سانشيز، على رأس وفد هام، عزيز أخنوش، وسفير إسبانيا بالرباط، ريكاردو دييث هوشلايتنر رودريغيث. ويأتي الاجتماع رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا، بعد ثماني سنوات على عقد آخر دورة لهذه الآلية المؤسساتية، ليكرس الشراكة الاستراتيجية والدينامية التي انخرط فيها البلدان عقب الزيارة التي قام بها سانشيز، للمغرب في أبريل الماضي، بدعوة من الملك محمد السادس.
تعاون ثنائي بإرادة ملكية
على هامش القمة المغربية- الإسبانية رفيعة المستوى، وقبيل انطلاق المنتدى رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا، أجرى الملك محمد السادس مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز. وأشار بيان صادر عن الديوان الملكي إلى أن الملك أشاد، خلال هذه المحادثات التي طبعها الدفء، بالتطور الذي تشهده المرحلة الجديدة من الشراكة الثنائية، في سياق من التشاور والثقة والاحترام المتبادل، وذلك منذ اللقاء الذي جرى في 07 أبريل 2022 بين الملك ورئيس الحكومة الإسبانية، حيث تم تفعيل الالتزامات التي تضمنها البيان المشترك المعتمد بهذه المناسبة بشكل جوهري.
وفي هذا السياق، نوه الملك بانعقاد الدورة الثانية عشرة من الاجتماع رفيع المستوى المغرب- إسبانيا، بعد ثماني سنوات على عقد آخر دورة من هذه الآلية المؤسساتية.
ومن شأن القمة الإسبانية- المغربية أن ترسم ملامح السياسة الجديدة بين البلدين خلال العقد القادم، بالنظر إلى حجم التمثيلية الوزارية المشاركة في الحدث، والملفات المتعددة التي سيُناقشها الطرفان. فحسب مصادر إعلامية إيبيرية، سيشارك في القمة اثنا عشر وزيراً إسبانياً إلى جانب رئيس الوزراء؛ فيما تسعى هذه التمثيلية الدبلوماسية والاقتصادية رفيعة المستوى إلى توقيع أزيد من 20 اتفاقية في مجالات مختلفة بين البلدين.
إسبانيا.. الشريك الأول للمغرب
أكد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أن «إسبانيا هي اليوم الشريك التجاري الأول للمغرب، سواء على مستوى الاستيراد أو التصدير. كما أن المغرب هو الشريك التجاري الثالث لإسبانيا من خارج الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية. والمغرب هو الوجهة الأولى للصادرات الإسبانية في إفريقيا والعالم العربي»، موضحا، في مداخلته خلال المنتدى الاقتصادي المغربي- الإسباني المنعقد على هامش الاجتماع رفيع المستوى بحضور رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، أن المغرب وإسبانيا يرغبان في إقامة شراكة اقتصادية جديدة خدمة للتنمية، بهدف الاستفادة من الإمكانات الكاملة التي توفرها العلاقات بين المملكتين.
وتابع أخنوش أنه «أكثر من ذلك، فإن هذه الدينامية في تقدم مستمر، حيث بلغت مبادلاتنا التجارية 17 مليار أورو في سنة 2021. وخلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2022 ارتفعت بأكثر من 21 بالمائة». وفي السياق نفسه، سجل أخنوش أن حجم الاستثمارات الإسبانية بالمغرب في تقدم، في حين أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة يضع إسبانيا ثالث مستثمر أجنبي في المغرب.
وشدد رئيس الحكومة على أنه في هذا المجال، ما يزال هناك هامش كبير للتقدم، سواء في مجالات الطاقة أو النقل، أو السياحة أو الصناعة، سيما على ضوء ما جاء به الميثاق الجديد للاستثمار، وقال «لقد فتحت مرحلة جديدة في علاقاتنا الثنائية من خلال موقف حكومتكم بخصوص أقاليمنا الجنوبية. فقد امتلكت إسبانيا شجاعة واقعية تاريخية، ولهذا فإن المغرب يشيد بموقفكم»، مبرزا، في هذا الإطار، ضرورة العمل المشترك من أجل بناء مستقبل أفضل.
800 مليار.. استثمار إسباني في المغرب
أعلن رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، أول أمس الأربعاء، بالرباط، خلال المنتدى الاقتصادي المغربي- الإسباني، عن بروتوكول تمويل جديد بقيمة 800 مليون أورو يهم مشاريع مشتركة في المغرب. وقال سانشيز، الذي كان يتحدث في هذا المنتدى إلى جانب رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، إن هذه المشاريع ستنفذها شركات إسبانية في المغرب، مؤكدا أن إسبانيا والمغرب يتقاسمان الطموح للمضي قدما نحو هذه المرحلة الجديدة، سيما مع الـ 24 اتفاقية التي سيتم توقيعها بين البلدين.
وأضاف المسؤول الإسباني أن هذه العلاقات تصب في مصلحة المغرب وإسبانيا، ولكن أيضا في مصلحة أوروبا، مشيرا إلى أن إسبانيا هي ثالث أكبر مستثمر أجنبي في المغرب، مشيدا بمستوى المبادلات التجارية بين البلدين.
وبحسب الأرقام الإسبانية الرسمية، فإن المغرب يعد الوجهة الرئيسية للاستثمارات الإسبانية في إفريقيا، ويتلقى أكثر من ثلث إجمالي الاستثمارات الإسبانية المباشرة الموجهة إلى القارة الإفريقية.
وبلغ رصيد إسبانيا من الاستثمارات في المغرب 1944 مليون أورو سنة 2020 (أحدث البيانات المتاحة) ولديها حوالي 524 فرعا تابعا لشركات إسبانية ونحو 670 شركة إسبانية تمتلك أكثر من 10 بالمائة من رأسمال الشركات المغربية الخاضعة للقانون المغربي.
وكثمرة لهذه الدينامية المضطردة، تضاعفت المبادلات التجارية بين المملكتين، على مدى السنوات العشر الماضية، مع معدلات نمو فاقت 10 بالمائة سنويا منذ العام 2011. وتتميز هذه المبادلات بثلاثة عناصر أساسية، هي التناغم والجودة والتوازن.
وتمثل هذه الأرقام القياسية، على التوالي، 3 بالمائة و2,1 بالمائة من الحصة العالمية للصادرات والواردات الإسبانية.
وسجلت المبادلات التجارية بين البلدين منحى تصاعديا منذ العام 2016، حيث أظهر انخفاضا طفيفا في العام 2020 مع بلوغ الصادرات نحو إسبانيا 6,37 مليار أورو (مقابل 6,96 مليارا في 2019)، بينما ارتفعت الواردات إلى 7,35 مليار أورو (مقابل 8,45 مليار أورو في العام 2019).
وزادت المبادلات التجارية بين البلدين بنسبة 31 بالمائة إلى ما يقرب من 10 مليارات أورو في العام 2022، ما يجعل المغرب الشريك التجاري الرئيسي لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، باستثناء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وتوضح هذه الأرقام أن البلدين انتقلا من التصور التقليدي للمتنافسين في قطاعات القيمة المضافة إلى أن يصبحا شريكين متكاملين في سلسلة القيمة، وهو تمرين لمرحلة نضج سيتم توطيده بشكل أكبر خلال الاجتماع رفيع المستوى الذي سيتميز بعقد منتدى اقتصادي ثنائي.
فرص قوية للاستثمار
أجمع المتدخلون، الإسبان والمغاربة، في المنتدى الاقتصادي المغرب- إسبانيا، يوم الأربعاء فاتح فبراير بالرباط، على قوة العلاقة بين البلدين، في كل المجالات، داعين، من الجانبين، إلى ضرورة تعزيزها واستغلال فرص الاستثمار الموجودة في البلدين. واتفق مسؤولو البلدين، من مدراء شركات ومقاولات وتنظيمات مهنية، على أن المنتدى سيشكل دفعة قوية لتقوية هذه العلاقة، إذ أبرز كل طرف أهمية ما يُشكله الطرف الآخر بالنسبة له.
وأبرز شكيب لعلج، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، في المنتدى المنظم من طرف المؤسسة التي يرأسها بشراكة مع الكونفدرالية الإسبانية لمنظمات المقاولات والمجلس الاقتصادي المغربي- الإسباني، أن المبادلات التجارية بين البلدين سجلت ارتفاعا كبيرا وأن العلاقات التجارية تتعزز، مشيرا، في كلمته التي افتتحت المنتدى، إلى أن هناك 17 ألف مقاولة إسبانية موجودة في المغرب، قائلا إن سقف الطموح سيرتفع أكثر، مبرزا أن الجائحة والحرب أثرتا في الاقتصاد العالمي، والمغرب وإسبانيا لم يسلما من تبعاتها، وبالتالي العلاقات بين الجيران مهمة جدا.
وأكد المتحدث أن «علاقاتنا تدفعنا إلى تأسيس منظومة اقتصادية قوية في مجالات عديدة»، مضيفا أنه «يتوجب الاعتماد على الابتكارات والاستثمارات والرقمنة وسلاسل الإنتاج وكل ما من شأنه تعزيز العلاقة الاقتصادية»، وفي كلمته، سجل أهمية ميناء طنجة المتوسط باعتباره رافعة أساسية للاقتصاد المغربي، في انتظار الدفعة التي سيقدمها ميناءا الناظور والداخلة، مضيفا أن المغرب استثمر في مجال التحول الطاقي ويعول على إنتاج الهيدروجين، إلى جانب ما يقوم به في ما يتعلق بقطاع الماء، والصحة التي لفت إلى أن المملكة انخرطت في ورش ملكي للحماية الاجتماعية.
وشدد لعلج على أنه وقت مناسب للاستثمار في المغرب بفضل تموقعه وقدراته والتحفيزات المتاحة أمام المستثمرين، داعيا مدراء الشركات إلى تعزيز روابط التعاون، ومقدما شكره لسفيري البلدين، اللذين حضرا المنتدى ويلعبان دورا كبيرا لتعزيز التعاون.
خارطة الطريق.. نموذج للتعاون
من جانبها، أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، أن خارطة الطريق التي وضعها البلدان تحتم تعزيز الروابط بين المملكتين، ويتوجب البحث عن نموذج تعاون اقتصادي، خصوصا مع التقارب الجغرافي، وأشارت إلى أن التبادل التجاري يسجل أرقاما مشجعة ومهمة، مؤكدة أن 30 في المائة من الاستثمارات الإسبانية موجودة في المغرب.
وخاطبت الوزيرة الإسبان قائلة إن المغرب يتميز بقوة علاقته مع البلدان الأوروبية، خصوصا أن الشركاء هم المستقبل، وأن المغرب بوابة نحو إفريقيا، وهو ثاني مستثمر في إفريقيا والأول في غرب إفريقيا، وسجلت أن المغرب طور نموذج الاستثمار الخاص ووضع تحفيزات، داعية الشركاء الإسبان إلى التعاون لمواجهة التحديات والاستثمار في عدة قطاعات، إلى جانب شركائهم المغاربة.
وأشارت الوزيرة إلى أن المنتدى الاقتصادي المغربي- الإسباني، الذي نظم على هامش الاجتماع الـ12 رفيع المستوى المغرب – إسبانيا، بمبادرة من الاتحاد العام لمقاولات المغرب والكونفدرالية الإسبانية لمنظمات المقاولات، والمجلس الاقتصادي المغربي- الإسباني، يشكل مناسبة لمناقشة محورين، يتعلق أولهما بسؤال «كيف يمكن للشركات المغربية والإسبانية الاستجابة للفرص التي تتيحها إعادة النظر في إعدادات سلاسل القيمة العالمية؟»، فيما يتعلق الثاني بـ«الانتقال الطاقي، البيئة واقتصاد التدوير، والقطاعات الأساسية للشراكة الاقتصادية المغربية- الإسبانية».
النعمان اليعلاوي