يونس جنوحي
هناك نبتة نواحي منطقة ألنيف، يطلق عليها اسم «المورينكا». وهي واحدة من الثمار الأكثر طلبا في العالم، ولا تظهر إلا في بعض المناطق القليلة جدا حول العالم.
والذين لا يعرفون منطقة «ألنيف» فهي بلدة نائية تتمدد بهدوء جنوب مدينة تنغير، وبالضبط في الطريق نحو الريصاني شرقا.
مكان منسي في الجنوب الشرقي للبلاد، لا يعرف إليه أغلب المسؤولين طريقا إلا في الحملات الانتخابية. فيما الأهالي والسكان المحليون يعيشون هناك على إيقاع الرتابة والجفاف وغياب المشاريع المدرة للدخل وبُعد المستشفيات. خلال فصل الصيف، حيث تتجاوز درجات الحرارة 45 درجة، يشكل عندهم انقطاع الماء معضلة حقيقية. وفي الشتاء، حيث تنخفض الحرارة إلى ما تحت الصفر، يحاول الأهالي تجميع الحطب لتوفير التدفئة للمنازل والمدارس.
هذه النبتة التي تُكنى «الذهب الأخضر»، تنمو بسخاء في أرض «ألنيف» ويشتغل الأهالي في تسويقها محليا، رغم أن جل المغاربة لا يعرفون منافع النبتة ولا مجالات استعمالها.
ويتعلق الأمر بنبتة صنفتها مراكز الأبحاث الطبية في أكثر من دولة، على رأسها الولايات المتحدة، من فصيلة النباتات البانية التي تفرز موادا مضادة للأكسدة والمستهدفة للخلايا المسرطنة.
في الجنوب الشرقي سبق للأهالي استعمال هذه النبتة مجففة مع الشاي. قبل أن تصبح معروفة في الأوساط العلمية بفوائدها المحاربة للسرطان. وهناك مختبرات طبية استطاعت تصنيع مكملات غذائية طبيعية باستعمال مستخلصات هذه النبتة. إذ إن الأبحاث التي أجريت عليها طيلة أربعين سنة، منذ 1980 تحديدا، تؤكد أنه يمكن استعمال كل أجزاء النبتة بدون استثناء. أي أنه لا وجود نهائيا لأي نفايات صادرة عن عملية تصنيعها أو تصبيرها، بحيث يمكن استعمال الأوراق والجذور وحتى ساق النبتة لاستخراج المادة الطبية. بينما الثمرة نفسها يُستعمل مسحوقها كمكملات غذائية لمرضى الاضطراب في الجهاز الهضمي.
أخيرا، أطلق بعض شباب المنطقة مبادرات لتسويق النبتة إلى الخارج من خلال إنشاء محاولات لمقاولات فتية، واستغلال المنصات والأنترنت لتسويقها. ورغم أن الأمر يتطلب إمكانيات مهمة للتعليب والمحافظة على النبتة لكي تتوفر فيها شروط الاستعمال الطبي وفق المعايير المتفق عليها دوليا، إلا أن هؤلاء الشباب استطاعوا فعلا بإمكانيات بسيطة توفير وتسويق هذه النبتة التي يطلق عليها «الذهب الأخضر» في إشارة إلى فوائدها الطبية التي لا تقدر بثمن.
في الجنوب المنسي، أو «المغرب غير النافع»، كما يطلق عليه للأسف، توجد موارد من هذا النوع النادر حول العالم. بدءا من شجرة الأركان نواحي أكادير والصويرة، مرورا بالزعفران في منطقة تاليوين، والذي يعد الأفضل في العالم على الإطلاق ولا يوجد أساسا إلا في تاليوين وإيران، وصولا إلى هذه النبتة «المورينكا» التي يعرفها سكان منطقة «ألنيف» المنسية. وهذا يُظهر إلى أي حد كانت مقولة «المغرب غير النافع» ظالمة ومُجحفة في حق الملايين من سكان المغرب، المستقرين في الجنوب المغربي، خصوصا في منطقة سوس ودرعة.
هذه المقولة الاستعمارية التي ورثناها من عهد المقيم العام «ليوطي» وتقسيم الإدارة الفرنسية للتراب المغربي وفق مناطق نافعة وأخرى ليست كذلك، هي التي أذكت الشعور بالإقصاء الذي تسرب إلى أجيال من المغاربة.
عندما يتعلق الأمر بحقيقة علمية خالصة تتعلق بفوائد نبتة طبية تستخرج منها أشهر المختبرات حول العالم أدوية محاربة السرطان، لا أحد يهتم. لكن لو أننا وضعنا صخرة صماء في «ألنيف» وأشعنا أن تلك الصخرة تشفي كل من يتمسح بها، ويضرب معها رأسه سبع ضربات، لشد الجميع إليها الرحال، ولنبت بجوارها مكان لمبيت الزوار و«المرضى»، ومحلات لبيع الماء للمسافرين، ولجاء إليها مغاربة الخارج والداخل يطلبون البركة.