شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

المغرب الممكن

 

عبدالرزاق الحجوي

 

يحتاج المغرب إلى ضعفي الناتج القومي الحالي أو أكثر لتلبية كل احتياجات الفئات الهشة ولتحقيق العدالة المجالية ولردم الفوارق الطبقية، فانسداد الشوارع بالباعة المتجولين واكتظاظ السجون، ونمو معدلات العنوسة والإدمان، وعدد الراغبين في الهجرة حتى من الطبقة المتوسطة، يؤكد هذا الطرح، والسؤال هل هذا ممكن ومنذ متى؟

إن الطريق الوحيد، الذي سمح لغيرنا بمضاعفة الناتج القومي، من غير النفط، هو الاستفراغ الكلي للقطاع الصناعي من كل ما بجعبته من فرص، فقبل توقيع اتفاقيات التبادل الحر كان يجب كسر كلفة العقار الخاص بالقطاع الصناعي وكسر كيفية وآجال تسليم التراخيص، لأن تغول البيروقراطية وسطوة الفاسدين هي حواجز حقيقية أمام النمو والتقدم.

هذا الطريق الطويل فعلا كان ولا يزال الالتفاف عليه ممكنا، عبر تحضير مليون هكتار مجهزة لبناء المعامل وبأثمنة تنافسية دوليا، لأن الأسعار الحالية، صحبة البيروقراطية، تكبت توسع الوحدات المشتغلة حاليا كما تصرف نسبة كبيرة من المستثمرين عن دخول حقل الصناعة والإنتاج، والحديث هنا بالضبط عن المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري لأكبر الاقتصادات المتقدمة، أما الشركات الكبرى فإنها تجد البساط مفروشا أينما حلت وارتحلت لكن الرهان عليها لوحدها لم يسبق أن كان كافيا في أي تجربة أخرى.

أما الالتفاف على البيروقراطية فهو ممكن بتوفير جيل جديد من الخدمات القضائية والإدارية يكون خاصا بهذه المدن الصناعية، في انتظار التعميم الرهين بمضاعفة الميزانية العامة. فنجاح الأجانب والمهاجرين وكثير من المحليين رهين بجودة هذه الخدمات، ولأن التجارب الاستثمارية المتوسطة والصغيرة هي عالية الحساسية وتتعرض للانكسار بسهولة، فعدد المتظلمين في الشبكات الاجتماعية يقض مضجع كل مهتم، إلى درجة أن السطو على مئات الضحايا وعشرات الملايير وتأخر العقاب وعدم ملائمته مع حجم الضرر، قد صار حدثا عاديا اليوم.

هي معادلة بسيطة، فالحلول الناجعة تحتاج إلى كثير من المال حتى مع القضاء على الفساد، والنهضة الصناعية بدل النمو التدريجي للقطاع الصناعي، أساسها المتين هو تخصيب حضانة تفريخ المقاولات الصغرى والمتوسطة الإنتاجية وليس الخدماتية، فثمار هذه القفزة الكبرى ستغذي بما يكفي الدخلين العام والفردي، وستصحح الميزان التجاري مما سينعش قطاع الخدمات، الرهين بانتعاش الدخل الفردي أكثر مما هو مرتهن بتيسير القروض للشباب.

كما أن الاستفادة من باقي التجارب لا تعني القفز على المراحل بالسعي للنزول بآخر محطة بلغها الناجحون، فمراحل بناء وتطور الاقتصاد الناشئ يجب قطعها درجة درجة، لأن الصين لم تنطلق من الصناعات المتطورة وتحتاج إلى اليوم لمن سبقوها في ميدان الرقائق ومحركات الطائرات، بل حتى في صناعة السيارات فلولا التحول نحو المحركات الكهربائية، فقد عجزت عن منافسة الشركات الغربية في محركات الغازوال التي لا تزال مهيمنة على قطاع النقل، خاصة الثقيل، في انتظار الكهربة الشاملة لهذا القطاع في الغرب، ما سيلغي أهمية أمن الخليج العربي، ليترك تحت رحمة القوتين الإقليميتين إيران وإسرائيل، وسيُسمح غالبا لإيران بامتلاك السلاح النووي طالما أنه لن يهدد أمن إسرائيل، لأن استعماله ضدها يعني مسح إيران كليا من طرف حلف الناتو. فمخطط الفوضى الخلاقة لم ينتهي بعد وشوطه المقبل لن يكون أقل خرابا من الشوط الأول.

لقد قطع المغرب، الذي تنتظره الشيخوخة وعليه التوظيف الكلي لهذا الجيل، أشواطا في التنمية وفي تأهيل البُنى التحتية التي خلفت مديونية يفاقم من ثقلها فاتورتي الفساد والجفاف، فتحقيقات المجلس الأعلى للحسابات لا تخص إلا عينات محددة، فماذا لو استطاع هذا المجلس الإحاطة بكل ما يقع في الجماعات والإدارات، فمصالح بعض الفئات لا تلتقي مع المصلحة العامة إلا في الشكل، والفساد سرطان يستشري بشراهة ومع تغوله فإن كلفة طي صفحته تعلو وتبتعد مع الوقت. كما أن تصحر هذه المنطقة يؤكد أن تراجع القطاع الفلاحي سيضاعف من هذه الأزمة وسيضرب أسس معادلة التوازن القائمة، فالوقت ينفذ وعتبة الاستدراك تعلو دون توقف.

فالإجابة عن سؤال المقدمة تُختصر في سؤال أيضاً، كم سيكون دخل المغرب القومي حاليا لو توفر عرض السوق العقارية منذ توقيع اتفاقيات التبادل الحر على مليون هكتار أو نصفها على الأقل بسعر طبيعي، ولو قدمت الحماية الكافية إداريا وقضائيا للمستثمر العادي والأجنبي؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى