شوف تشوف

الرأي

المغرب الذي كان..

يونس جنوحي

ربما يود بعض الذين يقطنون في الجوار أن يستقطبوا بدورهم شخصيات عالمية لكي تتقاعد عندهم، مثل ما يحدث مع الذين اختاروا طواعية أن يتقاعدوا في المغرب، خصوصا في مراكش أو في طنجة.
إذ إن ناشطا جزائريا دعا خلال الأسبوع الماضي فقط، من خلال مقال نشره باللغة الإنجليزية في منصة لمنخرطي منظمة لـ«الدبلوماسية الموازية»، أو هكذا أطلقوا عليها، إلى الاشتغال على إقناع شخصيات أجنبية مؤثرة دوليا على التقاعد في الجزائر، واستقطابها قبل أن تتوجه إلى المغرب!
على حد علمنا، لا توجد أجواء مدينة مراكش في أي مكان في الجزائر، لا ببعدها التاريخي ولا بساحة شبيهة بساحة جامع الفنا، التي أبهرت كبار مثقفي القرن الماضي. والطريقة الوحيدة للحصول على صومعة شبيهة بالكتبية هي استعمال «الفوتوشوب».
كما لا توجد لديهم مدينة دولية، حيث مباشرة بعد خروج العثمانيين دخلت فرنسا، ولم تبق أي مدينة أو حتى قرية في الجزائر خارج نفوذ الجيش الفرنسي. وبالتالي فإن الحديث عن رصيد دولي لمكان ما في الجزائر، لا يمكن أن يكون صحيحا.
نحن لا ننكر أن الجزائر بلد يزخر بتاريخ كبير، لكنه في النهاية مشترك مع المغرب. أما محاولة إقناع شخصيات أجنبية لكي تتقاعد في الجزائر بدل المغرب، فالأمر شبيه بمحاولة فرض وجبة شواء على شخص نباتي. إذ إن هؤلاء الذين يختارون التقاعد عندنا، يأتون لانبهارهم السابق بأجواء الجنوب أو بقرب طنجة من أوروبا. وهؤلاء في الغالب يقتنون عقارات في المناطق العتيقة ويصرفون ملايين اليورو لترميمها وإعادتها إلى سابق عهدها، ويملؤون جدرانها بلوحات فنية يقتنونها هي الأخرى بملايين الدراهم.
لقد سكن كوفي عنان، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، قبل وفاته سنة 2018 في مدينة طنجة، بعد مغادرته الحياة السياسية الدولية، واستمتع كثيرا بالتجول ليلا في أزقتها، رغم أن كل سكانها كانوا يعرفونه لكثرة ما كان وجهه يُعرض في كل نشرات الأخبار خلال نهاية التسعينيات. وقبله كان رسامون عالميون ومخرجون سينمائيون تعلن حالة الطوارئ في شوارع نيويورك ومطارات العالم عند عبورهم منها، لكنهم في ساحة جامع الفنا يشترون الخضر الطرية ويضعونها في سلة القش، ويشربون الشاي على الرصيف، دون أن يزعجهم أحد حتى لو تعرف عليهم.
كتاب عالميون مثل بول بولز، الأمريكي الذي وصل إلى قمة الشهرة خلال أربعينيات القرن الماضي، وزار المغرب سنة 1947 وقرر أن يقضي ما تبقى من حياته في طنجة، التي أحبها من أول زيارة. حتى أن مقتنياته الشخصية اليوم توجد كلها في مقر المفوضية الأمريكية في طنجة، بما فيها بطاقة إقامته الأخيرة وآلة البيانو التي أحبها وآلة الكتابة الخاصة به، بحكم أنه كان ناقدا سينمائيا أيضا، والتي رقن بها كتبه وبفضلها بقي على اتصال بمسارح نيويورك ومكتباتها.
سُنة استقرار الأجانب في المغرب ليست وليدة اليوم، بل إنها قديمة جدا وتعود إلى القرن 19. إذ إن آخر من تمت الالتفاتة إلى رصيدهم في المغرب، هو الصحافي البريطاني والتر هاريس، صاحب كتاب «المغرب الذي كان». حيث في منتصف مارس الجاري، تم افتتاح الفيلا الخاصة به، والتي قضى بها ما تبقى من حياته عندما فر من فاس إلى طنجة الدولية، حتى لا يقتله الوزراء والمستشارون، لأنه كان يتدخل في الشأن المغربي. جمع تحفا كثيرة خلال مغامراته الصحافية، وطلب أن يُدفن في طنجة، وبقيت الفيلا التي هرب إليها شبه مهجورة، إلى أن انطلقت أشغال ترميمها أخيرا، لتفتح للعموم على شكل معرض يضم أعمال رسامين مغاربة. بينما كانت صورته في المدخل تذكر الزوار أن «المغرب الذي كان»، حفظ أسرار كل ضيوفه وأكرمهم حتى بعد وفاتهم.
وهذا ما يجب على الذين يفكرون في استقطاب الناس للتقاعد عندهم، أن ينشغلوا به، رغم أن الزمن لا يعود إلى الوراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى