بقلم: خالص جلبي
لنحاول أن ندخل عبر ثقوب الغشاء الخلوي إلى داخل الخلية، لنرى العالم الذي يقع خلف هذا الستار المجهول. ليست الخلية حجرة صغيرة محاطة بغلاف وفيها سائل متجانس؛ بل إنها كالبحر الذي يعج بأنواع مختلفة من الحيتان والأسماك والحيوانات المختلفة، فلننظر إلى هذه العناصر الموجودة داخل الخلية قبل الوصول إلى النواة، لأن النواة ـ كما ذكرنا ـ فيها سر حياة الخلية وسنفرد لها بحثا خاصا.
أولا وجد أن تركيب الإنسان من العناصر هو بالنسب المئوية التالية: من عنصر الأكسجين 62.81 ومن الفحم 19.37 ومن الهيدروجين 5.14، ومن الآزوت 1.38 ومن الكلس 0.63 ومن الفوسفور 0.64 ومن الكبريت 0.26 ومن الصود 0.18 ومن الكلور 0.22 ومن الماينزا أقل من 0.04. والعجيب في هذه النسبة أنها تشبه النسبة الموجودة في النباتات في زمن الربيع، عندما تزهر فهل هذا لأن الإنسان يمثل ربيع الوجود؟
الماء والحياة
وأما الماء فهذا يحتاج إلى حديث كامل لوحده، ذلك لأنه يمثل أساس الحياة، فهو يدخل في تركيب جميع الكائنات الحية، وطالما وجدت الحياة فحتما سيوجد الماء معها، وهو يدخل في تركيب الخلية بشكل حيوي أساسي، ولنسمع إلى أستاذ علم النسج في كلية الطب وهو يقول لنا بالحرف الواحد: يتخلل الماء جميع الأنسجة، ولا حياة للخلايا بدون الماء. وصدق الله العظيم إذ قال: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) – وأضيف له تتمة الآية لأن سياق الآية ليس له معنى([1]) إذا كان لا يدل على الشيء الذي أراده من معجزة الماء – وهو يوجد في الخلية بثلاثة أشكال، وليس بشكل واحد عادي كما نعرفه نحن في الحياة الطبيعية؛ فهو يوجد بشكل متحد اتحادا كيمياويا في هيولي الخلية، أو متشرب بجزئياتها، أو كما يوجد الماء في عيون الإسفنج، والماء يتمتع بنسبة ثابتة في الخلية حسب ما تحتويه من الشحوم.
ثم لنلقِ نظرة على محتويات الخلية غير المصورة، أي الأجزاء التي لا تتجمع بشكل كتل وتأخذ أحجاما وصورا معينة ثابتة وتقوم بدور معين كما ذكرنا عن المصورات الحيوية، أو ما تسمى بـ(الميتوكوندريا) إننا نجد أولا الماء كما ذكرنا، ثم الأملاح المعدنية، حيث تحتوي خلايا جميع الأحياء ما يلي من العناصر المعدنية بالدرجة الأولى P, O, N, C, H([2])، ثم عناصر ثانوية وهي Na (صوديوم) Mg مغنزيوم، S كبريت، Cl كلور، K بوتاس، Ca كلس، Fc حديد، ثم عناصر بكمية قليلة جدا وهي B بور، F فلور، Si سيليس، Mn منغنيز، Cu نحاس، I يود، وهكذا نرى وسطيا في كل خلية حية من العناصر المعدنية حوالي 18 عنصرا وهي العناصر الموجودة في التراب الذي نعيش عليه مصداقا لقول الله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين).
رحلة مع ذرة السكر
والآن إلى سر جديد من أسرار الخلية بعد أن عبرنا ثقوب الغشاء الخلوي عبر تلك البوابات السرية المتحركة؛ فإننا نواجه جدار الخلية من الخارج، وإذا بالجدار ينفتح منه باب للدخول، وهذا الباب ليس للعموم فمن شاء دخل؛ بل إن على الثقب بوابا عاقلا حكيما؛ فهو يسمح لبعض الذرات بالدخول كما في ذرة البوتاس، ويمنع ذرة الصود، مع أن ذرة البوتاس أكبر من ناحية الوزن الذري من الصود، ولكنها إرادة البواب العاقل الذي يقف على البوابة السرية المتحركة التي تكمن في أي نقطة من جدار الخلية، من هذه الذرات الهامة التي معها إجازة دخول ذرة السكر، ولكن هل الخلية هي المركز الأول للتفتيش والدخول لنرَ؟
لنحاول الآن أن نتتبع مسير ذرة السكر من نقطة الدخول الأولى حتى تستحيل إلى غازات تنطلق في الهواء وهي غاز الفحم وبخار الماء. إذا رافقنا ذرة السكر نجد أنها إذا كانت من نوع النشويات بدأت بالتغير من لحظة مرورها الأولى، وذلك بسبب وجود خميرة النشا في الغدد اللعابية الموجودة في الفم، وهي غدة تحت الفك وغدة تحت اللسان والغدة النكفية، وأما إذا كانت من أنواع السكاكر الأخرى- وللسكاكر أنواع وليست نوعا واحدا كما يتوهم البعض، حيث تنقسم إلى سكاكر خماسية وسكاكر سداسية والأخيرة لها أنواع عديدة منها سكر العنب وسكر اللبن وسكر الثمار وغيرها- فإنها تصل إلى الأمعاء وهناك يحصل لها التغير الأساسي، حيث لا يمكن لها أن تدخل جدار المعي بدون جواز مرور، وهذا الجواز هو عملية الفسفرة في مصطلح الكيماويين، ومن هناك تصل إلى الكبد عبر الدوران العام، حيث يعتبر مركز الجمارك العام، وهنا يحصل أعجب وأغرب الأشياء في البدن وهو تحويل السكر إلى ما يسمى بـ(الغليكوجين) أو مولد السكر؛ لأن هذا يعتبر المركز التمويني العام للسكر في الدم، وحتى نعرف نتائج هذا الأمر فإننا يجب أن نعرف أن كمية السكر في الدم في حدود 5- 6 غرامات، وهذه لا تكفي أكثر من ربع ساعة لحاجة البدن؛ فمن أين سيأتي إمداد الدم بالسكر وبشكل منتظم؟
نافذة:
إذا رافقنا ذرة السكر نجد أنها إذا كانت من نوع النشويات بدأت بالتغير من لحظة مرورها الأولى وذلك بسبب وجود خميرة النشا في الغدد اللعابية
([1])- وتتمة الآية أفلا يؤمنون؟!
([2])- هذه الرموز هي كالتالي H هيدروجين C فحم N آزوت O أوكسجين P فوسفور.