نوافذ:
بوشعيب الساوري: بعد وفاة السلطان أبي عنان المريني توقفت الرحلات ولم تستأنف نشاطها إلا بعد معركة وادي المخازن
المبارك الغروسي: الكثير من المبعوثين استهجنوا أخلاق المرأة الأوربية إلا أن منهم من وقف بالأحرى على لقائه بذوات الحسن والجمال
محمد رضى بودشار: كان لبعض الرحلات المغربية تأثير من نوع خاص إذ ساهمت مساهمة قوية في إحداث تغييرات سياسية وفكرية ببلاد المغرب
المغاربة الانتباه بقدرتهم على ارتياد الآفاق البعيدة قبل القريبة. فمذ جدهم الأول ابن بطوطة وهم ينتجون النصوص والانطباعات التي دونت رحلاتهم وأسفارهم. لكن بقيت تلك النصوص شبه معزولة ومجهولة، إلى أن انكب الباحثون والدارسون، في التحقيق والبحث، وأبرزوا الوعاء الوجودي والأدبي لهذه النصوص المذهلة. فتتالت الرسائل والأطاريح الجامعية، وأنشئت المراكز والجوائز والمختبرات لدراسة هذا المتن الغزير المتدفق مثل موج البحر. لتكثيف النقاش والسؤال حول الرحلة المغربية، اتصل الملحق الثقافي بباحثين متخصصين في مجال الرحلة، هم: بوشعيب الساوري، المبارك الغروسي ومحمد رضى بودشار.
أكد الباحث في الرحلة بوشعيب الساوري أن الرحلة ظاهرة ثقافية لافتة بالغة الأهمية في الثقافة المغربية، فإلقاء نظرة على المنجز الرحلي المغربي منذ القرن الميلادي الثاني عشر إلى يومنا هذا، يؤكد أن المغاربة أنتجوا عدداً لا يُحصى من النصوص الرحلية فاقوا بها باقي الأقطار العربية، ويقدم لنا هذا التراكم الرحلي معلومات قيمة عن الثقافة المغربية بشتى تجلياتها ومرجعياتها.
شهد العصر الوسيط ازدهاراً في التآليف الرحلية المغربية، وكانت وجهتاها، بشكل كبير، الحجاز والأراضي المقدسة بفلسطين، من أجل الحج والزيارة وملاقاة الشيوخ والعلماء، فضلا عن التكفل ببعض المهام الرسمية كالسفارة، أغنت المكتبات المغربية بعدد كبير من الرحلات الحجية تجاوزت المئة، كرحلة ابن بطوطة وغيرها.
وأكد الساوري أنه بعد وفاة السلطان أبي عنان المريني توقفت الرحلات، ولم تستأنف نشاطها إلا بعد معركة وادي المخازن، فجدد المغاربة عهدة السفر إلى المشرق وعدة عواصم ومدن أوربية، تمشيا مع تطور العلاقات الدبلوماسية بين الضفتين الشمالية والجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط، وما تتطلبه من تنقل مجموعة من السفراء والمبعوثين في رحلات مسترسلة بين الجانبين لحل بعض القضايا العالقة وأساسا قضية الأسرى. ومن أبرز الرحالين المغاربة نذكر التمكروتي (القرن السادس عشر) والغساني (القرن السابع عشر) والغزال وابن عثمان المكناسي (القرن الثامن عشر) والعمراوي والصفار (القرن التاسع عشر) والحجوي وعبد الله الفاسي والهشتوكي (القرن 20). وتنامي الرحلات السفارية لا يعني توقف الرحلات الحجية بل استمرت، بل أكثر من ذلك خلّف لنا بعض الرحالين رحلات سفارية وأخرى حجية يمكن أن نذكر على سبيل المثال ابن عثمان المكناسي والغسال والحجوي.
وأضاف الساوري أن الرحلة نشطت مرة أخرى في النصف الأول من القرن العشرين، مع ظهور الصحافة وخصوصا جريدة السعادة، فألفت العديد من الرحلات الحجازية والسياحية لكل من أحمد سكيرج (1916) والصبيحي السلاوي (1917) ومحمد بن يحيى الصقلي (1928) وإدريس الجعيدي (1930) وداود التطواني (1935) وعبد الرحمن بن زيدان (1938) والحجوي (1946). وتواصلت الرحلات في النصف الثاني من القرن العشرين مع الرحلة الخاطفة للتهامي الوزاني (1957) ومشاهداتي في الحجاز لعبد الله كنون (1957) والتحليق إلى البيت العتيق لعبد الهادي التازي (1959) ومن مكة إلى موسكو لعبد الكريم غلاب (1971). والملاحظ أن هذه الرحلات بدأت تتخلص من ألوان البلاغة والبديع بتأثير من الصحافة، واختارت لنفسها كتابة قائمة على التقاط اليومي والمعيش مثل الرواية، واستعملت الكثير من الكلمات الدارجة والأجنبية توخيا للدقة والأمانة. وقد كان لهذا الشكل الجديد من الرحلة أثر في ميلاد الرواية المغربية.
وختم الساوري بالقول إن الرحلة المغربية حظيت في مطلع العقدين الأولين من القرن الحالي باهتمام الكثير من الأدباء والمثقفين والصحافيين من مشارب مختلفة، سعوا إلى تجديد الكتابة الرحلية وفتحوها على أجناس أدبية كالقصة والرواية والشعر، ونوعوا في وجهاتها، كشعيب حليفي والعربي بنجلون وعبد الله صديق وأحمد الدحرشي وعزيز الساطوري وعزيز الشدادي. كل هذا جعل الرحلة معلما من معالم الهوية الثقافية المغربية.
وفي موضوع الرحلة والمرأة قال الباحث المبارك الغروسي إن الكثير من المبعوثين استهجنوا أخلاق المرأة الأوربية، إلا أن منهم من وقف بالأحرى على لقائه بذوات الحسن والجمال ليتأرجح الموقف بين الغزل والفرار من شراك الهوى. وهكذا نجد أن يحيى الغزال الجياني، الذي انتقل في القرن التاسع إلى مملكة المجوس النورماند، يصف وقوعه في حب الملكة التي تدعى «نود» لحسنها:
إني تعلقت مجوســــية *** تأبى لشمس الحسن أن تغربا
يانود ياورد الشباب التي *** تٌطلع من أزرارها الكوكــــبا
وأضاف الغروسي أن الغزال تغزل فيها في حضورها حين مقارنتها مع حسناوات البلد بقوله: «فيهن جمال وليس كجمال الملكة، لأن الحسن الذي لها ليس يميزه كل أحد، وإنما يعنى به الشعراء، وإن أحبت الملكة أن أصف حسنها في شعر يروى في جميع بلادنا فعلت ذلك. فسُرَّت بذلك سروراً عظيماً وزهيت»، فأمرت له الملكة بهدية، فامتنع عنها بقوله: «كفاني من الصلة (الهدية) نظري إليها .. وإنما أريد أن تصلني بالوصول إليها أبداً». لينال رخصة الاتصال بها متى شاء.
أما عن ابن تميم التطواني في سفارته إلى فرنسا في القرن 17، فقال الباحث إن الصحافة الفرنسية روت أنه «أتحف بالحفلات الراقصة في كل مكان».. فكان كلما حل بمدينة إلا واختار للمغرب «ملكة» و«سفيرة» من بين نساء الحفل، مردداً أن حسنهن ذاع في بلده حتى أن السلطان بعثه ليطلب يد واحدة منهن.. فحدث أن اشتكت إحدى من اختارهن «ملكة» من كثرة حديثه إلى من كانت «سفيرة»، فأجابها: «أنت ملكة، لا أملك إلا أن أعشقك، وأن أكتم لوعتي في قلبي دون أن أنبس ببنت شفة.» وحين أنكرت فرنسية قلة وفاء قلب المسلم لواحدة بتعدد الزيجات، أجابها: «لو كانت نساؤنا في حسنكن، لكفتنا واحدة وأغنتنا عن غيرها». كما صار ينكر العادة الأوربية في مهر الزوجة لزوجها، مرددا أنه مستعد لإنفاق الملايين لخطبة ودها. ومن جانبه يروي ابن عثمان المكناسي حكايته مع حسناء الأوبرا النابولية ويصف رؤيتها: «وبرزت فتاة من خدرها تتأبى في حلة بيضاء كهالة حاطت ببدرها». ولم يخف أنها فتنته بحسنها وصوتها: «فإن نقرت آلة تشبه العود، أنستك مزامر داوود، وإن غنت بلا آلة بفيها، أنستك الدنيا وما فيها، تحفة من تحف الزمن، لا هي في الشام ولا في اليمن…» ليوضح كيف اضطر للفرار من هواها: «ولما رأيت من أمرها عجبا، واتخذت استرقاق مبصرها مذهبا، طلبت نجاة من شركها ومهربا… ثم أزمعت على الانتقال، قبل الوقوع في حبائل الهوى والاعتقال.».
وذكر الغروسي أيضاً الرحلة إلى إسبانيا التي قام بها أحمد الرهوني في عام 1929، والتي لم تُثْنه صفة الفقيه عن الوصف والتغزل في حسن الإسبانيات: «في هذا الروض من أغصان بني آدم ما يذكر بالحور العين ذاهبات يمينا وشمالا فرادى وزرافات ما بين طويل وقصير ومعتدل وغليظ ورقيق وأكحل وأشقر وأزرق ومزوق…» ويصف هو أيضا كيف فر بجلده وعقله من أسر حسن الراقصات في حفل الباليه: «وخفنا على عقولنا من الذهاب على رأس تلك القضبان المخلوقة من صفا الدر وجواهر المرجان وفي الحال هربنا إلى بيوتنا ونمنا وكلنا أعين تتحلى بتلك المناظر البهيجة.»
تحدث الباحث محمد رضى بودشار في موضوع «الرحلة وتأسيس الدولة المركزية الكبرى في المغرب الوسيط». وقال إنه من المعروف أن بعض الرحلات المغربية كان لها تأثير من نوع خاص، إذ ساهمت مساهمة قوية في إحداث تغييرات سياسية وفكرية ببلاد المغرب، إلا أن أصحابها لم يدونوها، ورغم ذلك فقد وصلتنا أخبار عنها احتفظت بها الكثير من المدونات. فانخراط المغرب في دار الإسلام، حسب الباحث، جعل من المشرق قبلة للطلاب والعلماء والتجار والصوفية والحجاج المغاربة… ولعل قيام دولتي المرابطين والموحدين لا ينفصل عن الرحلة إلى المشرق. فيحيى بن إبراهيم الكدالي، عندما قفل راجعا من رحلة الحج إلى المغرب توقف بالقيروان في مجلس الفقيه أبي عمران الفاسي الذي أرسله إلى تلميذه وجاج بن زلو اللمطي والذي بدوره اختار له عبد الله بن ياسين، ليرافقه إلى مضارب قبيلة صنهاجة، فكانت نتيجة هذه الرحلة قيام الحركة المرابطية في مرحلتها الدعوية، قبل أن يثبت يوسف بن تاشفين اللمتوني أسس دولة قوية حكمت منطقة شاسعة من الغرب الإسلامي. والحاصل أن تفاصيل هذه الرحلة، باعتبارها حدثا تاريخيا كبيرا، نجدها في المدونات التاريخية كـ «البيان المغرب» و«الحلل الموشية» وغيرها، وكتاب أبي عبد الله البكري في الجغرافيا المعروف بـ «المسالك والممالك». وهكذا ساهمت هذه الرحلة في تغيير الوجه العام لبلاد المغرب، بالقضاء على الإمارات المحلية المتفرقة، وتوحيد البلاد سياسيا ومذهبيا، ودخولها مسرح الصراع الدولي في غرب الأبيض المتوسط.
أما الرحلة الثانية، يقول بودشار، فتلك التي قام بها أحد كبار رجال الفكر والسياسة المغاربة هو محمد بن تومرت الذي تلقب بالمهدي؛ فقد شد الرحال إلى الأندلس في بداية القرن السادس الهجري، بعد أن ضاق به الأفق الفكري نظرا لهيمنة الفقه المالكي الفروعي وعقيدة أهل السلف ليخرج البلاد من الجمود الفكري الذي أصابه، غير أنه لم يجد ضالته كذلك بالأندلس، فأخذ المركب من مدينة المرية متوجها إلى المشرق، وهناك تتلمذ على كبار علماء العصر: الطرطوشي، والكيا الهراسي. وفي بعض الروايات التقى بالإمام الغزالي في بغداد الذي دعا بسقوط الدولة المرابطية على يده. وإن كان في الأمر نزوع أسطوري، نسجت خيوطه الكتابة التاريخية الموحدية، فإن ابن تومرت عاد من المشرق، كما يقول ابن خلدون «بحرا متفجرا من العلم وشهابا واريا من الدين». وكما تحكي المصادر عنه، في مقدمتها «أخبار المهدي بن تومرت» لمرافقه أبي بكر الصنهاجي المعروف بالبيذق، أنه خلال مسار رحلة العودة كان يقوم بدور الفقيه المصلح، الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، إلى أن اصطدم بالمرابطين وفقهائهم، فتحول الرجل من مجرد مصلح وفقيه مجدد إلى زعيم سياسي ثائر على الدولة المرابطية، إلى أن استكمل خليفته عبد المومن بن علي الكومي، الذي كان قد التقاه بقرية ملالة بالمغرب الأوسط، فرافقه إلى المغرب بعد أن كان ينوي التوجه إلى المشرق، والنتيجة هي قيام أكبر دولة عرفها تاريخ الغرب الإسلامي، امتدت في مساحة شاسعة في شمال إفريقيا استثناء مصر، إضافة إلى الأندلس.
حوار مع المحقق محمد عيناق- الفائز بجائزة ابن بطوطة للرحلة
المغاربة اجتهدوا في تقديم الرحلات المغربية لكن البعض شوهوا معالمها
محمود عبد الغني
فاز المحقق والباحث المغربي في جنس الرحلة محمد عيناق هذه السنة بجائزة ابن بطوطة في تحقيق الرحلة. وحقق عيناق، الحاصل على الدكتوراه من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، والباحث المتخصص في تاريخ وثقافة وتراث الصحراء المغربية، العديد من الكتب. يتحدث ضيف الملحق الثقافي عن اهتمامه بأدب الرحلة وعن كتابه الفائز «الرحلة الحجازية 1796-1797…أبو العباس أحمد بن محمد» من أبو ظبي ولندن.
س: متى ابتدأ الأستاذ محمد عيناق العمل على جنس الرحلة والاهتمام بها؟
ج: أود في مستهل هذا الحوار أن أتقدم إليكم بجزيل الشكر والعرفان على اهتمامكم ومن خلالكم الشكر موصول إلى منبركم الإعلامي المتميز.
بخصوص سؤالكم، إذا كنتم تقصدون بـ«الرحلة» النمط التأليفي المعروف؛ أقول: إن اهتمامي به يعود إلى سنة 1990 ضمن اهتمامي بجمع وتحقيق ما لم تصل إليه يد المحققين وقتئذ من تراث الغرب الإسلامي (خصوصا المغرب والأندلس) والذي ما يزال يتمتع بمقومات الحياة التي تؤهله ليكون إضافة نوعية في الميادين المعرفية والثقافية المعاصرة؛ فليس كل التراث المخطوط يستحق أن يكون موضوع تحقيق ونشر؛ وفي هذا الإطار اشتغلت أولا بجمع وتحقيق بعض الدواوين المغربية وعلى رأسها ديوان القاضي عياض؛ واشتغلت ثانيا بعموم تراث الصحراء المغربية في إطار مشروع ترسيخ الوحدة الثقافية بعد استكمال الوحدة الوطنية والترابية، فحققت في هذا المجال عددا من المؤلفات القيمة للشيخ ماء العينين ولبعض أبنائه؛ واشتغلت ثالثا بالتراث الرحلي خاصة المتون المحفوظة في الخزانات العامة والخاصة خارج المغرب.
وإذا كنتم تقصدون بـ«الرحلة» العمل الذي حظي بجائزة ابن بطوطة، أي الرحلة الحجازية للعلامة أبي العباس أحمد بن محمد الفاسي، فكما قلت هذه الرحلة هي واحدة من الرحلات التي لا أعلم لها نسخة في مكتبات المغرب إلا إذا كانت هناك نسخة في مكتبة ما خاصة؛ فحسب علمي توجد منها نسخة أصلية في مكتبة بلدية الإسكندرية وعنها نسخت نسخة ثانية برسم الخزانة التيمورية وعن طريق أحد الأصدقاء المصريين تمكنت من الحصول على نسخة الإسكندرية قبل عشر سنوات وتعذر علي وقتئذ الحصول على التيمورية، وبدأت الاشتغال بتحقيقها وواجهتني عدة صعوبات تتعلق بالخط وباللصاق الحادث عن ترميمها الذي طمس عددا من أجزاء الكلمات.
أعدت ربط الاتصال بصديقي المصري ليحصل لي على صورة ورقية أو رقمية من النسخة التيمورية بقصد المقابلة، فأخبرني بأنها ضاعت في ظروف غامضة إبان ثورة الربيع العربي في مصر ولم يبق منها سوى صورة ضوئية محفوظة في إحدى مكتبات الخليج، وبعد جهد جهيد توصلت بنسخة منها فوجدتها لا تقرأ كلماتها إلا بصعوبة لرداءة التصوير، ورغم ذلك تمكنت من خلال هذه النسخة من إتمام ما انطمس من كلمات النسخة الأم.
س: قدم الكتاب الذي حققته وفزت به للقارئ المغربي.
ج: هذه الرحلة ابتدأت يوم خروج الركب الفاسي من الحضرة الإدريسية يوم الخميس الرابع عشر من جمادى الثانية عام أحد عشر ومائتين وألف (1211هـ) موافق اليوم الرابع من دجنبر 1796م؛ إلى دخول الزاوية في الإياب يوم السبت السادس والعشرين من ذي القعدة عام 1212هـ؛ وبذلك تكون هذه الرحلة قد دامت عاما ونصف العام تقريبا.
دون فيها صاحبها فوائد ولطائف، ومشاهدات وانطباعات حول أحوال وعادات وعمران البلاد التي مر بها الركب المغربي وما عاناه ذهابا وإيابا جراء العواصف الريحية والثلجية والمطرية، وموجات الحر الشديد، وإغارة بعض القبائل على الركب النبوي ومحاولة نهبه؛ وغرائب الظواهر الاجتماعية التي رآها بأم عينه، كولوع المشارقة بشرب القهوة، واستنشاق بعض طلبة التعليم الديني في مصر لمسحوق التبغ في مجلس الدرس؛ ومن الفوائد التاريخية في هذه الرحلة أن ركب الحج لعام (1211هـ) ضم مولاي موسى شقيق السلطان، ونجل هذا الأخير: مولاي أحمد الذي توفي في طريق العودة؛ إضافة إلى تعرضه لبعض القضايا والنوازل الفقهية.
هذه باختصار شديد أهم معالم هذه الرحلة؛ فالمجال هنا لا يسمح بالتفاصيل الدقيقة التي لا شك سيطلع عليها القارئ المغربي والعربي عموما عندما تطبع وتوزع.
س: كيف تنظر إلى أعمال تحقيق «الرحلة» من طرف المغاربة؟
ج: ساهم المغاربة في تحقيق متون رحل الغرب الإسلامي خاصة في السنوات الأخيرة، وأعمالهم في هذا المجال شاهدة على ما بذلوا من مجهود مشكور، لاسيما أعمال الأعلام الرواد، إلا أن بعض المبتدئين اشتغلوا بتحقيق متون قيمة لكن للأسف أساؤوا إليها وشوهوا معالمها؛ فعلم التحقيق ليس بالصورة التي يتمثلها أمثال هؤلاء، فالذي يشتغل بالتحقيق عليه أن يكون عالما بعدة أمور يقتضي تحصيلها سنوات من الدراسة… أن يكون على علم بالخزانات العامة والخاصة وبفهارسها، وأن يكون متمرسا بقراءة الخطوط، وأن يكون متمكنا من علوم الآلة وعلوم الأدب، والقرآن وعلومه، والحديث وعلومه، والشعر والشعراء، والتراجم والأعلام، وأن يكون ملما بالمجال المعرفي الذي ينتمي إليه المتن المحقق لتوثيق النقول (شعر، رحلة، فقه، تاريخ، نحو…)؛ صحيح أن الشبكة العنكبوتية يسرت كثيرا من الأمور لكن الاعتماد عليها وحدها لا يكفي لإخراج متن في أقرب صورة أرادها له صاحبه.
س: المغاربة وفن الرحلة منذ ابن بطوطة، تاريخ رحلي يستحق التأمل..
ج: راكم المغاربة متونا رحلية قيمة منذ رحلات العبدري وابن بطوطة وابن رشيد إلى يومنا هذا، وهذه المتون تختلف باختلاف الغاية من السفر، ورغم ذلك فهي في مجملها غنية بالفوائد الأدبية والفقهية والتاريخية والأسلوبية وغيرها؛ والمتأمل في الدراسات المؤسسة على متون الرحل يلاحظ أنها لا تسير بنفس سرعة المنجز على مستوى التحقيق؛ والأمل معقود على بعض الهيئات الثقافية المهتمة بأدب الرحلة للنهوض بهذا المجال المعرفي لاسيما على مستوى البحث العلمي الأكاديمي.
س: هل يقدم المركز العربي للأدب الجغرافي خدمة للرحلات العربية؟
ج: فعلا المركز العربي للأدب الجغرافي – ارتياد الآفاق في أبو ظبي ولندن، الذي يرعاه الشاعر محمد أحمد السويدي ويشرف عليه المدير العام الشاعر نوري الجراح، مؤسسة مَنَّ الله بها على هذا المجال المعرفي، وأقول بدون مبالغة إنه بفضل هذا المركز رأت النور عدد من الرحل العربية عامة والمغربية خاصة؛ لا يتسع المجال لسرد عناوينها، وليس هذا فحسب، بل بفضل القائمين عليه وعلى الجائزة التي يرعاها ظهرت أيضا نصوص رحلية مترجمة ورحلات معاصرة ودراسات في هذا المجال…
س: ما مشاريعك الرحلية؟
ج: في مجال أدب الرحلة… نشرت لي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية مشكورة عام 2019، بالاشتراك مع زميلي الدكتور يوسف أمال، الرحلة الحجازية لأبي العباس أحمد بن محمد السبعي.
وعن مشروع ارتياد الآفاق ستصدر الرحلة الحجازية الفائزة هذا العام بشراكة بين دار السويدي للنشر والتوزيع في أبو ظبي والمؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ودار المتوسط إيطاليا. وأشتغل الآن على متن أندلسي وثلاثة متون مغربية لا تنقصها سوى اللمسة الأخيرة وتكون جاهزة للطبع.
أجدد لكم شكري وعرفاني.