المغاربة لم يكونوا يسمحون للأجانب بدخول المساجد عكس دول إسلامية أخرى
يونس جنوحي
طنجة مدينة صغيرة هادئة، أزقتها شديدة الانحدار. لا توجد بها سيارات أجرة ولا عربات، شديدة الاتساخ والعطونة، لكنها في الحقيقة رائعة جدا. تبدأ المدينة من المرسى، ومنها يمتد شارع طويل ينتهي عند باب السوق، يقع في الجزء العلوي من المدينة.
في هذا الشارع توجد جميع المباني الرئيسية لمدينة طنجة.
هنا نجد الجامع الكبير – توجد مساجد أخرى في طنجة لكنها ليست مهمة بقدر هذا الجامع- بمئذنته المبلطة ومدخله المنحوت بشكل جميل.
مع ذلك، لم تكن ممكنة رؤية الجزء الداخلي من المسجد لأن المغاربة المتشددين أقاموا حاجزا خشبيا أخضر اللون وبشعا لمنع النصارى من النظر إلى داخل المسجد أثناء مرورهم بقربه.
وعلى عكس مصر وتركيا، ليس بإمكان المرء دخول المسجد في أي مكان من المغرب، وقد تكون عقوبة المخالف أن يتلقى ضربا شديدا من المغاربة، وهو الضرب الذي قد يصل درجة تحويل الضحية إلى «جثة هامدة» في أي مكان وُجد فيه.
للمسجد مدخلان، أحدهما خارج الشارع الرئيسي والآخر يواجه ممرا ضيقا يشبه النفق، وهو طريق مختصرة تقود رأسا إلى مقر المفوضية البريطانية.
في أحيان كثيرة، عندما أكون قادما من المفوضية، أمر بهذه البوابة التي يحفها المتسولون ذوو الروائح الكريهة. كان كلبي «بالزاك» يسمع صوت خرير المياه القادم من النافورة داخل المسجد، ويذهب في اتجاه المكان المقدس ويحاول الدخول، حيث يسبقني من البوابة الرئيسية وأصلُ إليها بعده بدقيقة أو دقيقتين.
وما أكثر الصراخ واللعنات التي تنبعث من داخل المسجد لإخراجه وإبعاده. أحيانا يُطرد من الداخل مصدرا عواء، وتتبعه نعال المصلين إلى الشارع.
في الأخير تعب من الاستكشاف، وتخلى عن عاداته وجرأته لتجاوز بوابة المسجد. وأصبح يمر بجانبه دون أن ينظر إلى الداخل، لكني متأكد من أنه كان يراقب بطرف عينه متوقعا أن تطارده النعال.
بعيدا عن المساجد، في اتجاه أعلى المدينة، تبدأ المتاجر. توجد أولا متاجر المحامين والكُتاب، لأن الكتابة فن غير معروف تقريبا في أوساط الطبقات الدنيا، لذلك يلجؤون إلى متجر أحد مُحترفي الكتابة لتحرير مراسلاتهم. محل الكاتب عبارة عن صندوق صغير يشبه المحلات التجارية الصغيرة، وهي مساحة بالكاد تسمح للمالك بالجلوس ووضع نظاراته فوق أنفه لقراءة بعض الكتب الدينية الثقيلة ماديا ومعنويا.
نحو الأعلى قليلا توجد ساحة مفتوحة، معروفة باسم «السوق الصغير»، يجتمع فيها اليهود لتهنئة بعضهم البعض على دقة الأعمال اليدوية التي يصنعونها، ويترقبون فيها الأوروبيين ليأخذوهم ويسحبوهم نحو محلاتهم.
بجوار هذا السوق الصغير يوجد مبنى البريد البريطاني. وهو بناية صغيرة وبسيطة بدون أي مبالغات في بنائها. ثم يمتد الشارع نحو الأعلى، حيث تُستغل كل مساحة متاحة كمحل تجاري. هذه المحلات توجد بها صناديق الأسلحة المصنوعة من القماش الأحمر، والجلابيات بنية اللون أو عباءات متسلقي الجبال الغنية بالتطريز، وملابس الحايك البيضاء الجميلة، والملابس الشبيهة بـ«التوگا» الخاصة بالمغاربة الأثرياء، والخناجر، وقراطيس البارود والمصابيح. والبضائع القادمة من مانشيستر تملأ هي الأخرى المتاجر الصغيرة، حتى أن المرء يتساءل كيف يستطيع صاحب المتجر أن يدخله أو يخرج منه.
تُغلق واجهة المحلات التجارية بواسطة المصراع، يتم تثبيته نحو الأعلى عندما يكون المحل مفتوحا، بينما يُستخدم حبل لتمكين صاحب المتجر من القفز إلى داخل المحل الصغير.