شوف تشوف

الرأي

المعضلة الجزائرية

توفيق رباحي
الجزائر اليوم في مأزق سياسي. والسبب، الانتخابات الرئاسية: تنظيمها، كما تريدها السلطة، مشكلة. وإلغاؤها، كما يريد الحراك الشعبي، مشكلة. على الجزائريين الآن، خصوصا الذين في أيديهم سلطة القرار، الاختيار بين السيئ والأكثر سوءا. إجراء الانتخابات معضلة لأنها، بداية، ستجري في أجواء غير صحية يميزها قمع سياسي وأمني وإعلامي وتكميم الأفواه وترهيب يتعرض له مَن يخالفون سياسة النظام. عشرات النشطاء السلميين والمعارضين في السجون، الصحافيون يعملون في جو من الرقابة والتخويف لم يعرفوه في عهد المخلوع. كما أن الانتخابات مهددة بالمقاطعة وبمشاركة ضعيفة ستجعلها نسخة من انتخابات العقود الماضية وتنزع عنها حتما المصداقية السياسية والشرعية. وكلاهما ورقة استثمرت السلطة كثيرا من أجل الوصول إليها.
وعدم إجراء الانتخابات مشكلة لا تقل سوءا. تأجيل اقتراع 12 دجنبر يعني تأجيل ثالث انتخابات رئاسية في أقل من سنة. وهذا مسيء لسمعة البلاد ويكفي لضرب مصداقية الدولة ومؤسساتها. ويكفي للمساس بمصداقية قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، باعتباره الراعي الشخصي للعملية السياسية ككل، والتي لا عنوان لها إلا الانتخابات الرئاسية مهما كان الثمن.
طبعا، هناك رائحة عناد شخصي وغرور ذاتي تنبعث من أعماق هذا الجو المتأزم. نحن أمام معسكرين، واحد حبيس مقاربته الأمنية للأشياء، عاجز عن التحرر منها. وآخر ذاق طعم الحرية ويرفض العودة إلى الوراء. أحد المعسكرين يعتبر أن تنظيم انتخابات مبتورة، وبنتائج دون التوقعات، أفضل من عدم تنظيمها. الحجج هنا كثيرة منها أن الانتخابات هي بداية الخروج من عنق الزجاجة، وتأجيلها يفتح أبواب المجهول ويقرب المؤامرات الداخلية والخارجية.
في المقابل يرى المعسكر الآخر أن الانتخابات هي المشكلة وتأجيلها، إلى حين التئام ظروف جيدة لها، بداية الحل. التأجيل سيحرم النظام من فرصة تجديد نفسه وآليات عمله، أو يؤخر ذلك إلى حين. ويرى هذا المعسكر أن الانتخابات ستأتي برئيس، على الأغلب من وجوه النظام القديمة، ولن تغير شيئا بعد ذلك.
في كل دول العالم ووفقا لنظريات ومدارس السياسة والعمل العام، الانتخابات هي طريق حل لوضع سياسي قائم أو مرشح للتأزم. في الجزائر، في أغلب الحالات، هي مشكلة جديدة أو تعميق لمشكلة موجودة. الحراك الشعبي السلمي الذي بدأ بارقة أمل لأجيال من الجزائريين، سيق في اتجاه حوله إلى مشكلة وخطر بمجرد أن رفض الاستسلام لمخططات السلطة القائمة.
ليس في الأفق بوادر حلول جاهزة ومقبولة. ولا يتوفر متسع من الوقت يكفي لبلورة حلول مفيدة. الوقت يضيق على الجميع والهوة تتسع بين المعسكرين. لكن بمنطق المقارنة، يبدو النظام الحاكم مأزوما أكثر من الطرف الآخر، لأنه المسؤول والمخوَّل إيجاد حلول سياسية مقبولة ترضي أغلب الأطراف، إن لم يكن كلها. الكرة، إذًا، في ملعب أصحاب القرار والفريق أحمد قائد صالح على وجه الخصوص. صاحب القرار مُطالَب بالتحرك فورا وتحمل مسؤولية الاختيار بين السيئ والأسوأ. وبما أن السيئ والأسوأ يتطلبان، كلٌّ على حدة، ثمنا، يمكن الجنوح إلى الخيار السيئ: تأجيل الانتخابات فترة وجيزة. ذلك أن الاقتراع بالطريقة التي يجري الإعداد له بها وفي الظروف الحالية، معروف النتائج سلفا، ومؤكد أنه سيفضي إلى تغيير شكلي يعيد إنتاج واقع لا يختلف عن واقع بوتفليقة.
في المقابل، مسألة المصداقية التي قد تتضرر من التأجيل الثالث قابلة للترميم، وخصوصا إذا تأجلت الانتخابات ثم جرى التحضير لها جديا وبتفان ونجحت سياسيا وتنظيميا. هذا النجاح سيكون هو العلاج لموضوع المصداقية، والرد على المتباكين عليها. هناك تجارب عدة لحالات مماثلة، آخرها بريطانيا التي أرجأت خروجها من الاتحاد الأوربي ثلاث مرات لأنها قدرت أن مصلحتها العليا في التروي، ففرضت التروي رغم الأزمة الحادة التي رافقته: أن تتمهل ثلاثة أشهر أفضل لها من أن تقفز نحو المجهول، فاختارت التمهل ضاربة عرض الحائط بما دون المصلحة القومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى