المعادلة الصعبة
لا بد أن يقف الجميع لقراءة الأرقام المقلقة الواردة في نتائج البحث الدائم حول الظرفية لدى الأسر، المنجز من طرف المندوبية السامية للتخطيط، الذي كشف أنه خلال الفصل الثاني من سنة 2022، بلغ معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة 79,2 بالمئة، فيما اعتبرت 6,14 بالمئة منها استقراره و2,6 بالمئة تحسنه وتمكنت من ادخار جزء من مداخيلها.
والأكثر من ذلك أن ما يناهز نصف العائلات المغربية، متشائمة من تحسن وضعيتها خلال القادم من الشهور مما يرفع من تذمر المغاربة، وخاصة من متوسطي ومحدودي الدخل، مع تزايد الصعوبات المعيشية بسبب أزمات معظمها قادم من توترات وأزمات خارجية. إن الخوف من المستقبل بالنسبة للأسر المغربية تعززه حالة اللايقين التي يعيشها العالم والتي خلقت بوادر أزمة اجتماعية داخلية وجعلت معظم الوعود الكبرى للحكومة تبدو صعبة التحقق وفي المقابل ازدياد المخاوف من مستقبل مجهول.
صحيح أن مذكرة المندوبية دأبت على الكشف عن مثل هاته الأرقام خلال الثلاث سنوات الأخيرة وبالتالي فأرقامها ليست جديدة، إلا أنه لا يمكن أن نتعايش مع منحنى تدهور معيشة المغاربة وكأنها قدر لا مفر منه، وللأسف تبدو مظاهر هذا التدهور على ثلاثة مستويات.
حيث يتمثل المستوى الأول في الاندثار الشامل لما يسمى بالادخار العائلي الذي كان يشكل عادة مغربية حتى لدى أصحاب الدخل الضعيف والمتوسط، فالسياق المالي والاجتماعي الذي نعيشه دفع معظم الأسر المغربية نحو تغيير عاداتها الإنفاقية والاستهلاكية، بشكل جعل 2 بالمئة من الأسر فقط قادرة على الادخار.
أما المستوى الثاني، فيتعلق بتدمر ثلثي الأسر المغربية من تراجع مستوى معيشتها، وهذا المؤشر يكشف عن هشاشة قوية للوضعية الاجتماعية للأسر، صحيح أن الحكومة حرصت منذ تنصيبها على دعم القدرة الشرائية للمواطنين والحفاظ عليها، واتخذت في سبيل ذلك عددا من الإجراءات الكبيرة والمهمة لإبقاء الأضرار في مستوى متحكم فيها، لكن ذلك لم يعد كافيا لإيقاف نزيف تدهور المستوى المعيشي بسبب غلاء الأسعار وتراجع المداخيل لا سيما ببعض القطاعات الخاصة المهيكلة وغير المهيكلة.
ويتجلى المستوى الثالث في غياب أي مؤشر على تراجع الأزمة أو على الأقل استقرارها في الأمد المنظور وهو ما دفع نصف الأسر المغربية إلى توقع الأسوأ خلال القادم من الشهور. والحقيقة أن المستجدات المفاجئة وغير السارة التي طالت عالمنا جعلتنا فعلا ننظر إلى المستقبل بمساحات الشك الشاسعة التي طالت كل شيء تقريبا وأصبحت تتسيد كل دول العالم. إننا إذن أمام نوع من عدم اليقين في كل شيء، وهذا ما يجعل للأدوار الاجتماعية للدولة في هذا الوقت بالذات لها معنى حقيقي، والمعادلة الصعبة أن تستطيع الحكومة مواجهة كل ما يدفع الأسر المغربية للتدهور وفي نفس الوقت أن تحافظ على وظائف الدولة في مجال التعليم والصحة والتشغيل والاستثمار وتبقيها قائمة.