كل ما في الكون ابتداء من بناء الذرة، حتى أعقد أشكال الحياة، يشير إلى التصميم والقصد في بناء الكون والحياة، ولكن مع هذا فهناك شبهة تدور في ذهن البعض، وهي رد كل شيء إلى «الصدفة»! والحق يقال إن الصدفة بذاتها أو فكرة المصادفة أو الاحتمالات لها قانون قائم بذاته، يدرسه طلاب الجامعات في كلية للعلوم وله بحث قائم بذاته، فليس هناك مجال لخبط عشواء.
والآن ما هي فكرة المصادفة؟
هناك فرق بين خلق الشيء وترتيب الشيء أو تركيبه، حيث إن فكرة المصادفة لا يمكننا أن ندخلها، لأن الوجود لا يحكمه قانون المصادفة بحال من الأحوال، وأما تركيب الأشياء فقد يبقى موضع بحث، كما أن حركة الشيء لا يمكن أن ترد إلى المصادفة، وهكذا تجد أن قانون المصادفة يبقى مشوها مبتورا منذ الأساس، فإلقاء حجر النرد ذي الوجود السداسية قد تلعب الصدفة دورها فيتكرر رقم 1 خمس مرات أو ست مرات أو أكثر، ولكن احتمال هذا نادر جدا، كما أن احتمال سحب أوراق مرقمة من 1 إلى 10 وموضوعة في كيس واحد بصورة مرتبة متدرجة (بحيث إن الرقم 1 يأتي في الأول، ثم تتبعه الأرقام التالية بالترتيب) احتمال ضعيف ونادر، ولكن أنّى لقانون المصادفة أن يلعب دوره في الوجود أصلا، أو في حركة المادة من الأساس!
وهناك ظاهرة الحياة، حيث يبقى قانون المصادفة عاجزا عند هذه العتبة. فترتيب المواد بكيفية ما قد يوضع في مدار البحث، ولكن انبثاق الحياة من الموات يبقى عاجزا عن التفسير، كليلا في البحث، وهذه نقطة أخرى جديرة بالنظر.
أولا: أما قانون المصادفة فصيغته الحرفية: «إن حظ المصادفة من الاعتبار يزداد وينقص بنسبة معكوسة مع عدد الإمكانيات المتكافئة المتزاحمة. وإليك مثلا يوضح هذه الصيغة، وهو وضع عشرة أرقام مرقمة من 1 إلى 10 في كيس واحد، فإن احتمال أن يكون الرقم 1 هو الأول احتمال واحد من عشرة، لأن كل رقم من الأرقام العشرة قد يكون هو المسحوب، فالمصادفة ليس لها وجدان ولا ذاكرة، كما يقول الرياضي الكبير جوزيف برتراند.
وثانيا: إن تطبيق هذا القانون إنما يتم على المادة غير الحية، فدراسة الاحتمال على ضغط غاز في وعاء أو خليط من غازات قد تصح، ولكن على الخلية وباقي الحياة فإنها تقف، لأن الترابط في الخلية مع ظاهرة الحياة معجزة محيرة، إلى حد يجعل هنا القانون غير ساري المفعول في هذا المجال.
وثالثا: حتى يمكن فهم هذه المسألة المعقدة فسوف نضطر إلى ذكر بعض الأمثلة التي تحدد هذا القانون، ونبدأ بالبسيط حتى نصل إلى الصعب المعقد.
المثل الأول: هو دور المصادفة في المثل الأول الذي مر معنا وسوف آخذه بالتفصيل الآن، لو كان معنا كيس فيه عشرة أرقام 1 إلى 10، وأردنا أن نسحب ورقة واحدة، فإن احتمال أن يكون الرقم 1 هو الأول هو احتمال واحد من عشرة، لأنه كما ذكرنا كل رقم قد يكون له الحظ في أن يكون هو المسحوب، ولكن المثل يتعقد بشدة أكثر عندما نريد أن نسحب رقمين متتابعين، فإن احتمال أن يكون الرقم 1، ثم يتبعه الرقم 2 هو احتمال واحد ضد مائة، لأننا لو فكرنا كيف سيتم الأمر، فإن احتمال رقم 1، ثم نتبعه الأرقام الباقية بشكل غير محدد، مثل 1 يتلوه 7 أو 1 يتلوه 3 حتى يكتمل نصاب عشر مرات، ثم بقية الأرقام بالطريقة نفسها فيكون المجموع مائة مرة، وهو احتمال أن نسحب رقمين متتاليين ويكون الرقم الأول 1 والثاني 2، ثم ينعقد المثل أكثر عندما نريد أن نسحب ثلاثة أرقام متتالية، بحيث تخرجُ الأرقام 1، 2، 3 متتابعة فيكون احتمال ذلك هو واحدا ضد ألف، وهكذا نتدرج في التعقيد والصعوبة حتى نصل إلى حد عجيب، وهو إذا أردنا أن نسحب الأرقام العشرة مرتبة بعضها تلو بعض، بحيث تخرج الأرقام من 1 إلى 10 متتابعة، فإن احتمال أن تخرج الأرقام مرتبة بعضها تلو بعض بشكل متدرج من (1 إلى 10) هو مرة واحدة، قد تكون المرة الأولى هي التي ستكون المطلوبة، ولكننا لا ننتظر معجزة، لأن الطبيعة شريفة غير مخادعة، ولأن احتمال عشرة مليارات هو الذي يرد إلى الذهن قبل المرة الواحدة!.. وهذا مثل بسيط جدا وهو سحب أرقام وسننتقل إلى ضرب أمثلة معقدة أخرى، بحيث إننا سنصل إلى أن نعطي للمصادفة الصفر وهي الاستحالة وستأتي معنا!
والآن إلى مثل آخر وهو من عالم الأدوية والصيدلة، لنفرض أن لدينا صيدلية مليئة بأنواع مختلفة من المعاجين والأحماض والأسس والمراهم المنوعة والأدوية العديدة، ثم فجأة حدث اهتزاز أرضي، بحيث إن هذه الرفوف التي تحمل هذه الأدوية والمعاجين طرحت كل ما عليها، وسالت الأدوية على الأرض واختلطت ببعضها وامتزجت المراهم والمعاجين والمساحيق والسوائل، ولما مضت الهزة الأرضية رجعنا إلى هذه الصيدلية، فإذا بنا أمام خليط غير متجانس من الأدوية، إن هذا الفرض هو الأقرب إلى المعقول، ولكن كيف الحال لو وجدنا أن هذا الخليط قد حقق دواء جديدا ليس في البال؟ بالطبع إن هذا مستغرب جدا، لأن تركيب الدواء يحتاج إلى نسب معينة محددة وإلى تفاعلات معينة محددة، ولكن مع ذلك قد يصدق، ولكن كيف الحال لو أن اختلاط هذه الأدوية والمساحيق والسوائل والمراهم قد أوجد دواء جديدا، فذا يعالج مرضا مستعصيا على الأطباء حتى الآن كما في الصدفية أو الصلع، وهما مرضان جلديان غير مميتين أو معديين (من العدوى). أو يشفي أمراضا مخيفة كالسل والسرطان، إن هذا في عالم المستحيل، لأن يكون الدواء بنسبة معينة وبكيفية معينة ليشفي مرضا مخيفا له حساب احتمالات فوق التصور.
نافذة:
فكرة المصادفة لا يمكننا أن ندخلها لأن الوجود لا يحكمه قانون المصادفة بحال من الأحوال وأما تركيب الأشياء فقد يبقى موضع بحث