شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسيةوطنية

المصير الأمني المشترك

ليس من باب الصدفة أن يخصص عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، استقبالا رسميا للمدير العام للشرطة الوطنية الإسبانية، مرفوقا بوفد أمني رفيع المستوى، بعدما أيام قليلة من إعلان وزارة الداخلية الإسبانية اعتقالها لجهاديين اثنين عائدين من سوريا، بفضل التعاون الوثيق مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني. وبدون شك فإن هاته الزيارة الأمنية تأتي بعد الانعراجة الدبلوماسية للحكومة الإسبانية تجاه قضية وحدتنا الترابية، مما يضفي على موعد الزيارة وحجمها طابعا خاصا واستثنائيا.

صحيح أنه على الرغم من التوتر غير المخفي الذي ساد العلاقات السياسية المغربية الإسبانية، حيث وصل إلى أزمة دبلوماسية خلال الفترة الماضية، بسبب قضية «بنبطوش غايت»، ظلت مصالح البلدين الحيوية محفوفة «بسياج أمني» لحمايتها من التدهور التام، إلا أن تلك العلاقة الأمنية شابها بعض التوجس والتحفظ، بسبب المواقف السيادية للبلدين، واليوم في ظل عودة العلاقات إلى أفضل حالاتها، بالإضافة إلى التحولات الإقليمية والدولية، فإن السياق يدفع إلى ‏ضرورة التغيير في مستوى ووتيرة التنسيق المتبع، وتبني منظور جديد للشراكة الاستراتيجية الأمنية بين كل من المغرب وإسبانيا، لأن مفاهيم التنسيق وقضاياه ‏ونجاعته بمعناها الأمني هي مفاهيم متغيرة ومرتبطة بالسياق الذي تجري فيه، وعليه فلا بد من إحداث تحول فارق في الرؤية ‏الأمنية السائدة حول مستقبل العلاقات بين البلدين، بحيث تُبنى على مفاهيم الندية والشراكة الفعلية والفعالية والتضامن المشترك في المكاسب والأزمات، كما وقع في حادثة الاختراق العنيف لسياج مدينة مليلية من طرف مهاجرين غير شرعيين.

إن كلا من الرباط ومدريد تنظران إلى التنسيق الأمني، بحسب حاجيات كل واحد منهما، ومصلحته القومية وتقديره بين المكاسب والخسائر؛ فيرى فيه المغرب حماية لسيادته من الأخطار التي يتم الإعداد لها داخل أوروبا، وتصلنا عبر الحدود الإيبيرية، وترى فيه إسبانيا مصدرا لحماية أمنها القومي الذي يبدأ من المغرب، سيما في مجال محاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات، وما بين المنظارين تقع المصالح المشتركة التي تشكل هدفا مزدوجا للجارين، فلا أمن لإسبانيا بدون دور محوري لمؤسساتنا الأمنية الفعالة، ولا أمن للمغرب دون الأدوار الأمنية للجارة الإيبيرية.

وبفضل هذا التنسيق الحتمي بين الدولتين جرى إنقاذ حياة الكثير من المواطنين الإسبان على يد المؤسسات الأمنية المغربية، حيث وفرت في مناسبات عديدة معلومات استخبارية عن خلايا نائمة، أو ذئاب منفردة مسلحة كانت تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية، فانطلق الأمن الإسباني لاعتقال أفرادها، مما يجنب إسبانيا حمامات دم حتمية.

 والمؤكد أن عبد اللطيف الحموشي ومدير أمن إسبانيا يدركان جيدا أن التنسيق الأمني بين المغرب وإسبانيا، لا يقتصر على مجرد مسألة الهجرة والإرهاب ومعطيات استخباراتية، وإنما هو أعمق وأبعد من ذلك، حيث يهدف إلى حماية مصالح الدولتين وتوجههما الإقليمي ومصيرهما المشترك.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى