المصوّرون أنفسهم..
العالم يسير في اتجاه مجنون هذه الأيام. ليس في السياسة فقط، ولكن في كل شيء تقريبا. وجدوا شخصا لم يغادر غرفته لسنوات، أدمن خلالها مشاهدة النقل المباشر لكاميرات البث المباشر التي تُنصب فوق المآثر التاريخية والساحات الشهيرة عبر العالم، والتي تستعمل لغرض سياحي. وهكذا كان يجوب العالم كله من غرفته ويشاهد السيارات تعبر القناطر ليلا في أوربا، ومرتادي الحانات وهم يستعدون لقضاء السهرة، في الوقت نفسه الذي يتابع فيه استيقاظ الناس في بكين للتوجه إلى أعمالهم.
المثير، بشأن هذه الكاميرات، أنها تتيح لعدد كبير من المواقع السياحية في العالم، القيام بحملات إشهارية لاستقطاب مزيد من السياح. في المغرب توجد لدينا واحدة فقط فوق فندق بأكادير، وتبث عبر العالم بشكل مباشر منذ سنوات، ويتابعها عدد كبير من السياح عبر العالم، ممن ينوون زيارة المغرب. وحتى في الموقع الذي يتيح خدمة الاتصال بهذه الكاميرا، عندما يعرض خارطة الكاميرات، لا تبدو إلا كاميرا واحدة في المغرب، وهذا يعني أن فكرة انتشار هذا النوع من الكاميرات، رغم كل هذه السنوات، لا زالت محدودة. علما أن هناك دولا سياحية أخرى تنتشر فيها الكاميرات بشكل كبير، ويمكن لأي سائح عبر العالم أن يشاهد ما قد يحفزه على الزيارة، لأن هذه الكاميرات تُزرع بعناية في أماكن تحرص الشركات على إبرازها.
علاقتنا نحن بالكاميرا عموما غريبة وتدعو إلى كثير من التدبر. وبما أن يوم أمس، صادف اليوم العالمي للتصوير، مؤرخا بذلك لما يقولون إنه 177 سنة من التقاط الصور باستعمال كاميرا وليس باستعمال الفرشاة والألوان..
في الدول التي يحمل مواطنوها كاميرات ويمارسون هواية التصوير، يعتبر عاديا أن تنتشر الكاميرات في كل مكان. لكن انتشار الكاميرات عندنا نحن يرتبط أكثر بالفضائحيات، إذ لا تقدم تقريبا أي خدمة إشهارية أو سياحية لأحد.. اللهم إلا بعض المهتمين الذين يظهرون كالمجانين وسط أسطول المواطنين، يعكفون على التقاط صور فنية تبرز جمالية وخصوصية المعمار المغربي والألوان الممتزجة في الجدران والشوارع وملابس الناس وطعامهم.
الكاميرا في المغرب ترتبط دائما بالفضيحة، الذين يصورون عشيقاتهم سرا، وتلقي الموظفين العموميين للرشاوى، أكبر بكثير من الذين يستعملون الكاميرا لأغراض سلمية لتوثيق اللحظات العائلية، كاستقبال المولود الأول.
نصوّر الزلازل والحرائق والكوارث وانفجار القواديس، لكننا لا نصور الشروق. ربما تكون الكاميرا عموما قد بدأت مبكرا في المغرب، إذ إن أقدم الصور التي التقطت في المغرب لأول مرة صُورت في طنجة بحكم قربها الجغرافي من أوربا، وبسبب تردد السياح والمستكشفين كثيرا على المنطقة، إلى أن وصل التصوير إلى الدار البيضاء.
مرة، عرض عليّ أحدهم صورة ثلاثية الأبعاد لباب مراكش وسط الدار البيضاء سنة 1914. لا تملك إلا أن تصاب بالدهشة وأنت ترى أجداد أجدادك جامدين في الشارع، تكاد تلامسهم بيديك، وأطفالا يقطعون الشارع في لا مبالاة، غير عابئين بفرنسيتين جميلتين تحملان سلة من الورود.. وحمارا يحمل صندوقين، يقوده رجل يحدق بعينيه في السماء. الصورة الثلاثية الأبعاد هذه، تم تركيبها بوسيلة بدائية، لكنها ناجعة واستطاعت تقريبنا من إيقاع الحياة قبل مائة سنة أو يزيد.
إذا تأملتم قصة الرجل الذي لم يغادر بيته لسنوات وهو يتجول بين كاميرات النقل المباشر عبر العالم، ستجدون أنه شاهد أكثر مما شاهده الكادحون الذين يمضون حياتهم في روتين ممل، يحملون معهم كاميرات لا يلتقطون بها أي شيء.
أحيانا يجب أن تفكر كيف استطاع العالم أن يصل إلى ما وصل إليه، بينما نحن لا نزال غارقين في انتشال ركامنا، وكأننا ولدنا البارحة فقط.
يقال إن سكان أحد الدواوير المعزولة في المغرب، تعجبوا، أيام الاستعمار، من فرنسي كان يحمل معه آلة تصوير ويتجول في الدوار باستمرار ويلتقط صورا لنفسه بطريقة «السيلفي»، إلى أن بلغت شهرته الدواوير المجاورة، وظن الناس أنه مجنون، وتحول اسم القرية من اسمها القديم لتصبح دوار «مصور راسو».