المسيح في القرآن الكريم (2)
د. محمد ديـرا
5 – رسالة المسيح عليه السلام رسالة خاصة بفئة محدودة من البشر، فهي ليست عالمية كالإسلام، ولم تنزل إلى الناس كافة، بل هي موجهة إلى بني إسرائيل فقط، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: «وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد» (الصف:6)، وقوله تعالى: «ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم» (آل عمران: 48-49).
6- عرض القرآن الكريم حقيقة المسيح عليه السلام والمهمة التي جاء من أجلها، كما بين أن له وقتا محددا سيمضي فيه بدعوته إلى الله تعالى مبلغا رسالة ربه المتمثلة في الإنجيل، ومصدقا للتوراة التي أنزلت قبله، يقول تعالى: «وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين» (المائدة:46).
7-يذكر القرآن الكريم إحدى أهم وظائف المسيح عليه السلام وهي التبشير بمجيء النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله تعالى: «وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد» (الصف: 6).
8- المسيح عليه السلام هو كلمة الله تعالى، يقول عز وجل: «إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم» (النساء: 171). والمقصود بكلمته هنا ذلك الأمر الإلهي الذي صدر عن الله تعالى بلفظ «كن» من غير واسطة أب، ومما تعنيه الكلمة أيضا بشارة الله تعالى وهديته لأمه مريم، وذلك في قوله تعالى: «وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه» (آل عمران: 45).
9- المسيح عليه السلام هو روح من الله تعالى، يقول الله تعالى: «إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه» (النساء: 171)، وإضافة الروح إلى الله هنا تعني التشريف والإجلال والتكريم كما يقال: بيت الله، ورسل الله، ونِعَم الله…
وقد تكون هذه الإضافة هي التي جعلت المسيحيين يبنون عليها قضية التثليث. وإذا تأملنا القرآن الكريم فسنجد بأن كلمة «روح» ليست خاصة بالسيد المسيح عليه السلام فحسب، بل هناك معان أخرى لكلمة روح…
يقول الله تعالى عن آدم عليه السلام: «فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين» (الحجر: 29)، والقرآن الكريم نفسه هو روح من أمر الله تعالى، قال سبحانه: «وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا» (الشورى: 52). كما أن وحي الله تعالى لجميع أنبيائه سمي في القرآن الكريم روحا من أمر الله تعالى، يقول عز وجل: «ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون» (النحل: 2).
كما أن جبريل أمين الوحي عليه السلام سمي في القرآن الكريم روحا من الله تعالى، وذلك في قوله سبحانه: «فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا» (مريم: 17)، وقوله تعالى: «وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين» (الشعراء: 194).