شوف تشوف

الرأي

المسلمون الأيغور والدرس الأفغاني

سامح المحاريق
في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، أجبرت الصين وبعد عمليات عسكرية خاطفة أهالي التيبت على توقيع اتفاقية مذلة، فرضت من خلالها الهيمنة الصينية على المنطقة، ومسحت من الوجود الدولة الناشئة لأهالي التيبت التي كان يتمتع خلالها الدالاي لاما بسلطة دينية ودنيوية واسعة، ووجهت الصين إهانات متواصلة للقائد الديني الأعلى لديهم، وهو الذي يحظى بمرتبة القداسة، وفق معتقدات أهالي التيبت، وفوق ذلك قامت بهدم مئات أماكن العبادة وقتلت أعدادا كبيرة من الرهبان، وفي النهاية طردت الدالاي لاما نفسه، وما زالت قضية التيبت تستخدم بصورة موسمية في الضغط على الصين، التي يبدو أنها لا تبالي كثيرا بالمقولات الغربية حول حقوق الإنسان، ولا تعترف أصلا بما تمكن تسميته بحقوق الشعوب في تحديد مصيرها. الأمر نفسه يجري بالنسبة لمسلمي الأيغور، الذين يعيشون في إقليم تركستان الشرقي، الذي ضمته الصين بالطريقة نفسها التي استخدمتها ضد التيبت، والصين لا تستهدف هذه الأقلية نتيجة موقفها من الدين الإسلامي، وما يخضع له الأيغور هو مصير محتمل لأي فئة من الشعب الصيني، ستحاول الحديث عن تقرير المصير أو الاستقلال. الحياة في الصين ليست النموذج الذي يمكن أن يغري أي إنسان ليلتحق به، الصين تنجح وتتقدم كدولة، ولكن ذلك لا ينعكس على الصينيين بالضرورة، والأيغور كما أهالي التيبت ضحايا للنموذج الصيني، إلا أنهم يجدون في خصوصيتهم الثقافية وتاريخهم السياسي ما يدفعهم إلى المطالبة بالخروج من المشروع الصيني.
الصين ليست فاعلا ثقافيا، ولا تحاول أن تنمط العالم لقبولها، كما تفعل الولايات المتحدة، وفعلته من قبل فرنسا في تجربتها الاستعمارية، فالصينيون الذين يغزون العالم، من خلال شركاتهم، لا يختلطون بالمجتمعات المحلية، ولا يحاولون نشر لغتهم أو ثقافتهم، ولا حتى يحاولون التبشير بالفكر الشيوعي، كما كان الاتحاد السوفياتي يروج لفترة طويلة من الزمن.. ولذلك فإن سنوات طويلة من الاضطهاد كانت تقع على كاهل الأقليات في الصين، من دون أن يسمع أحد صوتا في الإعلام العالمي يتحدث عن معاناة الأقليات، فالصين عرفت طويلا كيف تتحرك على رقعة الشطرنج الكبرى في الاستراتيجيات العالمية. يأتي المتغير الأساسي حاليا من واقع دخول الصين في حرب تجارية مفتوحة مع الأمريكيين، يستدعي للذاكرة النموذج الأفغاني، الذي تحرك من قبل الأمريكيين، وبتحالفات واسعة مع الدول الإسلامية، لإثارة الدافع لبناء حركة جهادية واسعة أرهقت الجيش السوفياتي في الحرب على رقعة جبلية وعرة.
تدفع الولايات المتحدة والإعلام الغربي الكتلة السكانية الكبرى للمسلمين إلى الدخول في صراع مع الصين، وهو الصراع الذي لا يمكن أن يتطور إلى الحل الجهادي، على الطريقة الأفغانية، إلا أنه سيستدعي توترا ممتدا، يلقي ببعض الضغوط على الصين، ويغلق الباب أمام مرحلة من التقارب تحركت تجاهها المجموعة العربية للبحث عن حلول خارج أوراق اللعب الأمريكية، وفي هذه الحالة بالطبع سيتحقق للأمريكيين ما يريدونه، بإعادة كتلة الدول الإسلامية، وتحت ضغط المشاعر الشعبية التي تتحرك بدوافع التعاطف الديني، إلى موقف يجعلها مضطرة دائما إلى البحث عن ضمانة أمريكية على المستوى الوجودي، وبالتالي استمرارها في الخضوع الكامل للأمريكيين. يريد الغرب صراعا بالوكالة، ويترك تفاعلات الحديث عن اضطهاد المسلمين في الأيغور لتجد أرضية لبناء صراع جديد، خاصة أنه سيجد تحالفات كبيرة في أعداد المتحمسين له بين المسلمين، وفي توزعهم الجغرافي في مناطق تعتبر فضاء حيويا حول الصين.
خبرة الصين في ملف التيبت تقف أمامها اليوم، وهي تحاول ألا تسمح بتفاقم قضية الأيغور، ولكن يبدو أن الخبرة التي تحملها الدول العربية في تجربة أفغانستان، والثمن الباهظ جدا الذي دفعته نتيجة ذلك غائبة تماما، ويبدو أن ماكينة الاستشراق تعمل بكامل طاقتها حاليا لتسخين الصراع في قضية بدأت أصلا منذ زمن طويل، وتجاه ممارسات تعتبر من نوافل الحياة في الصين، وفي مرحلة تاريخية حرجة تشهد إعادة تموضع عالمي وتمضي إلى عالم متعدد الأقطاب. إدانة الصين لممارساتها ضد الأيغور يجب أن تكون جزءا من إدانة ممارسة العنف المنهجي من قبل أي من الشعوب على شعوب أخرى، ورفض ممارسات الضم والتوسع والطموحات الإمبراطورية بصورة مبدئية، وليس باختلاق صراع يقوم على أسس واهية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى