شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

المرور للسرعة القصوى

 

مقالات ذات صلة

 

د. خالد فتحي

لا يخطب جلالة الملك في افتتاح السنة التشريعية، إلا وينبه إلى ورش حيوي واستراتيجي يراه الأجدر بأن يشكل أولوية الأولويات للمملكة.

في هذه المرة جاء خطابه مقتصرا على قضية الصحراء المغربية الأثيرة على قلب كل مغربي ومغربية… وقد كان خطابا جياشا بالتوجيهات التي يمكن أن تكون عناصر عمل جاد ومثمر يجب أن تنهض به الدبلوماسية البرلمانية والحزبية للمرور إلى السرعة القصوى لطي هذا الملف المفتعل بصفة قطعية ونهائية. أول إشارة حصيفة من الملك كانت عن وفاء المؤسسة الملكية بوعدها بخصوص القضية حين ذكر بتحقق الرهان الذي كان قد قطعه جلالته على نفسه عند اعتلائه الحكم، بنقل ملف الوحدة الترابية من مرحلة التدبير الى مرحلة التغيير. وكذلك كان، بعد أن صار المغرب هو من يبادر، وهو من يضبط إيقاع المواجهة مع الخصوم منتقلا من ردة الفعل إلى فرض تصوره ورؤيته للحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية كحل وحيد ومستدام وعملي، وذلك في كل المحافل الدولية.

لا يجب أن يغيب عن بالنا بداية أن تعرض الخطاب لمسألة الموقف الفرنسي من قضيتنا يأتي عشية زيارة مبرمجة للرئيس ماكرون نهاية هذا الشهر، وكأن الملك يؤكد بثنائه على خروج باريس من المنطقة الرمادية، بأن ذاك التحول كان هو المحدد في حدوث حالة الانفراج الكبير التي عرفتها العلاقات الثنائية المغربية الفرنسية، وهو ما سيؤطر أيضا التعاون الوثيق الذي سيبصم عليه البلدان الصديقان حاضرا ومستقبلا.

إثارة الملك لهذه الانعطافة الفرنسية أمام ممثلي الأمة لدليل منه على أن الاعتراف بالحق المغربي من طرف الإليزيه ليس عهدا أو اتفاقا بين ملك ورئيس جمهورية، وإنما هو ميثاق غليظ بين الأمتين المغربية والفرنسية وبالتالي يكون خطاب جلالة الملك وإيماءاته البليغة موجهين عبر المثال الفرنسي إلى بقية العالم، وخصوصا الدول التي وصفها بالقليلة، المتلكئة إلى الآن في الانتصار للحق المغربي. وهو التردد الذي لم يعد له معنى بعد أن جنحت إلى الصواب الدولتان المستعمرتان القديمتان العليمتان بخبايا هذا الملف الذي طال أكثر من اللازم.

ذكر الملك أن طيفا كبيرا من دول الاتحاد الأوربي قد اصطف بجانب حل الحكم الذاتي، وهو ما يفهم منه عدم الالتفات لقرار محكمة العدل الأوروبية المتهافت والمنفصل عن الواقع… فالدول الأوربية الكبرى والمؤثرة كإسبانيا وألمانيا وهولندا والدانمارك… بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية اجتازت كلها “نهر الريبكون” في مساندتها لقضيتنا العادلة، ولاعودة لها إلى الوراء.

يرشح إذن من الخطاب الملكي أن الجزء الأكبر من المهمة قد أنجز بنجاح باهر، وأن الأرضية مهيأة أمام النخبة السياسية لأجل إحكام الطوق على خصوم المغرب الذين انكشفت ألاعيبهم ومخططاتهم البئيسة أمام الجميع، وبالتالي استكمال حلقة الدول المؤيدة لنا لتشمل كل أعضاء الأمم المتحدة.

لقد حقق الملك في هذا الملف حجما حرجا من الإنجاز له قوة دفع ذاتية ومحركة لبقية المجتمع بسياسييه وتنظيماته تجعلهم راغبين وفاعلين في ترسيخ هذا النجاح. فالآن يحظى المغرب بدعم كل الدول العربية وأغلبية الدول الإفريقية والأوربية والآسيوية، ولذلك فإن المؤسسة الملكية التي تستشعر قيمة هذه الانجازات تعول على أن تتجند المؤسسات الدستورية الأخرى من مجالس تشريعية وأحزاب ومجتمع مدني للمرافعة أكثر وبفاعلية ونجاعة عن قضيتنا عبر أطر كفؤة تمتاز بالدربة والحنكة والإخلاص والتفاني والوطنية، فالسياق الآن ملائم للحصاد الوفير.

يجب علينا أن نفهم من الخطاب الملكي أننا الآن قادرون أكثر من أي وقت مضى وللأبد على إسقاط أطروحة الخصوم بالضربة القاضية. ما يتعين فقط هو أن لانسقط في فخ التقاعس والتهاون الذي تحدث عنه الشاعر حين قال: ولم أر في الناس عيبا – كنقص القادرين على التمام.

نحن قادرون على إتمام المهمة. فلماذا لانفعل؟ علينا فقط أن نؤمن بأنفسنا، وأن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب. وأن نستثمر في الصورة البهية التي صارت للمغرب في المشهد الدولي كبلد ذي مصداقية وكشريك موثوق لكل أصدقائه، وكأمة تدعو إلى السلام والتنمية العالميين.

إن لكل نجاح استراتيجية تمهد له، ولذلك قد دعا الملك البرلمان لاستيعاب التحولات الجارية والاختراقات التي حققتها دبلوماسيتنا من خلال تأييد دول وازنة ودائمة التمثيل بمجلس الأمن للحل المغربي. وبالتالي عدم تضييع هذه الفرصة من طرف نخبتنا السياسية التي أضحى التجاوب الوحيد المطلوب منها مع خطاب جلالته أن تجعل من هذه السنة سنة حسم لهذا الملف. وهذا لن يكون إلا بتوجيه وفود مدججة بالحجج والبراهين إلى ما تبقى من العالم. فهل يكون البرلمان، وهل تكون الأحزاب في الموعد؟ ذلك ما يتوسمه فيهم الملك والشعب.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى