شوف تشوف

الرأي

المرنيسي وصانعات الزرابي

يونس جنوحي
فرقة للفولكلور الشعبي تستغل سفرية إلى الخارج ويختار أعضاؤها خوض تجربة الهجرة بدل إنهاء الرحلة برقصة ختامية والتوجه نحو المطار.
ليست هذه المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه القصص. بعثات رسمية اختار بعض أفرادها البقاء في دولة أوربية بدل العودة مع الوفد، وأصبحوا مهاجرين سريين بعد أن دخلوا أوربا بصفة رياضيين أو أعضاء وفود.
عندما قرأت خبر «فرار» أعضاء الفرقة الفنية ومغادرتهم المطار، تذكرت قصة طريفة حكاها لي سائق سيارة للنقل السياحي نواحي مدينة ورزازات قبل عام. وكان الحافز للحكاية هو كتاب للراحلة فاطمة المرنيسي.
اكتشفتُ أن السيدة تحظى بشعبية كبيرة جدا في منطقة «تازناخت» المعروفة بصناعة الزرابي التقليدية عالية الجودة. في سنوات التسعينيات كانت عالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي تقود بعض الباحثين الفرنسيين الذين يشتغلون على مواضيع اجتماعية لها علاقة بالمرأة في المجتمعات التقليدية والمحافظة، وكان البرنامج يقوم أساسا على تأهيلهن وليس فقط إنجاز الدراسات والخروج بالخلاصات الأكاديمية.
يقول سائق السيارة السياحية إن المرنيسي نامت في منزل عائلته المتواضع وفضلت قضاء الليلة مع نساء العائلة بدل التوجه إلى الفندق، واندمجت مع النساء اللواتي بُحن لها بآمالهن والصعوبات التي يعشنها يوميا في منطقة نائية لا تزال بعض قراها معزولة تماما عن الحياة.
عندما طلب الباحثون الفرنسيون من العالمة فاطمة المرنيسي أن تختار بعناية لائحة لأسر من تازناخت لكي يذهبوا إلى فرنسا لخوض تجربة عرض الزرابي التقليدية التي يُنتجونها في أحد المعارض التي تجمع تجارب مماثلة من مختلف دول العالم، حاولت المرنيسي أن تضع أكبر عدد من المرشحين المؤهلين في اللائحة النهائية، ورافقتهم من تازناخت إلى فرنسا والتقطت صورا كثيرة للزرابي المحلية التي تُنتجها نساء الدواوير.
عندما وصل الوفد إلى فرنسا، ومباشرة بعد انتهاء المعرض، اختفى بعض المشاركين الذين ذهبوا إلى المعرض رفقة أفراد من عائلتهم، منهم رجل وزوجته، وفضلوا الاتصال ببعض أبناء المنطقة الذين يقيمون في فرنسا، وهكذا فاتتهم طائرة العودة إلى المغرب. وتركوا لفاطمة المرنيسي عددا من الزرابي والصور كذكرى على تلك التجربة.
المثير في الموضوع أن فاطمة المرنيسي عادت بعد سنوات إلى المنطقة نفسها في إطار إجراء بحث اجتماعي أكاديمي في الموضوع ذاته، أي هموم النساء في الجنوب ومعاناتهن مع العزلة حيث يُعلن أسرهن وأزواجهن بصناعة الزرابي رغم الصعوبات التي يعرفها السوق وعدم استفادتهن بشكل مباشر من أرباح تلك الزرابي عندما تباع للسياح.
والمفاجأة أن وجودها في المنطقة صادف عودة بعض الذين هربوا من المعرض الذي رشحتهم هي شخصيا للمشاركة في دورته بفرنسا، وأحسوا بإحراج شديد من مقابلتها، لكن المرنيسي أصرت على لقائهم جميعا، وعانقت النساء اللواتي أصبحن مهاجرات في فرنسا بفضل فاطمة المرنيسي، ودخلن في بكاء صامت لدقائق قبل أن يعلنوا جميعا لها أنهم يخجلون من النظر في عينيها لأنهم ولا شك تسببوا لها في إحراج مع زملائها الفرنسيين الذين كانوا يشرفون على المشروع.
ابتسمت فاطمة المرنيسي مؤكدة أنها تتفهم موقفهم، وأخبرتهم بما معناه أنها سعيدة لأجلهم ولأجلهن، ما دامت رسالتها منذ اليوم الأول هو المساعدة على إدماجهن اجتماعيا رفقة أسرهن بدل رؤيتهن بظهور مقوسة طيلة ما تبقى من حياتهن وهن إما يحملن الحطب أو ينسجن الزرابي أمام أنظار السياح.
عندما توفيت فاطمة المرنيسي بكاها الكثيرون في بعض قرى منطقة تازناخت التي لا تبعد بالمناسبة كثيرا عن ورززات. ليس لأنهم عاشوا معها قصة تستحق أن تُروى، لم تتحدث عنها ولم تنسب فضلها لنفسها كما هو شأن الكثيرين، وإنما على مصير كل هؤلاء الذين ينتظرون دورهم للعبور، حتى لو كان الأمر في نشاط رسمي أو محفل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى