شوف تشوف

الرئيسيةخاصسياسية

المديونية تركة بنكيران الثقيلة

إعداد: محمد اليوبي – كريم أمزيان – النعمان اليعلاوي
مع اقتراب نهاية الولاية الحكومية الحالية، دق إدريس جطو، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، ناقوس الخطر، محذرا من مخاطر الارتفاع المهول للمديونية الخارجية التي بلغت أرقاما قياسية غير مسبوقة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما قد يهدد مستقبل البلاد ويرهن الأجيال المقبلة في الديون المترتبة عن السياسة الحكومية.
رسم التقرير السنوي الذي أصدره المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2014، صورة قاتمة عن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية في عهد حكومة بنكيران، مسجلا بذلك تراجع معدل النمو، وارتفاع الديون الخارجية إلى مستويات قياسية تجاوزت معها الخطوط الحمراء، وكذلك ارتفاع معدل البطالة مقارنة مع السنوات السابقة، كما سجل التقرير تراجع عجز الميزانية، وذلك بسبب سياسة التقشف التي نهجتها الحكومة من خلال تقليص نفقات صندوق المقاصة التي كانت تستهدف دعم المواد الاستهلاكية الأساسية.
وأكد التقرير، أن المالية العمومية مازالت تواجه مجموعة من الاكراهات تتعلق أساسا بثقل كتلة الأجور التي بلغت خلال سنة 2014 ما يناهز 101.64 مليار درهم بنسبة تعادل 11 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، وكذا بالنفقات المترتبة المترتبة عن فوائد وعمولات الدين التي ارتفعت بنسبة تزيد عن 10 في المائة، وبخصوص الدين العمومي للخزينة فقد وصل مبلغه الجاري إلى 584.2 مليار درهم، أي ما يعادل 63.9 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، في حين بلغ حجم الدين العمومي الاجمالي 743 مليار درهم بنسبة تعادل 81 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي مقابل 76 في المائة سنة 2013 مسجلا بذلك ارتفاعا ملحوظا.

ناقوس الخطر

دق إدريس جطو، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، ناقوس الخطر، محذرا من تفاقم المديونية العمومية ولجوء الحكومة المفرط إلى الاقتراض الخارجي، وأشار إلى أن المديونية عرفت زيادة قياسية منذ سنة بالمقارنة مع الثماني سنوات الأخيرة، وأوصى جطو بالتزام سياسة حذرة إزاء تواصل المنحى التصاعدي للدين العمومي بجميع مكوناته مثمنا في الوقت ذاته، الاستمرار في تحسن شروط تمويل الخزينة، كما حث الحكومة على بذل مزيد من الجهود قصد التحكم في ارتفاع حجم الدين، وأشار جطو الذي قدم التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات في جلسة مشتركة بين مجلسي النواب والمستشارين، إلى أن تفاقم المديونية العمومية خلال سنة 2013، فقد ارتفع حجم الدين العمومي للخزينة من 493,7 مليار درهم سنة 2012 إلى 554,3 مليار درهم مع نهاية السنة المالية 2013 ، أي بزيادة 60,6 مليار درهم مسجلا بذلك ارتفاعا على مستوى نسبة المديونية في الناتج الداخلي الخام، إذ بلغت 63,5 في المائة سنة 2013 مقابل 59,6 في المائة خلال السنة التي سبقتها. وأشار إلى أن مشروع قانون التصفية وكذا الحساب العام للمملكة برسم سنة 2013 لم يتضمنا أية معطيات حول قيمة الاقتراضات الداخلية ذات الأمد القصير (أقل من سنتين) والتي لا يتم احتسابها كموارد للميزانية، علما أن هذا النوع من التمويلات كلف خزينة الدولة أزيد من 5,75 ملايير درهم كفوائد وعمولات.
أما في ما يخص الدين العمومي، والذي يدخل في نطاقه دين الخزينة والديون المضمونة من طرف الدولة، فقد بلغ جاري الدين العمومي 678,85 مليار درهم بنهاية سنة 2013 ، مقابل 591,85 مليار درهم عند متم سنة 2012، أي بزيادة 87 مليار درهم، وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 12,8 في المائة مقارنة مع السنة السابقة، وبالتالي فقد عرفت سنة 2013 زيادة قياسية بالمقارنة مع الثماني سنوات الأخيرة، وأكد جطو أنه على الرغم من استقرار حصة ديون الخزينة بالنسبة للناتج الداخلي الخام في مستوى 63,4 بالمائة عند نهاية سنة 2015، فقد واصلت ارتفاعها خلال السنتين الأخيرتين، حيث انتقل حجمها من 584,2 مليار درهم عند نهاية سنة 2014 إلى 626,6 مليار درهم في متم سنة 2015، أي بإضافة 42,4 مليار درهم لمديونية الخزينة، تم اكتتابها في السوق الداخلية. وسجل جطو أن حجم الدين الخارجي للخزينة استقرارا في المستوى المسجل عند نهاية سنة 2014 بما يقارب 140 مليار درهم، فيما ارتفعت خدمة دين الخزينة من 133 مليار درهم سنة 2014 إلى 143 مليار درهم سنة 2015 دون أن تسجل تغييرا بشأن نسبتها من الناتج الداخلي الخام، حيث بقيت مستقرة في حدود 14,5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
وفي ما يخص الدين العمومي، بما في ذلك الدين الذي يستفيد من ضمان الدولة، أوضح جطو أن حجمه عرف ارتفاعا ملحوظا حيث انتقل من 743 مليار درهم مليار درهم سنة 2014 إلى807 مليار درهم سنة 2015 أي بقيمة تجاوزت 64 مليار درهم ، ويمثل 81,3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
ومن جهة أخرى، أظهرت إحصائيات لوزارة الاقتصاد والمالية أن حجم ديون الخزينة العامة للمملكة خلال السنتين الأخيرتين تجاوزت سقف 60 في المائة من الناتج الداخلي الخام، بسبب عجز الموازنة وحاجة الاقتصاد إلى مزيد من التمويلات لتسريع وتيرة التنمية، ولاحظ المجلس الأعلى للحسابات أثناء مراقبة تدبير الدين العمومي، ضعف الآليات المعتمدة لتحديد المستوى الملائم للمديونية، وغياب مقتضيات قانونية تمكن من تأطير الاختيارات فيما يخص المديونية على المدى المتوسط والبعيد.
وذكر التقرير أنه في السنوات الأخيرة، عرف اللجوء إلى الدين الداخلي ارتفاعا مضطردا، حيث انتقلت نسبته في الناتج الداخلي الخام من 37.4 في المائة سنة 2007 إلى 47.9 في المائة سنة 2013، مما ساهم في الضغط على السيولة البنكية، وبالتالي على المنحى التصاعدي لنسبة الفائدة.

السير نحو المجهول

أثناء مناقشة قانون المالية، حذرت فرق المعارضة من خطورة ارتفاع حجم المديونية الخارجية، وجر البلاد نحو المجهول، على اعتبار أن حكومة عبد الإله بنكيران اقترضت خلال سنتين فقط مجموع ما اقترضته حكومات عبد الرحمان اليوسفي وادريس جطو وعباس الفاسي خلال 10 سنوات، وأكدوا أن الاستدانة المفرطة ستترتب عنها حتما مخاطر عديدة، بينها مخاطر التضخم وآثاره الانكماشية على الاقتصاد الوطني، ومخاطر فقدان الخزينة لسيولتها ومقدرتها على الوفاء بالتزاماتها، ومخاطر تعذر إعادة تمويل الدين العمومي نظرا لتقلص مدة القروض إلى 5 سنوات في المعدل، إضافة إلى المخاطر المحدقة بسيادة القرار المالي الوطني وبالأجيال القادمة، وأمام هذا الانفجار المخيف للمديونية، طالب برلمانيون بلجم الحكومة من خلال سن تشريعات لتسقيف حجم الدين بهدف تجنب التجاوزات المالية الصادرة عن حكومات لا تعير اهتماما بالغا للتوازنات ولا تتقيد بمبادئ الحكامة المالية الجيدة، ولذلك باردت فرق المعارضة البرلمانية إلى اقتراح تعديلات على مشروع قانون المالية تهدف من جهة إلى تسقيف مديونية الخزينة وحجم الدين العمومي المرخص به، وإلى التنصيص على ضرورة طلب الإذن من البرلمان كلما استدعت الضرورة تجاوز السقف المرخص به، تفعيلا لروح ومضامين الفصل77 من الدستور الذي ينص على المسؤولية المشتركة للحكومة والبرلمان في الحفاظ على توازن مالية الدولة، إلا أن هذه التعديلات المقترحة قوبلت برفض الحكومة.
ورغم أن مديونية المغرب وصلت مستويات قياسية، إلا أن إدريس الأزمي الإدريسي، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، أكد أثناء مناقشة قانون المالية، أن مديونية المملكة “لازالت في مستويات معقولة”، مبرزا أنها ستعرف استقرارا، خلال السنة الحالية، على أن تشهد انخفاضا ابتداء من السنة المقبلة، وفي رده على تحذيرات الفرق البرلمانية، بخصوص تزايد حجم الديون الخارجية، أكد أن الحكومة لا تلجأ إلى الاستدانة إلا إذا لم تتمكن من تغطية نفقاتها بمواردها الخاصة من أجل دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإنجاز الأوراش الكبرى ببلادنا.
وأشار إلى أن الحكومة، تحرص على أن تخصص موارد الاستدانة لتمويل الاستثمار في البنيات التحتية والأوراش الإصلاحية وليس في تغطية نفقات الاستهلاك، كما تحرص على أن لا تتجاوز نسبة المديونية من الناتج الداخلي الخام، سقفا معينا، حتى تبقى الدولة قادرة على الوفاء بالدين وتحافظ على ثقة الدائنين والمؤسسات المالية الدولية بصفة عامة، وأكد الأزمي أن اللجوء إلى الاقتراض من طرف الحكومة يخضع إلى تأطير قبلي و بعدي للبرلمان باعتبار أن مستوى المداخيل والنفقات وحاجيات التمويل السنوية يتم الترخيص بها من طرف البرلمان، مشيرا إلى أن قانون المالية للسنة يحدد سقفا لمستوى التمويلات الخارجية لا يمكن بأي حال تجاوزه، ويتم تغطية الفارق المتبقي من احتياجات التمويل بالموارد الداخلية، وفي إطار تشديد هذا التأطير، أشار الأزمي إلى أن القانون التنظيمي للمالية قد نص على قاعدة ذهبية يجب بمقتضاها أن لا يتعدى صافي المديونية لسنة مالية معينة ميزانية الاستثمار.
ورغم التطمينات التي تقدمها الحكومة حول مستوى المديونية، إلا أن خبراء في مجال الاقتصاد، يؤكدون أن المديونية الخارجية للمغرب من شأنها أن تكون لها مضاعفات كبيرة على صورة المغرب في الخارج، بعد تجاوزها للخطوط الحمراء المسموح بها، ويمكن لمديونية المغرب أن تتضاعف في ظل وجود ثقافة لدى المسؤولين في الحكومة ممن يتصرفون وكأنه ليس هناك مشكل للمديونية ولا يعتبرون المعطيات الاقتصادية والمالية والوضعية الاستثنائية التي تعرفها البلاد مند سنوات، إضافة إلى تدبير النفقات العمومية من خارج الحكومة وداخلها، خاصة في ما يتعلق بالأوراش الكبرى، مما يعني أن المغرب سيعيش مستقبلا مشاكل في المالية العمومية وتفاقم في المديونية الداخلية والخارجية، ومصدر القلق، هو أن هذه القروض سيرهن مستقبل البلاد والحكومات المقبلة في الديون الخارجية، حيث تجاوزت المديونية الخارجية بعد تشكيل حكومة بنكيران نسبة 63 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

هكذا حطم بنكيران الرقم القياسي في إغراق البلاد بالقروض
عند تشكيل النسخة الأولى من الحكومة، كانت المديونية لا تتجاوز نسبة 51 في المائة من الناتج الداخلي الخام، كما أن جميع الحكومات السابقة لم تتجاوز نسبة 60 في المائة التي يحددها البرلمان سنويا في قانون المالية. لكن، في عهد حكومة بنكيران، عرفت المديونية ارتفاعا ملحوظا، حيث انتقلت من 743 مليار درهم سنة 2014، إلى 807 مليارات درهم سنة 2015، أي بقيمة تجاوزت 64 مليار درهم، وتمثل 81,3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
والمثير أن الحكومة لا توظف هذه القروض في الاستثمارات، من أجل زيادة نسبة النمو وإنعاش الدورة الاقتصادية، لكنها تقوم بتوظيف هذه القروض في نفقات التسيير.
هذا وتضمن تقرير سابق للمجلس الأعلى للحسابات انتقادات وتوصيات تهم ارتفاع حجم المديونية الداخلية والخارجية، وخاصة اللجوء المفرط للاقتراض الخارجي منذ سنة 2012، والذي تزامن مع السنة الأولى من عمر حكومة بنكيران. وكشف المجلس جملة من الاختلالات التي تهم المديونية الداخلية والخارجية، وأوصى السلطات العمومية بإرساء تأطير أفضل لمستوى المديونية، وإعادة النظر في تأطيرها المؤسساتي، وبالخصوص إقرار فصل بين مستوى التدبير التنفيذي للدين ومستوى اتخاذ قرار سياسة المديونية. وذكر التقرير أنه منذ سنة 1993، تميز تدبير الديون بتبني مقاربة جديدة قائمة على توزيع جديد بين الموارد الداخلية والخارجية، من أجل تقليص ثقل الدين الخارجي وتكاليفه للوصول إلى مستوى مقبول. ومكنت هذه المقاربة من تخفيض الدين الخارجي للخزينة من 80 في المائة من دينها الإجمالي سنة 1984، إلى حوالي 24 في المائة سنة 2012، حيث تم تعويض هذا الدين تدريجيا باللجوء المكثف إلى المصادر الداخلية، ما نتج عنه تزايد الدين الداخلي من 20 في المائة سنة 1984 إلى 76 في المائة من دين الخزينة سنة 2012.
وأورد تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أنه إلى غاية نهاية 2012، بلغ مخزون دين الخزينة الداخلي والخارجي ما مجموعه 493,67 مليار درهم مقابل 327,52 مليار درهم سنة 2005، بزيادة 50 في المائة. أما نسبة دين الخزينة من الناتج الداخلي الخام، فقد سجلت تراجعا ملحوظا منذ 2009، إذ انتقلت من 46,9 إلى 59,6 في المائة نهاية 2012.
وأكد التقرير أن حجم الدين العمومي وصل خلال نهاية سنة 2012، إلى 589 مليار درهم، ممثلا بذلك أكثر من 71 في المائة من الناتج الداخلي الخام، بزيادة أكثر من 7 نقط بالمقارنة مع 2011.

السكوري : «الحكومة رهنت مستقبل جيلين من المغاربة في الديون»

  • قدم إدريس جطو، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، عرضا أمام البرلمان حذر من خلاله الحكومة من ارتفاع المديونية، أين تتجلى مخاطر ارتفاع المديونية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي؟

حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات، فإن ارتفاع مديونية الخزينة فقط بلغ 60 مليار درهم، وهو رقم يمثل ميزانية مدينة مليونية مغربية لأكثر من 30 سنة، ما يعني أننا أمام أرقام كبيرة وخطيرة. ولعل الأخطر هو مدى قدرتنا كبلد على تسديد هذه الديون في المستقبل. إن الحكومة أقدمت على رهن مستقبل جيلين على الأقل، ألا تكفي الصعوبات التي يواجهها الجيل الحالي من قلة فرص العمل وضعف الاقتصاد، وتحامل أطراف دولية وازنة على المغرب في قضية وحدته الترابية، وما لذلك من انعكاسات على مسارنا التنموي ومحاولة إضعاف جهودنا في مجال الاستثمار المدني؟

  • كنتم داخل البرلمان قد حذرتم الحكومة في العديد من المرات، من اللجوء المفرط للاقتراض الخارجي، هل تعتبرون أنه الحل الأسهل بالنسبة لها لتغطية العجز؟

نحن في الأصالة والمعاصرة لسنا ضد الاقتراض بشكل مبدئي ودغمائي، ولكننا نقول إن الاقتراض يجب أن يوجه، إذا استدعت الضرورة اللجوء إليه، إلى مشاريع منتجة وقادرة على خلق فرص شغل قارة. فكل دولار أو أورو تم اقتراضه يجب استثماره في الدورة الاقتصادية، بحيث تتم مضاعفته 3 أو 4 مرات حسب القطاع. هذه هي المقاربة التي يجب أن تنهجها كل حكومة جادة ومسؤولة. ولن يتأتى للحكومة مضاعفة الدولار المقترض إلا إذا تميزت بمستوى عال من الأداء الإداري والتخطيط الاستراتيجي والخبرة المالية والصناعية، وهي أمور لا أجدها في الأداء الجماعي للحكومة. فهي تعوض هذا النقص بخلافات داخلية تارة حول صندوق التنمية الفلاحية، وتارة أخرى حول موضوع الأساتذة المتدربين، وتضيع وقتا وجهدا ثمينين كان الأجدر توجيههما إلى الخارج لاستقطاب الاستثمارات المنتجة في إطار مشاريع واضحة وملموسة يمكن تمويلها جزئيا بالاقتراض.

  • هل صحيح أن الحكومة توظف أموال القروض في الاستهلاك عوض تمويل الاستثمار؟

هذا الأمر واضح في قانون المالية، وقد نبهنا إليه مرارا ولم تعترف الحكومة به في لجنة المالية إلا السنة الماضية، أي بعد 4 سنوات من الولاية الحكومية التي تمتد للتذكير على 5 سنوات.

  • هل يمكن القول إن الحكومة تدفع بالمغرب نحو المجهول، وسترهن مستقبل البلاد في الديون؟ وهل تجاوزت الخطوط الحمراء المسموح بها للمديونية؟

لقد أظهرت التجارب العالمية أنه لا توجد خطوط حمراء بهذا المفهوم في مجال المديونية، فكل بلد له مؤهلاته وقدراته الداخلية التي تسمح له بتجاوز المراحل الصعبة. ولعل أهم القدرات هي القدرة على إنجاز إصلاحات عميقة في الإدارة المركزية والجماعات الترابية، إضافة إلى القدرة على تنشيط عجلة الاقتصاد عن طريق رفع الطلب الخارجي عند وجود قطاع صناعي قوي قادر على التصدير التنافسي، أو الاعتماد على الطلب الداخلي عند وجود طبقة متوسطة تستهلك ما ينتجه البلد. فعندما يتحرك الاقتصاد، تستطيع الدولة تحصيل ميزانية أكبر من الضرائب وبذلك تسدد ديونها. إلا أن المؤسف في حالنا هو عدم استثمار ما اقترضناه في دعم صناعتنا أو تشجيع تكوين طبقة متوسطة بحجم كاف، والنتيجة هي تضاؤل الآمال في قدرتنا المستقبلية على التسديد. إن هذا التحليل المقتضب يمكننا من القول إننا وصلنا إلى الحدود الحمراء.

أفتاتي : «الاستدانة الخارجية يبررها حجم الاستثمارات التي جرى إطلاقها»

  • ما تعليقكم على ما كشفه تقرير المجلس الأعلى للحسابات بخصوص ارتفاع المديونية الخارجية؟

مؤشرات ارتفاع نسبة المديونية الخارجية، التي أشار إليها إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، صحيحة ونعتبرها طبيعية، لأنه في السابق كانت هناك أزمة، وبالتالي لم تكن هناك إمكانية تنمية المداخيل بالشكل المطلوب، ما جعل الاستدانة تكون في السنوات الماضية، من أجل تمويل صندوق المقاصة وغيره من الصناديق التي لم تكن استثمارية. لكن مع القانون التنظيمي الجديد للمالية، أصبح هناك خط أحمر يضبط معدل الاستدانة، ويضع سقفاً له.
لا يجب للمبالغ المستدانة، وفق المنظور الاقتصادي الجديد، أن تفوق معدل الاستثمار وإعادة أصل الدين. ولذلك فالاستدانة في الحكومة الحالية لا يمكنها سوى أن تخصص للاستثمار فقط، وهي استراتيجية جرى وضعها بعدما عرف المغرب، خلال السنوات الأخيرة، جدلا حادا حول الظرفية الاقتصادية والمالية ومدى قدرة الحكومة على مواجهتها، خاصة في ظل الصعوبات المالية التي سبق أن عاشها المغرب بعدما بلغ عجز الميزانية مستويات قياسية.

  • ألا يمكن اعتبار اعتماد الاستدانة من أجل الاستثمار، تبريرا للارتفاع المهول الذي عرفته المديونية؟

يجب أن نتساءل هل هذه المديونية منتجة، وتصرف أموالها على الاستثمار، أم أنها كانت تخصص لمجالات أخرى، كما كان يتم في أوقات سابقة؟ فاليوم لا يمكن للأموال التي يتم اقتراضها أن تخصص للاستهلاك، بل توجه إلى مجال الاستثمارات، من أجل أن تنمو المداخيل قصد معالجة كل المشاكل الاقتصادية التي كانت تعاني منها الحكومات السابقة.
فالحكومة الحالية نجحت، في سنتين فقط، في معالجة ملف المقاصة، وتفادت انهيار المالية العمومية عبر تغيير نظام الدعم عبر المقاصة لاستهداف مباشر للفئات المحتاجة من خلال عدة سياسات عمومية وبرامج حكومية واضحة، أنقذت المغرب من اختلال التوازنات الخارجية الذي يعني بشكل مباشر استنزاف الاحتياطي من العملة الصعبة، وبالتالي إضعاف قدرة الدولة على الاستيراد وعلى أداء الديون الخارجية، ما يفيد انعكاسا سلبيا مباشرا على الاقتصاد الوطني.

  • ألا ترى أن ارتفاع حجم الدين العمومي سيثقل كاهل الحكومات المقبلة؟

في أوقات سابقة، كان تضخم المديونية ناتجا عن تمويل مجالات استهلاكية غير مربحة، ونتائج الاستثمارات التي راهنت عليها الحكومة، لن تظهر الآن ولا يمكن لمسها، بل تتطلب وقتا، على الأقل خمس سنوات فما فوق، حتى تظهر فاعلية هذه الاستراتيجية التي راهنت عليها الحكومة.
ليس هناك أي مشكل في تقرير جطو، فحتى إن كانت المديونية مرتفعة، فلنبحث عن المجالات التي جرى استغلال أموالها فيها، وقبل ذلك يجب الرجوع إلى السنوات التي كانت فيها الاستدانة مرتفعة، ومقارنتها مع تلك المسجلة طيلة هذه السنوات.
الحكومة الحالية لن تترك أي تضخم في المديونية، وهذه الفكرة خاطئة، لأن مستوى عائدات الاستثمار سيكون مرتفعا. وكانت الحكومة الحالية مع بداية ولايتها سنة 2012 أمام مسارين متلازمين: استرجاع التوازنات المالية والموازناتية ووقف نزيف المالية العمومية من جهة، وإعطاء دينامية جديدة للاقتصاد الوطني عبر الاستثمار، من خلال دعم المقاولات ورفع حصة الصناعة ضمن حجم الاقتصاد الوطني وتشجيع التصدير.

السبيع : «تغطية عجز الميزانية بالديون الخارجية سيؤدي مستقبلا إلى كارثة»
حذر خالد السبيع، عضو لجنة المالية بمجلس النواب، عن الفريق الاستقلالي، من وقوع كارثة في المستقبل، بسبب الارتفاع المهول في المديونية، كما جاء في التقرير الذي قدمه إدريس جطو، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، أمام مجلسي البرلمان، والذي سجل أرقاما صادمة لتفاقم المديونية في عهد الحكومة الحالية.
وأوضح السبيع أن إشكال الاستدانة، إذا أخذناه مبدئيا كوسيلة من أجل تمويل الاقتصاد الوطني، ودعم الاستراتيجيات القطاعية التي لها قيمة مضافة، سواء على مستوى التشغيل أو على مستوى تحسين الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وتكون القروض بفوائد ميسرة، وتذهب إلى مشاريع اقتصادية واجتماعية تكون أكثر من الفوائد التي تم بموجبها تحصيل القروض، فهنا لا نرى إشكالا في ذلك، شريطة أن تكون بهامش مدروس، وألا تصل نسبة الاستدانة إلى مستويات مفرطة.
وأشار السبيع إلى أن المسألة الثانية تتمثل في أنه يجب أن لا تتعدى نسبة المديونية 65 في المائة من الناتج الداخلي الخام، لكي لا نهضم حقوق الأجيال القادمة، لأن استدانة الحكومة الحالية ستؤدي ثمنها الحكومات والأجيال المقبلة، مضيفا قوله: «ونحن لا نرى مانعا في الاستدانة المرشّدة شريطة توجيهها للاستثمار، أما إذا كانت ستخصص للتسيير أو أداء أجور الموظفين أو مشاريع ذات مردودية ضعيفة أو مشكوك فيها، فنحن ضدها»، مؤكدا أن الإشكال الموجود اليوم لدى حكومة عبد الإله بنكيران، هو أن استدانتها يتم توجيهها أساسا لتمويل الخزينة وليس لدعم الاستثمار أو القطاعات الاجتماعية.
واسترسل السبيع بالتأكيد على أن الحكومة الحالية لديها عجز في الميزان التجاري والسيولة. ولمعالجة ذلك تلجأ إلى الاستدانة لتعزيز رصيد الاحتياطي من العملة الصعبة، وهذه مسألة اعتبرها خطيرة، ونبه لها البرلمان عدة مرات ويؤكدها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، لأن الحكومة، حسب قوله: «تقوم بوضع مهدئات عن طريق الاستدانة لمعالجة العجز الحاصل في الميزانية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى كارثة مستقبلا».
وأشار السبيع إلى أن الحكومة تبرر لجوءها إلى الاستدانة بكونها لا تتوفر على موارد مالية من الخوصصة، مقارنة باستفادة الحكومات السابقة من موارد مالية من عائدات الخوصصة، ولا يمكن للحكومة أن تؤدي عملها إلا باللجوء إلى الاستدانة، وهو ما اعتبره السبيع أمرا خاطئا، موضحا أن الحكومات السابقة، ورغم استفادتها من عائدات الخوصصة، فإن هذه العائدات تم توجيهها لمؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاقتصادية والاجتماعية، التي مولت مشاريع كبيرة جدا، والتي تعالج اليوم مشكل العائدات الجبائية، وتشكل المنتج الوحيد للشغل اللائق والقار، وبالتالي، يقول السبيع: «لا يمكن أن نبرر اللجوء إلى الاستدانة بعدم توفر موارد الخوصصة»، داعيا الحكومة إلى الانتباه لعجز الميزان التجاري وتدعم الصادرات، وهذه «إشكاليات لا يمكن أن نعالجها فقط بالاستدانة، إلا أن الحكومة اختارت الوسيلة السهلة لمعالجة مكامن الخلل في الاقتصاد الوطني، في حين أنه كانت هناك إجراءات يجب الحرص من خلالها على تحقيق تنمية اقتصادية تضمن وجود موارد قارة تعالج الشح الموجود في السيولة».

3 أسئلة لبوعزة خراطي : «الحكومة تستهدف المواطنين وتهدد الاستقرار الاجتماعي بسبب ارتفاع المديونية الخارجية»

  • بماذا يمكن تفسير ارتفاع المديونية الخارجية في ظل الحكومة الحالية؟

  إن السؤال المطروح والعريض، هو أن هذه المديونية التي تصل إلى 63 في المائة من الناتج الوطني الداخلي الخام سنة 2015، في الوقت الذي تحدد المعايير الدولية معدل 60 في المائة كحد أعلى للحديث عن إفلاس الدولة، وبالتالي فكيف يعقل أنه في الوقت الذي كانت الحكومة ترتكز على معطى أن المغرب لا يتوفر على حقول نفط وبالتالي فهو يستورد حاجياته من المحروقات، وتركز في تبرير الحاجة إلى الاستدانة الخارجية في ارتفاع ثمن هذه المحروقات في السوق الدولية، وحاجتها إلى تأدية الفارق من خلال صندوق المقاصة، ما جعل الدولة تنفق الكثير من الأموال، الأمر الذي اضطرها إلى الاستدانة من الخارج لتغطية العجز، نجد اليوم أن الحكومة تخلت عن صندوق المقاصة وأعبائه المالية، وبالتالي فهي تحررت من التزامات دعم المحروقات، بالإضافة إلى الانخفاض الكبير الذي شهده سعر النفط في السوق العالمية، في مقابل عدم انخفاض سعره في السوق الوطنية، ما يعني أن هناك هامش ربح ومبالغ مهمة تتلقاها الحكومة، ما زال السؤال المطروح اليوم بقوة، هو أين يتم صرف هذه الأموال، خصوصا مع تراجع ميزانية الاستثمار؟

  • هل الحكومة فشلت في استغلال الظرفية الاقتصادية العالمية لخفض أسعار المحروقات والمواد الاستهلاكية؟

  يجب الإشارة إلى أن هناك الكثير من الأسئلة التي تطرح على هذه الحكومة، على اعتبار أن الحزب الحاكم دعا عندما كان في المعارضة إلى خفض المديونية الخارجية، بل كان ينتقد ما اعتبره ارتفاعا غير معقول لها خلال ولايات الحكومات السابقة، ونجد اليوم أنه قد رفع من هذه المديونية إلى مستويات غير مقبولة، وتشكل خطرا على الاقتصاد الوطني، وذلك رغم الظرفية الاقتصادية العالمية المريحة جدا، بسبب ما ذكرت من انهيار لأسعار النفط في السوق الدولية، والتي وصلت أدنى مستوياتها لأول مرة في تاريخ سوق النفط العالمية، بالإضافة إلى تحسن في الأسعار الدولية للعديد من المنتجات، وبالتالي فالظرفية الاقتصادية كانت مواتية جدا لهذه الحكومة من أجل خفض المديونية الخارجية، وهو ما لم نشهده، بل على العكس ارتفعت هذه المديونية إلى مستويات خطيرة، وباتت الحكومة تلجأ إلى جيوب المواطنين عبر قرارات تهدد وتضرب القدرة الشرائية، ما جعل المستهلك المغربي أمام أزمة حقيقية تمتد من جانبها الاقتصادي لتصل إلى جوانب اجتماعية، بدأت تتجلى في تفشي الغش في السلع وارتفاع الاعتداءات والفقر وما إلى ذلك.

  • هل القرارات الاقتصادية للحكومة لها تأثيرات ذات بعد اجتماعي؟

  بطبيعة الحال قرارات الحكومة ذات البعد الاقتصادي لها امتدادات اجتماعية، فلا يمكن الحسم بأن ارتفاع العديد من المظاهر من قبيل السرقة والفقر والتسول، لا يرتبط بالقرارات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة، بارتفاع المديونية الخارجية يلزم الحكومة بتأدية تلك القروض بفوائدها للمؤسسات المالية العالمية، ومن أجل هذا تتخذ قرارات من قبيل تحرير قطاع المحروقات ورفع الدعم عن قنينات الغاز، وهو المسار الذي بدأت تسلكه الحكومة كما سبق واتخذت التوجه نفسه مع رفع الدعم عن المحروقات. وكل هذه القرارات بموازاة تراجعها عن خلق مناصب الشغل بالعدد الذي يستوعب، أو على الأقل يخفف من حجم البطالة التي تعانيها الكثير من الفئات النشيطة وعلى الأخص الشباب والخريجين، تدفع إلى ما قد نسميه الانفجار الاجتماعي، وما سيكون نتيجة «سياسة اتيلا»، الذي ينبت العشب من مكان مر منه، وهي السياسة التي تتخذها الحكومة، والتي تتحمل المسؤولية عن الأوضاع الحالية، حيث إن هناك أزمة اقتصادية محضة تدفع إلى أزمة اجتماعية مما يفضي إلى وجود عدم استقرار اجتماعي، في الوقت الذي نسجل انفصام الشخصية لدى هذه الحكومة، التي تطبق سياسة النظام الحر الليبرالي المتوحش، في الوقت الذي تروج لحوار سياسي على أنها تدعم الطبقات الضعيفة والمعوزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى