إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
صدرت، أخيرا، تقارير عن مؤسسات مالية ودستورية وطنية، نذكر منها المجلس الأعلى للحسابات، وبنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط، كلها أجمعت على خطورة ارتفاع المديونية خلال السنوات الأخيرة، ودقت ناقوس الخطر بخصوص المستوى الذي وصلت إليه متجاوزة كل الخطوط الحمراء المسموح بها. وبذلك، تكون الحكومة تدفع بالبلاد نحو المجهول، وترهن مستقبل أجيال من المغاربة بسبب ذلك، ستؤدي ثمنها الحكومات المقبلة. والخطير في الأمر أن الحكومة توظف أموال القروض في الاستهلاك عوض تمويل الاستثمار أو القطاعات الاجتماعية، لأن هذه الأموال تخصص للتسيير أو أداء أجور الموظفين أو مشاريع ذات مردودية ضعيفة أو مشكوك فيها، وهذا هو الإشكال المطروح.
مؤسسات تدق ناقوس الخطر
قبل صدور التقرير السنوي الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، والذي دق ناقوس الخطر بخصوص ارتفاع المديونية، استقبل الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بتطوان، بمناسبة ذكرى عيد العرش، عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، الذي قدم له التقرير السنوي للبنك المركزي حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية برسم سنة 2018. وفي معرض كلمته أمام الملك، أشار الجواهري إلى أن نمو الاقتصاد الوطني بلغ 3 بالمائة، في محيط دولي محفوف بالشكوك، مؤكدا أن المستوى الذي وصلت إليه المديونية، والذي يستلزم المزيد من اليقظة، أمر لا يمكن التغاضي عنه.
وعلى غرار التقارير السابقة، دق إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، ناقوس الخطر بخصوص الصعوبات التي تواجه المالية العمومية في ظل تنامي عجز الميزانية وارتفاع المديونية الخارجية التي وصلت إلى مستويات قياسية. وأوضح التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات، أن تنفيذ قانون المالية لسنة 2018 عرف تسجيل عجز في الميزانية بلغ 41.353 مليون درهم، مقابل تقديرات أولية في حدود 33.274 مليون درهم، أي بفارق بلغ 8.079 ملايين درهم. ويعزى ذلك أساسا، حسب التقرير، إلى ارتفاع في النفقات الإجمالية (زائد 2.777 مليون درهم) وانخفاض في منتوج المداخيل العادية (ناقص 2.891 مليون درهم) وفي الحصيلة الصافية للحسابات الخصوصية للخزينة (ناقص 2.411 مليون درهم).
وأشار التقرير إلى أنه، مقارنة بالناتج الداخلي الخام، فقد ناهز عجز الميزانية نسبة 3,7 بالمائة مسجلا ارتفاعا بحوالي 0,2 نقطة مئوية مقارنة مع سنة 2017، وتغييرا لمنحاه التنازلي الذي شهده خلال السنوات الفارطة، والتي عرف خلالها انخفاضا من مستوى 6,8 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2012 إلى نسبة 3,5 بالمائة سنة 2017.
وأكد التقرير أن مالية الدولة تواجه صعوبات أخرى، تتجلى أساسا في عدم التحكم في ارتفاع ديون الخزينة، والتي بلغت عند متم 2018 ما قدره 722,6 مليار درهم، بنسبة ارتفاع تناهز 4,4 بالمائة مقارنة مع سنة 2017، فيما تضاعف جاري دين الخزينة أكثر من مرتين ما بين سنتي 2009 و2018 بمعدل ارتفاع سنوي نسبته 8,6 بالمائة. ولمواجهة هذه الصعوبات، يؤكد التقرير، يتوجب إرساء حكامة جيدة على مستوى كل وظائف الدولة من تخطيط وبرمجة وتنفيذ ومراقبة وتقييم للبرامج والعمليات التي تنجزها الأجهزة العمومية.
وفضح التقرير تلاعب الحكومة بالأرقام والمعطيات، وأشار إلى أنه يتم إعداد التقارير حول تنفيذ ميزانية الدولة بناء على وضعية تكاليف وموارد الخزينة التي تنشرها مديرية الخزينة والمالية الخارجية، وكذا النشرة الشهرية لإحصائيات المالية العمومية التي تصدرها الخزينة العامة للمملكة. وسجل المجلس غياب الانسجام على مستوى بعض المعطيات المتعلقة بالتوقعات والإنجازات الواردة في كلا البيانين، ويؤدي غياب هذا الانسجام إلى ضعف مقروئية وصعوبة استغلال المعطيات المتعلقة بميزانية الدولة، خصوصا وأن الفروق المسجلة، والتي تكون في الغالب غير مفسرة، تهم عدة مؤشرات، منها ما هو أساسي للقيام بتحليل سليم لنتائج تنفيذ الميزانية، وعلى سبيل المثال، حدّدت وضعية تكاليف وموارد الخزينة مجموع المداخيل العادية المنجزة خلال سنة 2017 في مبلغ 229.886 مليون درهم مقابل 222.724 مليون درهم تم تسجيلها في التقارير الصادرة عن الخزينة العامة للمملكة، أي بفارق بلغ 7.162 ملايين درهم، كما تم تسجيل الحالة نفسها بالنسبة للرصيد العادي الذي حدد في مبلغ 24.125 مليون درهم على مستوى وضعية تكاليف وموارد الخزينة مقابل مبلغ 15.826 مليون درهم الوارد في النشرة الشهرية لإحصائيات المالية العمومية، أي بفارق 8.299 ملايين درهم.
وخلص التقرير إلى أن مسعى خفض نسبة دين الخزينة على الناتج الداخلي الخام إلى 60 في المائة في أفق سنة 2021، والمحدد ضمن برنامج الحكومة للفترة 2017-2021، يبقى صعب المنال في حال تفاقم العجز واستمرار النهج التصاعدي للمديونية، بالمقابل استمرت تكلفة الدين التي بلغت ذروتها سنة 2013، في التراجع مسجلة سنة 2017، ما مجموعه 127.871 مليون درهم أي بانخفاض قدره 1.105 مليون درهم مقارنة مع سنة 2016 التي سجلت 128.976 مليون درهم. ويعزى هذا الانخفاض أساسا إلى تراجع تكاليف استهلاك أصل الدين التي انخفضت بمبلغ 1.247 مليون درهم مقارنة مع سنة 2016، في حين لم تسجل تكاليف الفوائد تغييرا ملحوظاً، إذ ارتفعت بـمبلغ 142 مليون درهم، أي بنسبة 0,5 في المائة مقارنة مع سنة 2016.
العثماني على نهج بنكيران
أكدت وزارة الاقتصاد والمالية، في تقارير تعدها مديرية الخزينة العامة، أن جاري الدين الداخلي للمغرب بلغ خلال السنة الماضية 545,3 مليار درهم، بارتفاع معدله 4,9 في المائة مقارنة مع سنة 2017. وأرجعت الوزارة سبب ارتفاع منسوب الدين الداخلي إلى اقتراض الخزينة من السوق المحلي لمبالغ تقدر بنحو 25,5 مليار درهم نتيجة لطرحها عبر سندات الخزينة لأزيد من 100,6 مليار درهم وتسديدها لحوالي 75,1 مليار درهم. وأكدت بيانات مديرية الخزينة الخاصة أن نفقات خدمة ديون الخزينة ارتفعت بنسبة 0,7 في المائة لتصل إلى 26 مليار درهم كفوائد عوض 25,7 مليار درهم المسجلة في التاريخ نفسه من العام الماضي، وابتلعت فوائد الديون الداخلية وحدها 23 مليار درهم بارتفاع معدله 0,6 في المائة، بالمقابل ارتفعت كلفة فوائد المديونية الخارجية بمعدل 1,1 في المائة لتناهز 3 مليارات درهم عوض 2,9 مليار درهم المسجلة في نفس التاريخ من العام الماضي.
وكشف تقرير حول الدين العمومي مرفق بمشروع قانون المالية لسنة 2019، أن حجم الدين الخارجي العمومي، الذي يتكون من حجم الدين الخارجي للخزينة وحجم الدين الخارجي لباقي المقترضين العموميين (الديون الخارجية للمؤسسات والمقاولات العمومية والدين الخارجي المضمون للجماعات الترابية والبنوك العمومية والمؤسسات ذات المنفعة العمومية) حوالي 332,6 مليار درهم نهاية سنة 2017، مسجلا بذلك ارتفاعا قدره 20,1 مليار درهم أو 6,4 في المائة مقارنة مع المستوى المسجل لسنة 2016. ويرجع هذا التطور، حسب المصدر ذاته، إلى ارتفاع حجم الدين الخارجي للخزينة بحوالي 7,3 في المائة وحجم الدين الخارجي لباقي المقترضين العموميين بحوالي 5,7 في المائة ليصلا على التوالي، إلى 153,2 مليار درهم و179,4 مليار درهم بمتم سنة 2017. ورغم التحذيرات التي أطلقها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير، تسير حكومة العثماني على نهج حكومة بنكيران السابقة، بإغراق البلاد بالديون الخارجية، حيث كشف تقرير حول الدين العمومي، أن حجم دين الخزينة بلغ، إلى متم شهر يونيو الماضي، ما يقارب 706,8 مليارات درهم، مقارنة مع 692,3 مليار درهم لسنة 2017، أي بزيادة قدرها 14,5 مليار درهم، بنسبة 2 في المائة.
وعلى عكس ذلك، نفى رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أثناء تقديم الحصيلة المرحلية لحكومته، ارتفاع نسبة المديونية، ورفض تحميل الحكومة هذه الوضعية، مشيرا إلى أن المؤشرات المسجلة تؤكد عكس ذلك تماما. ذلك أن نسبة مديونية الخزينة انخفضت من 65.1 بالمائة سنة 2017 إلى 64.7 بالمائة سنة 2018. وسمح هذا التطور الإيجابي بوضع حد للمنحى التصاعدي الذي تعرفه بلادنا منذ 2009 لهذه المديونية نسبة إلى الناتج الداخلي الخام. وأكد على أن سبب مستوى المديونية الحالي لا يرجع إلى عجز السنتين أو السنوات الثلاث الأخيرة، وإنما إلى تراكم نسب العجز المرتفعة المسجلة خلال سنوات خلت. وتم تحقيق هذه النتائج الهامة بفضل الإصلاحات والتدابير والإجراءات المتخذة، علما أن التحكم في المديونية من الأهداف الأساسية في البرنامج الحكومي.
وأوضح العثماني أنه بين عامي 2009 و2012، زادت المديونية بأكثر من 12 نقطة مئوية من الناتج الداخلي الخام، بينما انخفضت، ولأول مرة، بنسبة 0.4 نقطة سنة 2018. أما الباقي، فمجرد تأويلات ولي لعنق الأرقام والمعطيات، وأضاف «لقد اكتفينا في هذا المقام بذكر مديونية الخزينة، لأنها هي التي تدخل مباشرة تحت مسؤولية الحكومة، إذ التزمت في برنامجها الحكومي بخفضها إلى 60 بالمائة، كما أن هذا المؤشر هو الذي يمكن من إجراء المقارنة وتتبع تطوره على مدى عشر سنوات». ونبه العثماني إلى ثلاث ملاحظات إضافية، الأولى تتعلق بكون القانون التنظيمي للمالية يمنع توجيه الاقتراض إلى التسيير، وثانيا أن هذه التمويلات يتم توجيهها أساسا للاستثمار في مجالات استراتيجية، خاصة منها الطاقة الشمسية، والسكك الحديدية، والموانئ والمطارات والطرق السيارة وغيرها، وثالثا أن الولوج إلى الاستدانة يعكس الثقة في بلادنا وقدرة المالية العمومية على تسديد هاته الديون.
لكن المندوبية السامية للتخطيط أكدت، من جانبها، أن الدين الداخلي للخزينة سيعرف ارتفاعا بـ 4 في المائة مقارنة بمستواه المسجل سنة 2018 ليصل إلى 51,6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2019، مضيفة أن الدين الخارجي للخزينة سنة 2019 سيسجل زيادة بـ 7,4 في المائة عوض انخفاض بـ 3,4 في المائة سنة 2018، حيث سيمثل 21 في المائة من الدين الإجمالي للخزينة و13,7 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 20,5 في المائة و13,3 في المائة على التوالي خلال السنة الماضية، واستنتج أن معدل الدين الإجمالي للخزينة سيترفع ليبلغ 65,3 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 64,9 في المائة سنة 2018.
وأفادت المندوبية بأنه، بناء على حصة الدين الخارجي المضمون من طرف الدولة التي ستستقر في حدود 16 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2019، سيرتفع الدين العمومي الإجمالي، ليصل معدله إلى حوالي 81,3 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 73,4 في المائة و60,2 في المائة كمتوسطات سنوية خلال الفترة 2010-2017 والفترة 2005-2009 على التوالي.
مؤسسات ومقاولات تغرق في الديون
أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريرا صادما عن وضعية المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب، ودق إدريس جطو، الرئيس الأول للمجلس، ناقوس الخطر، محذرا من شبح الإفلاس الذي يواجه هذه المؤسسات الاستراتيجية، وأوصى بإعادة النظر في نظام الرواتب والأجور المتعلقة بمسيري المؤسسات والمقاولات العمومية.
وكشف التقرير عن أرقام صادمة حول ارتفاع المديونية في المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب، وأشار إلى أن حجم المديونية في القطاع العمومي في تزايد مستمر منذ سنة 2000، حيث سجل قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية ارتفاعا مستمرا لمديونيته، وصل ما مجموعه 245,8 مليار درهم سنة 2015، وهو ما يشكل 25 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. وأكد التقرير أن حجم مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية، سجل ارتفاعا بنسبة 321 في المائة بالمقارنة مع سنة 2004، مشيرا إلى أن هذه النسبة تشكل «مصدر هشاشة للقطاع بكامله».
وذكر تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن إجمالي المديونية في المؤسسات العمومية، تطور من 221 مليار درهم سنة 2008، إلى أزيد من 245 مليار درهم السنة الماضية.
وفي ما يخص بنية مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية، أشار التقرير إلى أن الدين الخارجي أخذ في الارتفاع منذ سنة 2008، ومع نهاية سنة 2015، بلغ ما مجموعه 160 مليار درهم، وهو ما يشكل 65 بالمائة من مجموع دين المؤسسات والمقاولات العمومية، ويبلغ مجموع الدين المضمون من قبل الدولة 105 مليارات درهم.
وحذر التقرير من الارتفاع المضطرد لمديونية المؤسسات والمقاولات العمومية، وذلك منذ سنة 2011، التي تزامنت مع السنة الأولى لتنصيب الحكومة السابقة بقيادة حزب العدالة والتنمية. واعتبر التقرير أن هذا الارتفاع يشكل إحدى المخاطر التي تهدد المالية العمومية، وذلك لالتزام ميزانية الدولة بتحمل أقساط الديون المضمونة في حال عدم قدرة بعض الهيئات على سداد ما بذمتها.
الحكومة تدفع البلاد نحو المجهول
يرجع مصدر القلق من الارتفاع المهول للمديونية، إلى أن القروض سترهن مستقبل البلاد والحكومات المقبلة في الديون الخارجية، خاصة أن المديونية تجاوزت الخطوط الحمراء المسموح بها، وذلك بوصول نسبتها إلى ما يزيد عن 91 في المائة من الناتج الداخلي الخام، في حين وضع البرلمان، في قانون المالية الحالي، نسبة 60 في المائة كسقف لا يمكن تجاوزه بالنسبة للقروض الخارجية. وعند تشكيل النسخة الأولى من الحكومة، كانت المديونية لا تتجاوز نسبة 51 في المائة، ناهيك عن أن جميع الحكومات السابقة لم تتجاوز نسبة 60 في المائة التي يحددها البرلمان سنويا، لكن في عهد حكومة بنكيران عرفت المديونية ارتفاعا ملحوظا، حيث انتقل من 743 مليار درهم سنة 2014 إلى807 مليارات درهم سنة 2015، أي بقيمة تجاوزت 64 مليار درهم، ويمثل 81,3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. والمثير أن الحكومة لا توظف هذه القروض في الاستثمارات، من أجل زيادة نسبة النمو وانتعاش الدورة الاقتصادية، لكنها تقوم بتوظيف هذه القروض في نفقات التسيير.
وتضمن تقرير سابق للمجلس الأعلى للحسابات انتقادات وتوصيات تهم ارتفاع حجم المديونية الداخلية والخارجية، وخاصة اللجوء المفرط للاقتراض الخارجي منذ سنة 2012، التي تزامنت مع السنة الأولى من عمر حكومة بنكيران. وكشف المجلس جملة من الاختلالات التي تهم المديونية الداخلية والخارجية، وأوصى السلطات العمومية بإرساء تأطير أفضل لمستوى المديونية، وإعادة النظر في تأطيرها المؤسساتي، وبالخصوص إقرار فصل بين مستوى التدبير التنفيذي للدين ومستوى اتخاذ قرار سياسة المديونية.
وذكر التقرير أنه منذ سنة 1993، تميز تدبير الديون بتبني مقاربة جديدة قائمة على توزيع جديد بين الموارد الداخلية والخارجية من أجل تقليص ثقل الدين الخارجي وتكاليفه للوصول إلى مستوى مقبول. ومكنت هذه المقاربة من تخفيض الدين الخارجي للخزينة من 80 بالمائة من دينها الإجمالي سنة 1984، إلى حوالي 24 بالمائة سنة 2012، حيث تم تعويض هذا الدين تدريجيا باللجوء المكثف إلى المصادر الداخلية، مما نتج عنه تزايد الدين الداخلي من 20 بالمائة سنة 1984 إلى 76 بالمائة من دين الخزينة سنة 2012.
وأورد تقرير المجلس الأعلى للحسابات أنه، إلى غاية نهاية 2012، بلغ مخزون دين الخزينة الداخلي والخارجي ما مجموعه 493,67 مليار درهم مقابل 327,52 مليار درهم سنة 2005 بزيادة 50 بالمائة. أما نسبة دين الخزينة من الناتج الداخلي الخام، فسجلت تراجعا ملحوظا منذ 2009، إذ انتقلت من 46,9 بالمائة إلى 59,6 بالمائة نهاية 2012. وأكد التقرير أن حجم الدين العمومي وصل، خلال نهاية سنة 2012، إلى 589 مليار درهم، ممثلا بذلك أكثر من 71 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، بزيادة أكثر من 7 نقط بالمقارنة مع 2011.
وكشف إدريس جطو، رئيس المجلس، أرقاما مخيفة حول ارتفاع المديونية في عهد الحكومتين السابقة والحالية، بتأكيده على أن دين الخزينة واصل وتيرته التصاعدية، إذ بلغ مع نهاية 2017 ما يناهز 692,3 مليار درهم بنسبة 65,1 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مسجلا مديونية إضافية تناهز 35 مليار درهم. وأضاف جطو أن مديونة المؤسسات والمقاولات العمومية، بشقيها المضمون وغير المضمون من طرف الدولة، واصلت ارتفاعها، إذ بلغت مع متم 2017 ما يناهز 277.7 مليار درهم بنسبة 26.1 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وبزيادة قدرها 16.5 مليار درهم مقارنة مع سنة 2016، مشيرا إلى أن الدين الخارجي يشكل جزءا مهما من مديونية هاته المؤسسات والمقاولات، إذ بلغ سنة 2017 ما قدره 178.3 مليار درهم، وهو ما يمثل نسبة 53.9 في المائة من الدين العمومي الخارجي.
وسجل جطو أنه، بناء على هذه المعطيات، فقد ارتفع الحجم الإجمالي لمديونية القطاع العام من 918.2 مليار درهم سنة 2016 إلى 970 مليار درهم مع متم 2017، أي بزيادة 51.8 مليار درهم في ظرف سنة واحدة، بينما انتقلت حصته من الناتج الداخلي الخام إلى 91.2 في المائة، وقال: «إذا كانت كلفة الدين العمومي عرفت بعض التحسن خلال الأربع سنوات الأخيرة، فإن حجم المديونية، على العكس، واصل منحاه التصاعدي خلال الفترة ما بين 2010 و2017، إذ انتقلت مديونية الخزينة من 384,6 مليار درهم إلى 692,3 مليار درهم، والمديونية العمومية من 534,1 مليار درهم إلى 970 مليار درهم، أي بتحملات إضافية بلغت 435,9 مليار درهم، بمعدل يناهز 55 مليار درهم سنويا، بالرغم من الظرفية الملائمة التي تميزت بتنامي موارد المساعدات الخارجية وبتراجع أسعار بعض المواد الأساسية في الأسواق العالمية وانخفاض نفقات المقاصة، حيث تراجعت نسبتها مقارنة بالنفقات العادية من 25,4 في المائة سنة 2012 إلى 5,5 في المائة مع نهاية سنة 2017.
وأثناء مناقشة قانون المالية، حذرت مختلف الفرق البرلمانية من خطورة ارتفاع حجم المديونية الخارجية، وجر البلاد نحو المجهول، على اعتبار أن الحكومة السابقة اقترضت خلال سنتين فقط مجموع ما اقترضته حكومات عبد الرحمان اليوسفي وإدريس جطو وعباس الفاسي خلال 10 سنوات. وأكد برلمانيون أن الاستدانة المفرطة ستترتب عليها حتما مخاطر عديدة، بينها مخاطر التضخم وآثاره الانكماشية على الاقتصاد الوطني، ومخاطر فقدان الخزينة لسيولتها ومقدرتها على الوفاء بالتزاماتها، ومخاطر تعذر إعادة تمويل الدين العمومي نظرا لتقلص مدة القروض إلى 5 سنوات في المعدل، إضافة إلى المخاطر المحدقة بسيادة القرار المالي الوطني وبالأجيال القادمة. وأمام هذا الانفجار المخيف للمديونية، طالب برلمانيون بلجم الحكومة من خلال سن تشريعات لتسقيف حجم الدين بهدف تجنب التجاوزات المالية الصادرة عن حكومات لا تعير اهتماما بالغا للتوازنات ولا تتقيد بمبادئ الحكامة المالية الجيدة. ولذلك بادرت فرق المعارضة البرلمانية إلى اقتراح تعديلات على مشروع قانون المالية، خلال السنوات الأخيرة، تهدف، من جهة، إلى تسقيف مديونية الخزينة وحجم الدين العمومي المرخص به، وإلى التنصيص على ضرورة طلب الإذن من البرلمان كلما استدعت الضرورة تجاوز السقف المرخص به، تفعيلا لروح ومضامين الفصل77 من الدستور، الذي ينص على المسؤولية المشتركة للحكومة والبرلمان في الحفاظ على توازن مالية الدولة، إلا أن هذه التعديلات المقترحة قوبلت برفض الحكومة.
إدريس الفينة : أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي
«ارتفاع المديونية مرتبط بصرف الديون الخارجية في تمويل عجز الميزانية بدل الاستثمار المنتج»
1 – ما دلالات المؤشرات الاقتصادية حول ارتفاع المديونية الخارجية؟
إن المؤشرات الاقتصادية تستوجب قراءة أولى للجانب المتعلق بتدبير المديونية، إذ إن المشكل لا يكمن في المديونية أو ارتفاعها في حد ذاتها، بل في طريقة وسبل تدبير وصرف الديون التي تحصل عليها البلاد، وحول ما إذا كانت هذه الديون تصرف للتسيير أو الاستثمار، هل في تمويل مشاريع ذات مردودية أم في أداء بعض الالتزامات المالية على كاهل الدولة أو تمويل عجز الميزانية، وهو الأمر الأساسي ومثار السؤال في هذا الموضوع. أما الحديث عن ارتفاع سقف المديونية، فهذا غير سليم، دون ربط الأمر والموضوع بهذا الجانب الذي ذكرت والمتعلق بتدبير تلك الديون، على اعتبار أن الحكومة مطالبة بتمويل ميزانيتها والبحث عن سبل التمويل. وما يمكن الوقوف عليه في هذا الباب، خصوصا في مؤشر مردودية الاستثمارات، هو أن هذه المردودية ضعيفة، زيادة على عنصر مهم جدا وهو المداخيل الضريبية التي تعكس الآثار الإنتاجية لاستثمارات الدولة، والتي يجب أن تعود بمردودية على خزينة الدولة بمردودية عالية، وهو ما لا نسجله في هذا الجانب، إذ إن المداخيل الضريبية متدنية جدا والمردودية الاستثمارية ضعيفة، بالإضافة إلى مؤشر الاستثمار في المغرب على الناتج الداخلي الخام، والذي يسجل مستوى ضعيفا جدا بالمقارنة مع المعدل العالمي، في الوقت الذي يطرح السؤال حول السبب الكامن وراء عدم منح البنوك للقطاع الخاص التمويل الكافي من أجل تعويض استثمارات الدولة.
2 – هل يهدد معدل المديونية الحالية بخطر العودة إلى التقويم الهيكلي؟
إن ارتفاع المديونية لا يشكل الخطر الكبير كما ذكرتم، ما لم يكن السؤال مرتبطا بأوجه توظيف تلك الديون، لكن الحديث عن إجراءات أو خطر الوصول إلى مرحلة يلزمنا فيها الخضوع لتوصيات البنك الدولي أو صعوبات في أداء القروض الخارجية، فيحيلنا إلى المؤشرات الاقتصادية حول احتياطي العملة الصعبة. وهنا تجب العودة تحديدا للأرقام المعلنة من لدن بنك المغرب، لنعرف أن معدل احتياطي العملة الصعبة بالنسبة للمغرب في مستوى جيد، لكن المشكل الذي يجب الوقوف عليه في هذا السياق، هو مشكل فعالية السياسات العمومية، وهو الذي كان أشار إليه الملك في خطابته الأخيرة، لأنه يمكن اليوم الحديث عن رداءة في السياسة العمومية مرده إلى غياب المردودية، وغياب الكفاءات وضعف عدد من المسؤولين في عدد من القطاعات، وغياب الاستراتيجيات والخطط، ما يؤدي إلى ضعف السياسة العمومية، وهو الأمر الذي ينعكس على المؤشرات الاجتماعية، من قبيل ارتفاع البطالة وضعف الدخل الفردي، وينعكس بدوره على الجانب الاقتصادي والهشاشة الاجتماعية، وهي المشاكل التي تستوجب الإجابة عن أسئلة واقعية وصحيحة.
3 – هل يمكن الحديث، إذن، عن فشل السياسات الاقتصادية للحكومة؟
إن ما تمكن ملاحظته بكل تجرد، في إطار الحديث عن السياسة الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، أنه منذ سنة 2008 إلى سنة 2009، أي منتصف ولاية حكومة عباس الفاسي، بدأت المؤشرات الاقتصادية في التدهور، وزادت هذه المؤشرات تدهورا مع حكومة عبد الإله بنكيران، وواصلت منحاها التراجعي مع الحكومة الحالية. وإجمالا يمكن القول إن هناك منحى مقلقا للمؤشرات الاجتماعية والاقتصادية المغربية، وهذا المنحى يتطلب الاستعجال وأخذ قرارات لتغييره، وإلا فإن المغرب سيواجه صعوبات أكبر. وبالوقوف على نقطة مهمة، وهي المتعلقة بالاستثمارات الخارجية، فإنه من غير الصحيح الحديث عن تحسن مناخ الاستثمار، على اعتبار أن المشكل الأساسي الذي يواجه البلاد هو ضعف الاستثمارات، إذ إن معدل الاستثمار الفردي، الذي هو مجموع الاستثمار الوطني مقسوم على عدد السكان، هو من أضعف المعدلات في العام بالمقارنة مع الدول المشابهة اقتصاديا للمغرب، والسبب بسيط جدا لأن المغرب يشتغل على الواجهة الخارجية، ويمكن القول إن مناخ الاستثمار في المغرب رديء بالمقارنة مع دول أخرى.
المديونية الداخلية.. أرقام مقلقة
اقتربت المديونية الداخلية للخزينة عند نهاية الشهرين الأولين من سنة 2019، من سقف 555 مليار درهم (554.9 مليار درهم)، بزيادة بنسبة 1.1 في المائة، مقارنة مع مستواها خلال نهاية دجنبر 2018، وحصلت الخزينة، خلال الفترة ذاتها، حسب المعطيات الأخيرة للخزينة العامة للمملكة، على 22 مليارا و 900 مليون درهم وأدت 17 مليارا و100 مليون درهم، ما يمثل زيادة في حجم الدين الداخلي بحوالي 5 ملايير و 800 مليون درهم.
وتمثل القروض التي تصل مدة استردادها خمس سنوات فما فوق أزيد من 86 في المائة من الحجم الإجمالي للدين الداخلي.
وقرر المغرب اللجوء إلى الأسواق الخارجية من أجل الحصول على 22 مليار درهم، نصفها سيتم خلال السنة الجارية، والنصف الثاني في السنة الموالية، ليرتفع الدين الخارجي للخزينة إلى أزيد من 160 مليار درهم، وبذلك تقفز المديونية الإجمالية إلى الخزينة إلى حوالي 67 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي. ويرتقب أن تتواصل وتيرة الدين الداخلي في الارتفاع، بالنظر إلى أن الحكومة أصبحت تفضل اللجوء إلى السوق الداخلية من أجل تقليص انعكاسات أداء الدين الخارجي على توازنات الميزانية وميزان الأداءات، لكن المقاربة التي اعتمدت في مجال المديونية جعل الدولة في منافسة غير متكافئة مع مقاولات القطاع الخاص، إذ أصبحت البنوك تفضل توظيف ودائعها في سندات الخزينة، بدل منح القروض للمقاولات الخاصة، لأن إقراض خزينة الدولة أكثر أمنا وضمانة من استرداد قروضها، في حين أن المخاطر تكون كبيرة بالنسبة إلى المقاولات الخاصة.
وأمام الارتفاع المهول للمديونية الداخلية، وجّه والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، نصائح للحكومة بتوخي الحذر واليقظة إزاء مستوى الدين العمومي وتجنيب الأجيال المقبلة مديونية «لا تحتمل»، وتوقع الجواهري أن ترتفع مديونية الخزينة العامة للمملكة من 65 في المائة من الناتج الداخلي الخام في العام الماضي، إلى 65.8 في المائة في العام الحالي، قبل أن تتراجع إلى 65 في المائة في العام المقبل، تحت تأثير الدين الداخلي.
وانتقل الدين العمومي للمغرب، الذي يشمل مديونية الخزينة العامة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية من 82 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2017، إلى 82.2 في المائة سنة 2018، ومن المنتظر أن تصل في هذا العام إلى 82.5 في المائة، حسب المندوبية السامية للتخطيط، وتمثل المديونية الداخلية أكثر من 51 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي. وينتظر أن تصل الفوائد المرتبطة بها في العام الحالي إلى 24 مليار درهم، مقابل 3.85 مليارات درهم للدين الخارجي، وبلغت فوائد الدين الداخلي حتى فبراير الماضي، حسب الخزينة العامة للمملكة، 21.4 مليار درهم، وكان المجلس الأعلى للحسابات اعتبر أن تفاقم مديونية الخزينة، من خلال تزايد العجز والتوجه نحو الاقتراض، مؤشر دال على فشل الأهداف التي رسمتها الحكومة بخصوص تقليص نسبة المديونية إلى 60 في المائة من الناتج الداخلي الخام في أفق 2021، وهو «الأمر الذي يصعب بلوغه»، حسب تعبيره.
وتشير الأرقام إلى أن المديونية الداخلية للخزانة العامة للمملكة انتقلت بين 2010 و2018، من حوالي 30 مليار دولار إلى حوالي 58 مليار دولار، لتمثل حوالي 52 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، إذ يجري تمويل الدين الداخلي للخزينة عبر الادخار العمومي، الذي تؤتمن عليه هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة، وتمويل المؤسسات الذي توفره صناديق التقاعد وشركات التأمين، والمصارف، وقد بلغت مستحقات القطاع المصرفي في إطار الدين الداخلي أكثر من 21 مليار دولار، مرتفعة بنسبة 150 في المائة، حيث تأخذ تلك المستحقات شكل سندات الخزانة في حدود 15.5 مليار دولار والقروض المصرفية في حدود 5.6 مليارات دولار.
في المقابل، وفر صندوق النقد الدولي خط وقاية وسيولة للمغرب بقيمة 2.96 مليار دولار، سيسري العمل به على مدى عامين، وأوصى صندوق النقد الدولي الحكومة بتوسيع نطاق تحرير سعر صرف الدرهم دون تأخير، بعد الشروع في ذلك في العام الماضي، غير أن وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، ومحافظ البنك المركزي، عبد اللطيف الجواهري، ردا بأن الانتقال إلى مرحلة جديدة في التحرير سيتم لأهداف وقائية عندما تتيح الظروف الاقتصادية ذلك.
الجواهري يحذر من العودة إلى سنوات التقويم الهيكلي
حذر عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب من العودة إلى سنوات التقويم الهيكلي، وأبدى قلقا من الدعوات التي تحث على التوسع في عجز الميزانية والتضخم واللجوء للاقتراض من الخارج من أجل ضح حيوية أكثر في الاقتصاد الوطني.
والي بنك المغرب يحذر
سياسة التقويم الهيكلي المملاة، في ثمانينات القرن الماضي، من طرف صندوق النقد الدولي، كان من تداعياتها ارتفاع كلفة المعيشة وتطبيق رسوم إضافية على التعليم. عندما يثير سنوات التقويم الهيكلي، يستحضر الجواهري تصريحات المندوب السامي في التخطيط، أحمد الحليمي، الذي يرى أنه يمكن السماح بتجاوز العجز مستوى 3 في المائة، والسماح بتضخم لا يتقيد بسقف 2 في المائة، علما أن التضخم لن يتعدى 0.8 في المائة في العام الحالي، ما يعتبره بمثابة «فضيحة»، فهو يرى أن الدراسة المقارنة تشير إلى أن العديد من البلدان تسمح بتضخم يصل إلى 7 في المائة. وأشار الجواهري، الذي كان وزيرا للمالية في فترة التقويم الهيكلي بين 1981 و1986، في التقرير السنوي الذي رفعه للملك، أن البعض يدعو إلى سياسات نقدية وموازنة أكثر مرونة، مشيرا إلى أنه نبه إلى أنه يجب الحذر في ما يتصل بالدين العمومي، الذي يتجاوز 80 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وشدد على أنه لا يجب رهن مستقبل الأجيال القادمة عبر الإمعان في الاستدانة، قبل أن يضيف: «لقد عشت برنامج التقويم الهيكلي، وأتمنى ألا يعود المغرب مرة أخرى إلى التقويم»، معتبرا، في الوقت نفسه أنه إذا تم السماح بارتفاع معدل التضخم، فإن ذلك سيضر بالقدرة الشرائية للمواطن، معتبرا أنه لا يوجد تضخم «جيد» بالنسبة لمن يبذل المال من جيبه.
تجنيب الأجيال القادمة مديونية كبيرة
ودعا والي بنك المغرب إلى أنه يتعين «توخي الحذر واليقظة» إزاء مستوى الدين العمومي وتجنيب الأجيال المقبلة مديونية «لا تحتم». وقال الجواهري، الذي علق على الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي المحدد في 2.25 بالمئة دون تغيير، أن هذا القرار اتخذ على أساس نموذج محدد، بالإضافة إلى تحليلات ودراسات تهم على الخصوص أسعار الفائدة على القروض و العرض والطلب على القرض. وأبرز الجواهري، أنه « لو كان انخفاض السعر الرئيسي سيعزز القروض لقمنا بذلك »، مذكرا في هذا الاطار أن مجلس بنك المغرب كان قد قرر في سنة 2014، خفض هذا المعدل ولكن وتيرة القرض لم ترتفع في تلك الفترة. وشدد على أن « الأمر يتعلق بسياسة عمومية، لذا يتعين تحليل جميع مكونات وجوانب ما سيتم تقريره »، مضيفا أنه في ظل وجود التقلبات على المستويين الداخلي والخارجي، « نحن نفضل السير نحو الأمام والحفاظ على احتياطيات». وفي سياق آخر، أبرز الجواهري أن مجلس بنك المغرب قرر تقليص نسبة الاحتياطي الإلزامي من 4 إلى 2 في المئة لتخفيف السيولة البنكية ودفع البنوك لخدمة زبنائها. كما أشار إلى أن معدل نمو الودائع مقابل ارتفاع لصالح النقد، يجذب انتباه البنك المركزي. وأبرز أنه «انتقلنا من زيادة سنوية بنسبة 6 في المئة من الودائع إلى حوالي 3.5 في المئة، في حين يرتفع النقد»، مضيفا أنه على مدى السنوات الخمس الماضية، ارتفع الائتمان سنويا بـ 10 ملايير درهم، في حين أنه يقدر الآن بحوالي 17 مليار درهم سنويا خلال العامين الماضيين. وقال إن هذا يتعلق بكل من المقيمين والمغاربة المقيمين بالخارج، مشيرا إلى «أننا طلبنا من مجموعة البنوك المهنية المغربية تتبع هذا التطور عن كثب لدى المغاربة المقيمين بالخارج».
ضخ سيولة تفوق 11 مليار درهم
من جهة أخرى، وبالنظر إلى استمرار المستوى المرتفع لحاجيات السيولة البنكية في أفق التوقع، قرر مجلس البنك تقليص نسبة الاحتياطي الإلزامي من 4 إلى 2 في المئة، مما سيمكن من ضخ سيولة دائمة تفوق بقليل 11 مليار درهم. وسجل المجلس أن التضخم، بعد بلوغه نسبة 1.9 في المئة سنة 2018، قد تطور في مستويات ضعيفة خلال هذه السنة، ليصل إلى ما متوسطه 0.2 في المئة في الأشهر الثمانية الأولى، خاصة بفعل تراجع أثمنة المواد الغذائية المتقلبة الأسعار. وحسب توقعات بنك المغرب، ينتظر أن يظل التضخم في مستويات منخفضة خلال الأشهر القادمة ليستقر في 0.4 في المئة خلال مجموع السنة. وفي سنة 2020، يرتقب أن يتسارع إلى 1.2 في المئة مدعوما بمكونه الأساسي الذي قد يستفيد من الانتعاش المنتظر للطلب الداخلي لتبلغ نسبته 1.6 في المئة عوض 0.7 في المئة المتوقعة سنة 2019. و أشار الجواهري إلى أن البنك المركزي يقوم ببحوث حول الطلب على القروض، مشيرا إلى أنه يجرى التعرف على مستوى العرض والطلب، غير أنه أكد على أنه عندما جرى خفض معدل الفائدة الرئيسي إلى 2،25 في المائة، لم ترتفع القروض. وذهب إلى أنه عندما يجري خفض معدل الفائدة الرئيسي، تعمد البنوك إلى خفض معدلات الفائدة المطبقة على الودائع، بينما تتريث قبل عكس ذلك الخفض على معدلات الفائدة المدينة، وهذا يضر بالمدخرين.
وفي ظل هذه الظروف، وأخذا في الاعتبار تأثيرات الاتفاق المبرم في إطار الحوار الاجتماعي، يرتقب حسب توقعات بنك المغرب أن يبلغ عجز الميزانية، دون احتساب مداخيل الخوصصة، حوالي 4 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال هذه السنة، قبل أن يتراجع إلى حوالي 3.8 في المئة في 2020، مع افتراض استمرار جهود تعبئة المداخيل والتحكم في النفقات.