ما هي إلا أيام معدودات على شروع اللجنة التي كلفها الملك محمد السادس بإعداد مشروع مدونة الأسرة حتى انطلقت تسخينات الفاعلين السياسيين والدينيين والحداثيين، وانطلقت حرب الأخبار الزائفة ولعبة التسريبات المصطنعة، ونشر بالونات اختبار الرأي العام التي يراد بها جس نبض الشارع في مسألة إجراء تعديلات جوهرية على المدونة.
وإذا كان من المفهوم، بل من المطلوب، خلق نقاش عمومي بشأن مدونة الأسرة من أجل الوصول إلى قانون خال من الثغرات والبياضات التي جعلت بعض بنود المدونة قابلة لقراءات نكوصية أثناء التطبيق، فإن ذلك لا ينبغي أن يتحول إلى جعل المدونة سلاحا فتاكا يستعمله الخصوم لتصفية حساباتهم السياسية، فقانون الأسرة قانون دولة وليس قانون أغلبية أو معارضة أو قانون تيار محافظ أو حداثي.
وكل من يحاول أن يعيد أجواء الاستقطاب الإيديولوجي الحاد والاصطفافات السياسية المفتعلة التي رافقت مدونة 2004 من أجل إعادة التموقع في المجتمع، أو من أجل استعادة رأسماله السياسي والرمزي المفقود، فهو واهم حقا، لأن التاريخ لن يعيد نفسه، ولأن ملك البلاد، باعتباره أمير المؤمنين، وضع الإطار المرجعي للاجتهاد وترك لنفسه سلطة القرار النهائي وفق ما سيرفع لنظره السديد.
والأكيد أن أعلى سلطة في البلد لن تتسامح مع تجار المدونة ولن تقبل بتحويل أحد أهم قوانين البلد بعد الدستور إلى قنبلة لتفجير المجتمع من الداخل وتقسيمه إلى شطرين كما كاد أن يقع في 2001 مع مسيرتي الدار البيضاء والرباط. ولذلك استبقت الملكية الحس الانتهازي لبعض القوى السياسية، مغلقة الباب في وجه الاتجار السياسي بقضايا المرأة والطفل والرجل والأسرة، فلا السياق الوطني ولا المخاطر المحدقة دوليا تحتمل حركات بهلوانية تمس بصلابة وقوة الجبهة الوطنية التي خرجت قوية من تداعيات الزلزال تحت أي مبرر كان.
ولهذا فمن باب المغامرة غير محسوبة العواقب أن يعتقد البعض أن سياق المدونة هو اللحظة المناسبة للاتجار السياسي والإيديولوجي للإجهاز على خصم أو التجييش والتهييج ضده، لأن ذلك سيكون خطأ جسيما لن يغفره الله والوطن والملك.