المختبر التونسي
تجمع نتائج استطلاعات الرأي الحديثة في تونس على تصدّر الحزب الدستوري الحر الذي تتزعمه المحامية موسى عبير لنوايا التصويت، متفوقا بذلك على حركة النهضة ذات التوجه الإخواني التي سيطرت على المشهد السياسي والبرلماني في السنوات الأخيرة.
وتؤكد عمليات سبر أغوار الرأي العام بهوامش خطأ ضئيلة أن شخصيات تنتمي إلى عهد بنعلي أو امتدادات له تحوز على شعبية كبيرة في نوايا التصويت خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلتين، في المقابل فإن الشخصيات السياسية الأدنى ثقة لدى التونسيين تضع رئيس البرلمان التونسي وزعيم “حركة النهضة” راشد الغنوشي في المرتبة الأولى.
يظهر جليا أن تصاعد شعبية المناهضين للإسلاميين لدى فئات مختلفة من الشعب التونسي أصبحت حقيقة بادية للعيان خاصة مع تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ظل حكم الإسلاميين طيلة 10 سنوات بعد الثورة. لقد مر عقد منذ الاحتجاجات الغاضبة التي مهدت للثورات العربية لكن التونسيين يتأسفون لأن القليل فقط من الانتظارات تحقق وسئموا من الشعارات الديماغوجية التي لا توفر دخلا، ولا غذاء لمحتاج ولا تسعف مريضا، ولا تشغل عاطلا.
إن الدرس التونسي ينبغي أن نستوعبه في المغرب بكامل الجدية، فقد شاءت الأقدار وأشياء أخرى، أن تكون تونس مختبر تجربة الإسلاميين في الحكم، وظلت تحتفظ بأسبقية الخطوات والسيناريوهات على الدول العربية، واليوم تقول الاستطلاعات إن حركة النهضة الإخوانية الاتجاه، فقدت الكثير من رأسمالها الإيديولوجي ورصيدها الشعبي وأصبح نفوذها السياسي محط تراجع بشكل ملحوظ.
طبعا السيناريو التونسي لا يبتعد كثيرا عن بيئتنا المغربية مع بعض التفاصيل التي تراعي خصوصية التجربتين، فبعد مرور عشر سنوات على قيادة العدالة والتنمية للحكومة والبرلمان، هناك امتعاض شديد من تدبير الإسلاميين وغضب عارم من فشل سياساتهم والأساليب الملتوية التي تقوم على التضليل والمراوغة والخطاب المزدوج والابتزاز السياسي لخصومهم أو حلفائهم المقربين منهم على الساحة السياسية فضلا عن المناورات المحكومة بأجندات دينية غير معلنة لم تستطع التقية السياسية إخفاء أطماعها.
والحقيقة أن المعارضة طيلة عقد عانت من التيه السياسي، ولم تستثمر موقعها المريح الذي لا يتطلب منها إنجازات على مستوى التشغيل والسكن والصحة والأسعار، لسد الفراغ وكسب التأييد المجتمعي ضد حزب العدالة والتنمية، بل الذي حصل هو العكس تماما فقد قدمت المعارضة للحزب الحاكم هدايا بالجملة أنقذته من سقوط مدو في لحظات مفصلية من ولايتيه.
والمختصر المفيد أن الحالة التي تعيشها البلاد في ظل تجربة حكومية وحالة وبائية قاسيتين، يجب أن تكون مفترق طرق ومرحلة انتقالية بين فترتين، فترة تحكم فيها فشل حكومتي “البيجيدي” وهي تمتد من اعتماد دستور 2011 إلى اليوم، والفترة الجديدة المليئة بالرهانات الاقتصادية والديبلوماسية والتنموية التي يجب أن تنطلق بعد الانتخابات المقبلة وتحتاج إلى أجيال جديدة وأفكار واقعية وقيادة برلمانية وحكومية، تتمرد على السنوات العجاف والسياسات المعطوبة.
لقد سئم المغاربة من أحزاب الشعارات الديماغوجية والقادة المهرجين الذين لا ينتظر منهم تقديم حلول للوطن والساسة الشعبويين الذين أصلحوا أحوالهم على حساب أحوال المواطن، المغاربة في أمس الحاجة لمن يخرجهم من النفق المظلم وليس لمن يبيعهم الوهم مختفيا وراء عباءة السياسة المتلفعة بالدين.