المخالطون الجدد
ذهب المدرب الأوكراني يوري إلى مدينة الفقيه بن صالح للتفاوض مع الرئيس على أمل الإشراف على تدريب فريق المدينة، جلس في المقهى ينتظر طلعة المسؤول، كان يخفي وجهه وراء كمامة وقبعة. مرت الدقائق بطيئة ونضبت القهوة السوداء دون أن تظهر طلعة الرئيس.
رن هاتف يوري فحمل اعتذارا من مخالط الرئيس، بدعوى استقالة رئيس الفريق وخضوع رئيس المجلس البلدي للتحقيق في المقر المركزي للفرقة الوطنية، وعزوف الجماهير بسبب ضائقة كورونا، فانتفض المدرب من مكانه وقرر العودة من حيث أتى مهزوما مكسور الوجدان.
شدد ضباط الفرقة الوطنية المكلفون بجرائم المال، الخناق على كثير من المنتخبين الذين رصدهم «رادار» قضاة المجلس الأعلى للحسابات، منهم من أغلقت في وجهه المسالك المؤدية للثروة وسحب من تحت أقدامهم بساط الوجاهة، ومنهم من أغلقت في وجوههم الحدود وأصبحوا مواطنين «محليين» محرومين من مقاعد النبلاء في صالونات المطارات والطائرات.
تجمع صكوك الإدانة على سوء التدبير وإهدار المال العام والاغتناء غير المشروع في فرقنا «المحترفة»، لكن قضاة جطو لا يقتربون من مقرات الأندية التي تدار بملايين الدولارات، ولا يعبثون بتقارير مالية تنبعث منها رائحة الفساد، ولا يجرون مخالطي الرؤساء إلى أقرب مختبر لإخضاعهم لفحص كباقي مخالطي المرضى.
لم نسمع يوما عن قوة أمنية داهمت منزل رئيس فريق واعتقلته وصادرت هاتفه المحمول وجهاز الحاسوب وقادته إلى مقر التحقيق، لم نسمع يوما عن مقر فريق تم تشميع خزائنه إلى حين التأكد من شبهة الفساد.
في أوربا يتساقط رؤساء الفرق كباقي المواطنين، ليست لهم حصانة كروية تقيهم من غارات البوليس، فقد ألقي القبض على رئيس نادي لاس بالماس الإسباني لكرة القدم، بمجرد وصوله إلى مطار كناريا بتهمة غسل الأموال وتجفيفها.
واعتقلت الشرطة الإيطالية رئيس نادي بارما وبعض أعضاء مكتبه بتهمة الاختلاس وغسل الأموال وحجزت «آلة الغسيل» وحبلا من فوق السطوح.
نفس المصير واجهه رئيس نادي موناكو الفرنسي لكرة القدم بسبب تورطه في قضايا فساد مالي واستغلال النفوذ، وتم تفتيش منزله بالإمارة بعد أن تبين أن نفسه أمارة بالسوء. وواجه رئيس نادي كاين أسئلة المحققين بسبب شبهات حول التلاعب بنتيجة مباراة بدوري الدرجة الثانية.
يبدو أن رؤساء الفرق المغربية غير معنيين بهذه الأخبار، بل إن أقدام غالبيتهم لم تطأ مراكز الشرطة إلا من أجل استخلاص بطاقة التعريف الوطنية قبل أن يوافيها الأجل المحتوم.
ميشال بلاتيني الذي يملك صك اتهام يقود إلى المشنقة ينعم بالحرية بين نانسي وباريس، يشرب قهوة الصباح في مقهاه المفضل، لا تفسد عنه جولته اليومية إلا دعوات للمثول أمام المحققين في قضية خيانة الأمانة مر عليها عقد كامل.
الأخبار القادمة من «الفيفا» باعتبارها «كوميسارية» كرة القدم العالمية جد مطمئنة لرؤساء الكرة فالأحكام الصادرة عن هيئاتها غير سالبة للحريات. فقد اتهم أحمد أحمد بالعبث في مالية الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، و«لعب» فيها كما يلعب الأطفال في «المزرعة السعيدة» وانتهى الأمر بتوقيف عن ممارسة حكم الكرة والابتعاد عن مربع عملياتها.
هذه هي «الفيفا» تسن القوانين وتخلق الأجهزة الرادعة وتأمرها بأن تحكم على عشيرة الكرة بالحديد والنار وتصدر المجلدات في فوائد الحكامة والديمقراطية، ولكن أحكامها غير سالبة للحرية، وبوليسها أشبه بفزاعات في حقول الذرة.
لا أطالب بسجن الرؤساء الفاسدين ومخالطيهم فماذا سيستفيد أنصار الفريق من حبسهم، حتى ولو قضوا العمر كله في الزنازين الباردة والمعتمة؟ قد نطالبهم برد المال المنهوب إلى خزينة الفريق والدولة، وسحب صفة رئيس من باب مكتبه وبطاقة زيارته.
في أحد الجموع العامة أعلن رئيس استقالته وخرج من الباب الخلفي، صفق الجميع لموقفه لأن رؤساء الفرق لا يستقيلون ولا يقالون، قال مسير الجلسة للحاضرين:
رفعت الجلسة النطق بالرئيس بعد «الحلم».