تُعد ليلة القدر أفضل الليالي في كل شهور السنَة على الإطلاق، وهي ليلةً واحدة تمر مرة في العام، وهي في شهر رمضانَ المبارك، ليلة عظم الله أمرها، وأعلى شأنها، ورفع مكانتها، وخصها بعظيم فضله، وجزيل بركته، إنها ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر؟ إنها ليلة عظيمة خُصت بخصائص عظيمة، وميزات كريمة، لم تكن لغيرها من الليالي.
إنها ليلة لها شأن عظيم عند الله، ولها مكانة كبيرة في نفوس المسلمين، ومن فضائل هذه الليلة المباركة أن الله عز وجل اختصها بأن جعلها وقت نزول كلامه العظيم، وذكره الحكيم، فأنزل عز وجل كتابه العزيز في ليلة القدر، قال الله -عز وجل)-إِنا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنا كُنا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُل أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرَاً مِنْ عِنْدِنَا إِنا كُنا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبكَ إِنهُ هُوَ السمِيعُ الْعَلِيمُ) (الدخان:3–6)
ويقول -تبارك وتعالى-): إِنا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزلُ الْمَلَائِكَةُ وَالروحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبهِمْ مِنْ كُل أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (سورة القدر).
ومن عظيم مكانة هذه الليلة أن الله عز وجل جعلها ليلة مباركة، كما قال سبحانه-: إِنا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ، وبركة هذه الليلة بركة في الوقت، وبركة في العمل، وبركة في الثواب والجزاء عند الله -عز وجل–.
ومن بركة هذه الليلة وعظيم مكانتها عند الله أن جعلها خيرا من ألف شهر، أي خيرا من أكثر من ثلاث وثمانين سنة! فما أعظم بركتها! وما أوفر مكانتها! وما أعظم ثواب الله عز وجل فيها! ومن فضائلها أن الملائكة تتنزل فيها، وفيهم جبريل، يتنزلون بالخير والرحمة والبركة، فهم ملائكة رحمة يتنزلون بالخير والبركة «تَنَزلُ الْمَلَائِكَةُ وَالروحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبهِمْ مِنْ كُل أَمْر»ٍ) القدر:4) ومن شأن هذه الليلة وبركتها أنها سلام حتى مطلع الفجر، فهي ليلة سالمة لا شر فيها؛ بل كلها خير ونعمة وفضل وبركة.
ومن فضائل هذه الليلة ما ثبت عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، والواجب علينا أن نَقْدُر لهذه الليلة قدرها، وأن نعرف لها مكانتها وفضلها وبركتها، وأن نجتهد في تحري خيرها وبركتها بالجد والاجتهاد في العبادة، والإقبال على العبادة والطاعة.
لقد كان عليه الصلاة والسلام يستحث أمته، ويستنهض عزائمهم لتحري بركة هذه الليلة وخيراتها الموفورة، وبركاتها العظيمة؛ فالواجب علينا أن نتحرى هذه الليلة المباركة بالجد والاجتهاد في الطاعة، والإقبال على العبادة، والنصح لأنفسنا بالتقرب إلى الله- عز وجل–.
ما أعظمَها خسارة أن تمر هذه الليلة مضيعة مهملة مفرط في ما فيها من خير أو بركة! ما أعظمها من خسارة أن تمر هذه الليلة على المسلم ولا شأنَ لها عنده ولا مكانة لها في قلبه فيُحرم من خيرها وبركتها! ما أعظمها من خسارة أن تمر هذه الليلة والمرء مستمر في غيه، سادر في لهوه، مداوم على تفريطه وإضاعته!.
إذا لم تتحرك القلوب إقبالا على الله عز وجل في مثل هذا الوقت المبارك، والموسم العظيم، فمتى عساها تتحرك؟ إذا لم تُنب إلى الله وتتب إليه في مثل هذه الأيام فمتى تكون الإنابة ومتى تكون التوبة؟
إن الواجب علينا أن نقبل على الله عز وجل إقبالا صادقا، تائبين إليه من ذنوبنا، سائليه سبحانه العافية، راجين رحمته، طامعين في فضله وعظيم ثوابه. ومن أهم أعمال هذه الليلة المباركة
الصلاة: هي صِلَةٌ بين العبد وربه، وأقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجدٌ؛ فيَغتَنم المسلم وقته في هذه الليلة بالصلاة النافِلة -قيام الليل-؛ مخلِصًا لله سبحانه وتَعالى، طالِبًا منه الرحمة، والمَغفرة، والرضوان. يوقِظ أهلَه وأحباءَه في آخر ليلها، ويحثهم على قيامِها وإحيائها؛ رجاءَ العتق من النيران.
الدُعاء: هو من أعظم العبادات وأيسرها؛ فالله سبحانه وتعالى يُحب سؤالَ عبدِه ولجوءَه إليه، وخير الدعاء في ليلةِ القَدر طلبُ العفوِ بقول: (اللهم إنك عفوٌ تُحب العفو؛ فاعفُ عنَي)؛ ففي العَفوِ تطهيرٌ للعَبد من ذنوبه ومعاصيه، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم زوجه عائشة أم المُؤمنين رضي الله عنها في ليلة القدر.
قراءة القرآن : أُنزِل القرآن في شهر رمضان، وقراءة الحرف منه بعشرِ حسناتٍ والله يُضاعف لمن يشاء؛ لهذا يحرص المسلم على تلاوته، وتدبره، وفَهم معانيه، والتقرب إلى الله عز وجل به.
الذكر الكثير: هو قُوتُ القُلوب وزيتها، فالواجب ألا يغفل عنه المسلم، ويحافظ عليه في كل أحواله؛ خاصةً في هذه الليلة المباركة.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا واسع المن، يا عظيم العطاء، نسألك يا حي يا قيوم أن تبلغنا ليلة القدر، وأن تعيننا على تحصيل أعظم الثواب، وأجزل الأجر، وأن لا تجعلنا من عبادك المحرومين يا ذا الجلال والإكرام.