محمد اليوبي
كشف التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي رفعه رئيس المجلس، أحمد رضا الشامي، إلى الملك محمد السادس، عن الفاتورة الثقيلة التي خلفتها التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا. وأوصى المجلس بعدة اقتراحات لتجاوز الأزمة، وشدد على الطابـع الاسـتعجالي لوضـع خطـة للإنعـاش الاقتصـادي.
وأكد التقرير المنشور بالجريدة الرسمية، أن الأزمة أثرت بشكل كبير علـى الاقتصـاد والمجتمـع المغربـي، فعلـى الصعيـد الاقتصـادي تتجلـى خصوصيـة الأزمـة الصحيـة لـ«كوفيـد- 19» فـي تداعياتهـا التـي تتعلـق علـى حـد سـواء بالعـرض والطلـب، حيـث تشـير التوقعـات إلـى انكمـاش قـوي للناتـج الداخلـي الإجمالـي برسـم 2020، قـد تبلـغ نسـبته حسـب المندوبيـة السـامية للتخطيـط حوالـي 5.8 فــي المائة، وتباينــت التداعيــات الاقتصاديــة للأزمــة مــن قطــاع لآخــر، حيــث اضطــرت العديــد مــن المقــاولات إلى الإغــلاق النهائي أو المؤقــت. وكشف التقرير، أنه برسم شــهر أبريــل، صرحــت قرابــة 61 فــي المائة مــن المقــاولات المنخرطــة فــي الصنـدوق الوطنـي للضمـان الاجتماعـي بأنهـا تأثـرت بأزمـة «كوفيـد- 19».
وأوضح التقرير أن الأزمـة الصحيـة فاقمـت مـن الهشاشـة الاقتصاديـة، سـيما التوازنـات الخارجيـة الهشـة التـي ترتبـط بشـكل كبيـر بعائدات القطـاع السـياحي، وتحويـلات المغاربـة المقيميـن بالخـارج، والقـرارات الاسـتراتيجية لكبـار المسـتثمرين المسـتقرين بالمغـرب (قطـاع السـيارات) وكـذا كبـار الفاعليـن فـي ديناميـة الطلـب الخارجي، الذين ترتهن بهـم المقاولات الصغيـرة جـدا والصغـرى والمتوسـطة الوطنيـة فـي بعـض القطاعـات كالنسـيج والألبسـة. كمـا أن محدوديـة هوامـش التدخـل علـى مسـتوى الميزانيـة، شـكلت أحـد عوامـل الهشاشـة التـي زادت حدتهـا خـلال الأزمـة الحاليـة، وهـو مـا دفـع المغـرب إلـى رفـع سـقف التمويـلات الخارجيـة، واللجـوء إلـى الاقتـراض مـن الخـارج.
وسجل التقرير تضرر ميزانية الدولة، فإلى غايـة أواخـر شـهر مـاي 2020، تفاقـم العجـز فـي الميزانيـة بنسـبة 31 فـي المائـة مقارنـة مـع الفتـرة ذاتهـا مـن سـنة 2019، ويصـل حجـم هـذا العجـز إلـى نسـبة 123.8 فـي المائة، باستثناء فائض صنـدوق تدبيـر جائحة «كوفيـد- 19»، ومـع نهايـة سـنة 2020، مـن المرتقـب أن يتفاقـم عجـز الميزانيـة بنسـبة قـد تصـل إلـى 7.4 فـي المائـة مـن الناتـج الداخلـي الإجمالـي، فيمـا سـيناهز معـدل الديـن الإجمالـي للخزينـة 74.4 فـي المائة مـن الناتـج الداخلـي الإجمالـي، فـي حيـن قـد يتجـاوز الديـن العمومـي الإجمالـي 90 فـي المائة مـن الناتـج الداخلـي الإجمالـي. أما فـي مـا يتعلـق بالتداعيـات الاجتماعيـة، فقـد اتسـمت بحدتهـا علـى غـرار حجـم الصدمـة الناجمـة عـن الجائحـة، حيـث صـرح قرابـة 950.000 أجيـر فـي القطـاع المنظـم، عنـد متـم أبريـل الماضي، بأنهـم توقفـوا مؤقتـا عـن العمـل، كمـا تضـرر بشـكل أكبـر مـن الأزمـة الأشـخاص الذيـن يزاولـون الأنشـطة الأكثـر هشاشـة، سـيما العاملـون فـي القطـاع غيـر المنظـم والذيـن عانـوا مـن فقـدان الدخـل، إضافـة إلـى مواجهـة بعـض الأسـر لصعوبـات فـي الاسـتفادة مـن المسـاعدات المقدمـة للأسـر الفقيـرة، وذلـك رغـم الجهـود المبذولـة مـن لـدن السـلطات المعنيـة فـي هـذا المجـال.
وحسب التقرير، تتوقع المندوبية السامية للتخطيط ارتفاعـا كبيـرا جـدا فـي معـدل البطالـة سـنة 2020 سـيصل إلـى 14.8 فـي المائة، أي بزيـادة قدرهـا 5.6 نقـاط مقارنـة مـع سنة 2019. ومـن بيـن أولـى تداعيـات تقليـص مناصـب الشـغل، فقـدان مـوارد الدخـل وضعـف القـدرة الشـرائية، سـيما بالنسـبة إلى العامليـن الذيـن يعانـون مـن الهشاشـة، ولا يتوفـرون علـى مدخـرات احتياطيـة أو شـبكات الحمايـة الاجتماعيـة الكافيـة، ومـن بيـن تداعيـات إغـلاق المقـاولات وتوقـف الشـغل وفقـدان الدخـل، إضعـاف الطلـب الداخلـي، وذلـك مـوازاة مـع الصدمـة التـي تعـرض لهـا الطلـب الخارجـي الموجـه إلـى المغـرب.
مــن ناحيــة أخــرى، أورد التقرير أن تقييــد التنقــل بيــن المــدن والمخــاوف مــن انتقــال العــدوى بالفيــروس فــي حــال الخــروج مــن المنـزل، كلهـا عوامـل أدت إلـى انقطـاع المواطنيـن عـن المراقبـة الطبيـة والعـلاج. كمـا سـلط الحجـر الصحـي الضـوء علـى أوجـه التبايـن فـي مجـالات الولـوج إلـى التعليـم والدراسـة عـن بعـد، والتـي فاقمـت مـن التفاوتـات والفـوارق بيـن التلاميــذ المنحدريــن مــن أوســاط اجتماعيــة وثقافيــة مختلفــة (بيــن الوســطين القــروي والحضــري)، وأبــرز أيضــا التفاوتـات فـي الولـوج إلـى الإنترنـت والتجهيـزات الرقميـة، والتـي تعانـي منهـا فئـات عريضـة مـن السـكان الفقراء.
وخلص التقرير إلى أن حجم الخسائر الناجمـة عـن أزمـة «كوفيـد- 19»، أبـرز الطابـع الاسـتعجالي لوضـع خطـة للإنعـاش الاقتصـادي، وفـي هـذا الصـدد، أشار التقرير إلى اتخاذ العديـد مـن تدابيـر الإنعـاش مـن طـرف لجنـة اليقظـة الاقتصاديـة. وباشـرت الحكومـة مسلســل اعتمــاد مشــروع قانــون الماليــة المعــدل، بينمــا اتخــذ بنــك المغــرب عــددا مــن القــرارات التــي تهــدف إلــى التقليـص مـن كلفـة الاقتـراض، وإلى تعزيز السيولة على صعيد النظام البنكي، وتخفيـف القيود الاحترازيـة. وبالنظـر إلـى الخسـائر الناجمـة عـن الأزمـة الصحيـة، تتطلـب خطـة الإنعـاش ميزانيـة اسـتثنائية فـي وقـت تعتبـر فيـه خيـارات التمويــل جــد محــدودة. وأبرز التقرير أنه بصرف النظر عــن نــوع التمويــل المختــار، فــإن اســتكمال مرحلــة الإنعــاش ســيكون عنصــرا أساسيا لاسـتعادة «الثقـة» فـي التدبيـر العمومي، التـي تراجعـت فـي السـنوات الأخيـرة.
وحدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مجموعة من المحاور ذات الأولويـة فـي مرحلـة مـا بعـد «كوفيـد- 19»، وتتجلى أهمها في إعادة تشكيل وتحسين الحيز المالي خلال مرحلة ما بعد الجائحة، بعد أن يعرف النشاط الاقتصادي استقرارا، ويعـود إلـى وتيرتـه لتحقيـق القـدرة علـى الاسـتجابة للأزمـات المسـتقبلية وتعزيز أدوات الاسـتقرار التلقائية، وإحــداث صنــدوق اســتقرار دائم ضــد الصدمــات الكبــرى، يعمــل علــى تجميــع المخاطــر مــن أجــل تحقيــق قــدرة أفضــل علــى الصمــود للاقتصــاد المغربــي، بالإضافة إلى تعزيز القدرات البنيوية للاقتصاد الوطني على الصمود، بغية تقليــص هشاشـة الاقتصـاد أمـام الاضطرابـات التـي تعرفهـا سلاسـل التوريـد الدوليـة، في الأزمـات المسـتقبلية والتهديدات بترحيل الصناعات وإعادة توطينها.
وحث المجلس على مواصلــة عمليــة مراجعــة مختلــف الاتفاقيــات التجاريــة التــي أبرمهــا المغــرب، بهــدف دعــم الصناعــات الوطنيــة وحمايتهــا مــن الممارســات المنافيــة لقواعــد المنافســة التــي قــد يلجــأ إليهــا بعــض الشــركاء، مع اعتمـاد سياسـة لتشـجيع اسـتهلاك المنتجـات «المصنعة فـي المغـرب» مـن طـرف المستهلك المغربي، وتوفيـر حوافـز لتشـجيع المقـاولات الكبـرى علـى التعـاون بشـكل أكبـر مـع الموردين المحليين، وتعميم شرط الأفضلية الوطنية على جميع الصفقات العمومية.