النعمان اليعلاوي
وضع المجلس الأعلى للحسابات تنزيل الجهوية المتقدمة تحت مجهر التمحيص، مشيرا إلى أن هناك مطالبة بوضع إطار تنظيمي للاختصاصات المشتركة لضمان تفعيلها، مشيرا في تقرير أصدره حديثا حول الجهوية المتقدمة، أنه لم يتم اعتماد بعد أي إطار تنظيمي متعلق بالاختصاصات المشتركة مع الدولة، من أجل تحديد منهجية تحضير وصياغة وتنفيذ العقود المتعلقة بهذه الاختصاصات وكيفيات التتبع والتقييم وآليات التنسيق بين الفاعلين، وذلك لضبط التزامات ومسؤوليات الأطراف المتعاقدة، علما يضيف التقرير ذاته، أنه شكل أحد التزامات الأطراف الموقعة على الإطار التوجيهي لتفعيل الاختصاصات الذاتية والمشتركة.
من جانب آخر، اعتبر المجلس أن دور الجهات في تفعيل بعض الاختصاصات المشتركة لا يتعدى تحويل مساهمتها المالية المحددة في اتفاقيات الشراكة. كما لم تفعل أكثر من ست جهات مجموعة من الاختصاصات المشتركة، سيما تلك المتعلقة بإحداث أقطاب فلاحية، والذي يبقى اختصاصا غير مفعل على مستوى سبع جهات، فيما إنعاش السكن الاجتماعي هو الآخر اختصاص غير مفعل على مستوى تسع جهات، أما المحافظة على المناطق المحمية، فهي اختصاص غير مفعل على مستوى عشر جهات، والمحافظة على المنظومة البيئية الغابوية، اختصاص غير مفعل على مستوى ست جهات.
وأوضح التقرير أنه بعد مرحلة تأسيسية، امتدت للفترة 2015-2018، والتي عرفت أساسا إصدار القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بمستوياتها الثلاثة ونصوصها التطبيقية (71 نصا تطبيقيا)، فضلا عن إصدار الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، اتسمت فترة ما بعد سنة 2018 بـ «الانخراط التدريجي للجهات في ممارسة اختصاصاتها في ضوء المستجدات القانونية ذات الصلة، من خلال اعتماد 11 برنامجا للتنمية الجهوية، بكلفة إجمالية بلغت 420 مليار درهم، وتفعيل آليات التعاقد مع الدولة عبر إبرام أربعة عقود-برامج، بكلفة إجمالية فاقت 23 مليار درهم، وإحداث وكالات جهوية لتنفيذ البرامج على مستوى 11 جهة».
كما اتسمت هذه الفترة «بالارتفاع المسجل على مستوى الموارد المالية المرصودة من طرف الدولة لفائدة الجهات، والتي ناهزت 47 مليار درهم خلال الفترة 2016-2022، وكذا على مستوى الموارد البشرية التي بلغ عددها 865 موظفا على مستوى إدارات الجهات و359 مستخدما بالنسبة للوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع»، واعتبر المجلس الأعلى للحسابات أن تحقيق جميع الأهداف التي تتوخاها الجهوية المتقدمة، وفي مقدمتها اضطلاع الجهات وباقي الجماعات الترابية على النحو الأمثل بأدوارها التنموية، يظل رهينا بالاستجابة لمجموعة من المتطلبات.
وأبرز في هذا الصدد أنه «إذا كان هناك إجماع بين مختلف الأطراف على اعتبار اللاتمركز الإداري دعامة لا مناص عنها للجهوية المتقدمة، فإن الأهم هو تملك وترسيخ ثقافة نقل الاختصاصات التقريرية من المركز إلى المستوى الترابي، وذلك من خلال التسريع في تجسيد الميثاق الوطني للاتمركز الإداري على أرض الواقع، بحيث لم يتجاوز معدل إنجاز خارطة الطريق المتعلقة به 32 في المائة، كما أن وتيرة نقل الاختصاصات ذات الأولوية المتعلقة بالاستثمار إلى المصالح اللاممركزة تبقى غير كافية، إذ لم تتعد نسبتها 30 في المائة. هذا بالإضافة إلى ضرورة إحداث التمثيليات الإدارية المشتركة على مستوى الجهات والعمالات والأقاليم لتحقيق وحدة عمل مصالح الدولة على المستوى الترابي وتفعيل اللجنة الجهوية للتنسيق المحدثة لدى والي الجهة».
ولكسب رهان التنمية الترابية، أكد المجلس أن استقطاب موارد بشرية ذات مؤهلات عالية يظل «أمرا ملحا»، لاسيما من خلال اعتماد مقاربة شمولية تقوم على الاستثمار الأمثل للخبرات والكفاءات المتاحة التي يتوفر عليها مختلف الفاعلين المؤسساتيين على المستوى الترابي (الإدارة الترابية والمصالح اللاممركزة والمؤسسات العمومية ذات الاختصاص الوطني والمؤسسات العمومية المحلية ووكالات التنمية والشركات العمومية).
وفي السياق نفسه، سجل المجلس الأعلى للحسابات حاجة الجهات إلى تجويد وظيفتها التخطيطية واعتماد برامج تنموية واقعية وقابلة للتنفيذ، إذ لم يتجاوز مستوى التنفيذ المادي للمشاريع المدرجة في برامج التنمية الجهوية المتعلقة بالفترة 2015-2021 نسبة 36 في المائة، أي ما يعادل 11 في المائة من الكلفة الإجمالية التوقعية لهاته البرامج (47 مليار درهم من أصل 420 مليار درهم).
واعتبر أن التفعيل الأمثل لاختصاصات الجهات يتطلب أيضا «التسريع باعتماد وتنفيذ التصاميم الجهوية لإعداد التراب، وكذا اعتماد إطار تنظيمي يوضح منهجية تحضير وصياغة عقود الشراكة مع الدولة وآليات التنسيق بين مختلف المتدخلين، وفق مقاربة تنبني على مبدأي التدرج والتمايز بين الجهات وتراعي قدرتها على الاضطلاع بالاختصاصات المشتركة والمنقولة».
وكشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أنه تفعيلا لالتزامات الإطار التوجيهي المتعلقة بالاختصاصات المشتركة، فإن وزارة الداخلية بصدد إعداد مشروع مرسوم يتعلق بتحديد شكليات وشروط إبرام وتنفيذ العقد بين الدولة والجهة، بهدف تجاوز المعيقات التي واجهت تفعيل الاختصاصات المشتركة، مشيرا إلى تسجيل تأخر ملموس في تحديد كيفيات وآليات نقل الاختصاص من الدولة إلى الجهات، كاشفا أنه منذ صدور القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، لم يتم نقل الاختصاصات من الدولة إلى الجهات، بالرغم من أن هذه الأخيرة برمجت العديد من المشاريع ذات الأولوية على مستوى برامجها التنموية تتعلق بمجالات الاختصاصات المنقولة.
في السياق ذاته، أشار التقرير إلى أنه لم يتم تحديد الحد الأدنى من الاختصاصات التي يتعين الشروع في نقلها إلى الجهات، لاسيما تلك المرتبطة بمجالات وخدمات ذات الأهمية المباشرة للمواطنين، كما جاء في توصيات المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة، مشددا على أن التوسيع التدريجي لاختصاصات الجهات يتطلب أولا اعتماد التدرج والتمايز والممارسة الفعلية والإلمام بالاختصاصات الذاتية، فضلا عن تقييم قدرتها على الاضطلاع بالاختصاصات التي ستنقل إليها من طرف الدولة، ومدى توفرها على الإمكانيات اللازمة لذلك، لتفادي إثقال كاهلها باختصاصات متعددة، كما لم يتم اعتماد الآليات المؤطرة لتطبيق مبدأ التمايز في نقل الاختصاصات، سيما المعايير المعتمدة من طرف الدولة لتقييم مدى قدرة الجهة على الاضطلاع بالاختصاصات التي ستنقل إليها، وهو ما من شأنه أن يعيق تفعيل نقل الاختصاصات في المجالات المنصوص عليها في القانون التنظيمي سالف الذكر.