محمد اليوبي
أصدر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي رأيه حول مشروع مرسوم بتحديد تطبيقات الهندسة اللغوية بالتعليم المدرسي والتكوين المهني والتعليم العالي، وهو الرأي الذي صادقت عليه الجمعية العامة للمجلس، استجابة لطلب الحكومة.
ويرى المجلس أن مجمل مواد هذا المشروع انحصرت فــي التذكير بالأهداف والمبادئ الأساسية المرتبـطة بتطبيق الهندسة اللغوية بدل تفصيلها وترجمتها إلى إجراءات عملية وتطبيقية، نوعية وكمية، واضحة الآجال ومحددة من حيث الجهات المسؤولة و/أو المعنية بتطبيقهــا. كما يلاحظ المجلس أن هذا المشروع استند في تقديمه على كل من القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، إلا أن مضمونه لم يستحضر هذه القوانين في حين أنها تحدد الإطار المؤسساتي لإرساء التعدد اللغوي وتتضمن أحكاما تطبيقية في هذا الشأن.
ونظرا لكون وظيفة المرسوم لم تبرز في المشروع المقترح، فإن المجلس يسجل غياب معطيات أساسية بخصوص التصور الإجرائي لإعمال الهندسة اللغوية على مستوى المبادئ والمرتكزات، سيما كيفية تفعيل مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص وكيفية تصريف مقتضيات القانون- الإطار، خاصة ما يتعلق بالقضايا العرضانية، والتطبيقات البيداغوجية، خاصة التدقيقات المتعلقة بالإطار المرجعي للمنهاج والدلائل المرجعية للبرامج والتكوينات، وبدور اللجنة الدائمة لمراجعة المناهج والبرامج، وبالمصطلحات والمفاهيم الأساسية وبالمســتويات المرجعيــة ومؤشرات التمكــن مــن اللغــات، وبآليـات وقواعـد تســليم الشــهادات، وبالموارد البشرية، وكذلك، على مستوى التطبيقات المؤسساتية المتعلقة بكيفية تحقيق التناسق والتماسك والالتقائية بين تدابير السياسات العمومية التربوية وتطبيقات الهندسة اللغوية، وبآليات الحكامة وشروط التفعيل.
وأكد رأي المجلس أن الرهان على التمكن من اللغات يعد استراتيجياً ويندرج ضمن تمكين وتأهيل الرأسمال البشري. وباعتبار الهندسة اللغوية موضوعاً أفقياً يتعلق بهيكلة وتنظيم شبكة التعلمات والتكوينات وتفرعاتها وتداخلاتها، فإن المجلس يدعو إلى استحضار مستلزمات «المدرسة الجديدة» عبر إعمال النظرة النسقية التي يقتضيها الإصلاح الشمولي والعميق للمنظومة التربوية، وإلى إرساء نموذج بيداغوجي جديد يمكن من الانتقال من منطق الشحن إلى منطق التعلم والاستقلالية الفكرية حيث تتمفصل الكفايات اللغوية مع سائر الكفايات التي تسهم في التكوين الفكري والثقافي والمواطني، وإطـلاق أشـغال اللجنـة الدائمـة للمناهــج والبـرامــج والتكويــنات قصد وضع الإطار الذي ستخضع له تطبيقات الهندسة اللغوية على المستوى البيداغوجي (مواصفات الملمح اللغوي للمتعلم(ة)، تدقيق الكفايات اللغوية المستهدفة حسب المراحل والأسلاك والمستويات التعليمية؛ تدقيق كيفية إعمال التناوب اللغوي الجواز اللغوي…).
ويشدد المجلس، أيضا، على ضرورة استباق الأجرأة بإعداد الموارد البشرية من خلال تحديد الشروط النظامية لولوج مهنة تدريس اللغات أو التدريس بها، والشروط البيداغوجية للتكوين والتدريس والتقييم المهني، سيما تحديد معايير ومستويات التحكم في الكفايات اللغوية اللازمة لممارسة التدريس باللغات، فضلا عن تدقيق مواصفات وكفايات مدرسي المواد اللغوية وفق الدلائل المرجعية للوظائف والكفاءات.
كما يدعو المجلس إلى مواكبة إرساء التناوب اللغوي بالتعليم المدرسي عن طريق تشخيص مستوى التحكم في لغة التدريس والارتقاء بالأداء المهني للمدرسين، وإعداد هيئة التفتيش التربوية ومؤطري المكونين بشكل منسجم مع الاختيارات المعتمدة للهندسة اللغوية، بالإضافة إلى توجيه البحث في مجال التربية نحو قضايا راهنة ومستقبلية في مجال تدريس اللغات والتدريس بها.
ويدعو المجلس، كذلك، إلى ضرورة تحديد الآجال القصوى لتنفيذ التدابير الإجرائية للهندسة اللغوية على صعيد كل سلك ومستوى وكل مكون من مكونات المنظومة التربوية، بالإضافة إلى ضبط محتوى النص بخصوص التعاريف والمحددات الموجهة لتطبيقات الهندسة اللغوية المستهدفة، سيما البعد المفاهيمي الموظف لإعمال مبدأ التناوب اللغوي باعتباره خيارا ديداكتيكيا، وتدقيق المقاربة المعتمدة في هذا الشأن ومستويات إدراجه؛
ويوصي المجلس بإدراج الوثائق المرجعية التـي سـتعتمد لتفعيـل الهندسـة اللغويـة حسب مستوى التنفيذ سيما إعداد النص التنظيمي الخاص بتطبيقات الهندسة اللغوية للتعليم العتيق موازاة مع مشروع المرسوم، وفي انسجام مع مضامينه؛
إبراز الإجراءات الكفيلة لضمان العدالة المجالية وتحقيق مبدأ الانصاف وتكافؤ الفرص بين سائر المتعلمين في التمتع بالحق من التمكن اللغوي؛
ويقترح المجلس إرساء البنيات وتحديد أدوار المتدخلين على كافة المستويات مع تفعيل مبدأ التفريع سيما ما يتعلق بالبنــيات الإدارية للبحـث والابتكار البيداغوجــي لتطوير اللغة العربية والأمازيغية، وتجديد وتطوير الدعائم الديداكتيكية لباقي اللغات المعتمدة جهويا، ويدعو إلى اعتماد التتبع والتقييم سيما عن طريق إجـراء تقييمـات مؤسساتــية منتظمـة للمناهــج والبـرامــج والتكويــنات المتعلقة باللغـات، وإجراء تقييم للهندسة اللغوية المعتمدة حاليا في ما يخص الانفتاح على اللغات الأجنبية، ومراجعـة مراحـل إدخـال اللغـات والانتقال اللغـوي أخذا بعين الاعتبار خصوصية المرحلة العمرية بكل مستوى تعليمي.