شوف تشوف

الرأي

المثقفون يا حسرة

يونس جنوحي
مدينة الرباط عاصمة للثقافة الإفريقية. هذا ما أسفر عنه اجتماع اللجنة المتخصصة، يوم السبت الماضي، والتي كانت تضم تمثيليات ثقافية من مختلف مكونات الثقافات الإفريقية. كان مقررا أن تكون مدينة مراكش عاصمة للثقافة الإفريقية خلال موسم 2020-2021، لكن لظروف لم يتم كشفها تحول الاختيار إلى العاصمة الإدارية للمملكة، لكي تكون هي الإشعاع الثقافي لسكان القارة الإفريقية.
هذا يعني أن الرباط سوف تصبح قبلة للتظاهرات الثقافية والإنسانية للمثقفين في هذه القارة التي تجمعنا جميعا، بمختلف مكوناتنا وخلفياتنا الثقافية.
لكن الأمر الغامض في هذا الاختيار أن اللجنة خرجت بتوصيات على شكل شروط، يجب أن توفرها مدينة الرباط لكي تستحق لقب عاصمة الثقافة، إذ إن العاصمة الإدارية للمغرب، والتي تتخبط في عدد من المشاكل الإدارية ويعاني فيها المواطنون من مختلف التحديات في الشأن المحلي، بالإضافة إلى إشكال جودة الخدمات الإدارية الذي تطرحه الصحافة الوطنية بشكل يومي، ربما سيكون آخر هم بعض مسؤوليها هو الثقافة. وهذا أمر مفهوم.
هناك مدن أنجبت أسماء كبيرة في سماء الأدب المغاربي والإفريقي، ووصل إشعاعهم إلى فرنسا ومنها إلى العالم. مثل الكاتب خير الدين، والذي وصلت معه مدينة أكادير إلى العالمية. لكن الشأن الثقافي في المنطقة يبقى مأسوفا عليه، بشهادة القائمين عليه وأبنائه. سوس العالمة، يا حسرة، لا يهتم فيها أحد بالمكتبات والمراكز الثقافية، باستثناء بعض الحالات النادرة التي يناضل داخلها الكثيرون بغير قليل من نكران الذات، وأحيانا بموارد شخصية، لكي تبقى الأنشطة الثقافية على قيد الحياة.
وفي مدينة وجدة، التي اختيرت أخيرا عاصمة للثقافة العربية، لا يزال الشأن الثقافي أمام تحديات كثيرة، منها ما هو مرتبط بالجانب التنظيمي والاقتصادي أيضا. وهذا أمر يمكن تفهمه في كل مناطق المغرب وليس فقط في الشمال الشرقي. إذ لا يمكن إجبار الناس على استنكار تراجع الشأن الثقافي محليا، وهم لا يجدون حتى مستوصفات محترمة لتلقي الإسعافات الأولية، ولا يزالون يقطعون مئات الكيلومترات للتداوي ضد لسعات العقارب، في عالم أصبحت مثل هذه الحوادث والأمراض في بعض دوله من التراث الإنساني.
في الجنوب الشرقي، الأسبوع الماضي، وقف عدد من الباحثين المحليين من أبناء نواحي الرشيدية على اكتشاف علمي جديد لا شك أنه سيكون إضافة لعلماء الجيولوجيا، ويتمثل في رصد هياكل للسلاحف العملاقة التي كانت تعيش في المنطقة، قبل آلاف السنين. ومثل هذه الاكتشافات تغري الباحثين ليس فقط للتنقيب، وإنما لإنجاز محاكاة للنزول في الكواكب المعزولة، لأن المنطقة تشبه كثيرا الكواكب التي لم تبدأ فيها الحياة بعدُ. كيف يمكن أن تُقنع مواطنا يضطر أولاده إلى قطع ساعات مشيا على الأقدام للوصول إلى المدرسة، بجدوى اختيار المنطقة التي يعيش فيها لكي تكون حاضنة لتظاهرة أدبية أو ثقافية؟ هناك أولويات في الموضوع بطبيعة الحال.
قد يقول قائل إنه لا يجب مقارنة ما لا يقارن. لكن في الأخير يقولون إن الثقافة للجميع. ولكي نحقق ولوجنا جميعا إلى الاهتمام بالثقافة وجعلها أولوية من أولويات المواطنة، بدل التظاهرات السخيفة التي تعتمد على «الشيخات» لحشد المواطنين ونصب الخيام لهم قرب الحفر من مال الجماعات المحلية التي ينتمون إليها، لا بد من إعادة الاعتبار إلى العقل.
هناك مغاربة يبحثون يوميا عن فرص ومنح في الخارج، علهم يجدون من يحتضن أفكارهم ومشاريعهم وتحويلها إلى واقع. لماذا لا يحتفل بهم أحد؟ أليسوا هم السفراء الحقيقيون للثقافة الإفريقية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى