شوف تشوف

الرأي

المباراة الملعونة

حسن البصري
في الوقت الذي كان حكام الجزائر يتحرشون بالمغرب ويبحثون عن سبل تصريف أوجاعهم، تفاعلت مصر مع ملتمس مغربي يقضي بنقل مباراة بين الوداد المغربي وكايزر شيفز الجنوب إفريقي إلى القاهرة، بعد أن تعذر على الدار البيضاء استقبال فريق قادم من بلد «ممنوع من الصرف» بسبب تصنيف بلد مانديلا ضمن الدول التي تسللت إليها السلالة المتحورة لوباء «كورونا» وبات السفر منها وإليها محظورا بقرار حكومي.
وافقت الحكومة المصرية في شخص وزير الشباب والرياضة أشرف صبحي على ملتمس المغاربة، وبجرة قلم أعلن موافقة بلاده على استقبال مباراة كانت مهددة بالإلغاء، وقال في تصريح لصحيفة «اليوم السابع» إن طلب المغرب «يعكس ثقة الدول في مصر وقدرتها على استضافة الأحداث المهمة»، ودعا الاتحادين المصري والمغربي لاستكمال باقي إجراءات الضيافة.
ضرب رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم كفا بكف، عض على نواجذه وكظم غيظه وأرسل لمصر إشارات قلق، فقد كان جيراننا يمنون النفس بهزيمة مغربية على الورق، ربما لأن رسالة تهنئة للنادي الجنوب إفريقي كانت جاهزة ولا تنتظر إلا تأشيرة رئيس هوايته الأولى كتابة التهاني مع كل عثرة لفرقنا ومنتخباتنا.
تؤمن الكرة بمبدأ يوم لك ويوم عليك، هي ليست جلدا محشوا بالهواء الفاسد بل لعبة محشوة بالقيم النبيلة، وقد ترمم بقليل من الحكمة ما أفسده عطار السياسة.
حين ضرب وباء إيبولا دول الساحل الإفريقي فتح المغرب ملاعبه لاحتضان مباريات منتخبات هاربة من الأمراض، وتحولت بلادنا إلى ملاذ لكل من به سقم «كرة وعلاج»، حتى رئيس الكونفدرالية السابق عيسى حياتو وفي عز خلافه مع الاتحاد المغربي لكرة القدم، كان يعالج بانتظام في مصحة بالرباط مختصة في القصور الكلوي.
اسألوا الغينيين والغامبيين والبوركينابيين والطوغوليين عن أيام قضوها في فنادق الدار البيضاء والرباط بعيدا عن شبح الإيبولا الذي كان يتربص بهم في بلدانهم، واسألوا الليبيين عن مباريات خاضوها في المغرب ومعسكرات مغلقة في الرباط حين تربصت كتائب مسلحة بملاعبهم وزرعت في عشبها ألغام التقتيل.
عندما كانت جارتنا الشرقية تعاني من ويلات الاستعمار الفرنسي، لم تكن مدينة وجدة مجرد قاعدة خلفية لثوار الجزائر، بل كانت قاعدة خلفية لرياضييها أيضا، لقد احتضن نادي المولودية الوجدية عناصر فريق جبهة التحرير الوطني الجزائرية الذين فروا فرارا جماعيا من أطوار البطولة الفرنسية، قضى هذا الفريق أياما في ضيافة المغاربة وتحمل أعيان المدينة نفقات الاستقبال، في تجسيد حقيقي لمعاني «خاوة خاوة».
لا أحد يفهم سر غضب رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم من نظيره المصري، لكن الجميع فهم سر التوقيفات التي تعرض لها زطشي ومنسوب الحقد الذي يحمله ضد الاتحاد المغربي وسر امتلاء صحيفة سوابقه بالمشاحنات. فقط نود أن نوضح الواضحات فقرار استقبال مباراة معلقة هو قرار حكومة يحمل توقيع وزير الرياضة المصري، وإجراء المباراة في القاهرة أو دار السلام أو واغادوغو لا يهم الاتحاد الجزائري، على سبيل الإخبار فوزير الرياضة المصري بطل عالمي سابق في الكاراتي نهمس في أذنك يا زطشي ألا تقترب من حلبته أو تتحرش به.
موقف مصر وقبولها استقبال مباراة معلقة أغضب الجزائر، وقد تستدعي الرئاسة سفيرها في القاهرة للتشاور، بعد أن انتابت رئيس «الاتحادية» فورة غضب وتطايرت شرارتها في مقرها، بل وشرع في صفع موظفيه بأدب واحترام كي لا تمتلئ صحيفة السوابق والتي لم يعد فيها متسع لاحتواء القادم من الغارات.
لكن إذا كانت الخطوط الهاتفية بين الرباط والقاهرة تحت الضغط على امتداد ثلاثة أيام كاملة بسبب هذه المباراة الملعونة، فإن إدارة الفريق الجنوب إفريقي كايزر شيفيز كانت لها انشغالات أخرى، فقد سرحت لاعبيها وأعلنت في موقعها الرسمي توقيف التداريب بمناسبة عيد الحب.
الناس في الناس والقرعة في مشيط الراس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى