المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وصناعة الأجيال الصاعدة وتأهيل الرأسمال البشري
محمد اليوبي
أفاد مصدر مسؤول بوزارة الداخلية بأن المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي يبلغ الغلاف المالي لتفعيلها 18 مليار درهم، تقوم على فلسفة جديدة ترتكز على تعزيز الرأسمال البشري وتأهيل الأجيال القادمة، من خلال إيلاء اهتمام خاص للشباب والأطفال منذ ولادتهم، فضلا عن إطلاق جيل جديد من المبادرات المدرة للدخل وخلق فرص الشغل.
وأوضح المصدر ذاته، أن العنصر البشري يحظى بالنصيب الأوفر في هذه المرحلة، التي أعطى الملك محمد السادس انطلاقتها الرسمية، بحيث يحتل هذا العنصر مكانة متميزة في المبادرات التنموية، والاستجابة للمتطلبات الاجتماعية للمواطن، بغية الرفع من مستواه المعيشي والارتقاء بأوضاعه الصحية والحقوقية والمجتمعية، وذلك بعد تفعيل برامج المرحلتين الأولى والثانية الممتدتين من سنة 2005 إلى سنة 2017، وذلك عبر اعتماد أربعة برامج رئيسية وبرنامج إضافي. وتقدر التكلفة الإجمالية للمشاريع التي تم إنجازها خلال هذه الفترة بـ 43 مليار درهم، ساهمت فيها المبادرة بمبلغ 28 مليار درهم.
هذا وأكدت نتائج الدراسات والأبحاث المنجزة من طرف مختلف الشركاء (المندوبية السامية للتخطيط، والمرصد الوطني للتنمية البشرية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي)، أن هناك وقعا إيجابيا وتحسنا ملحوظا أحدثته مشاريع وأنشطة المبادرة، وذلك بإنجاز 43 ألف مشروع. ومن خلال الدراسة المنجزة من طرف المندوبية السامية للتخطيط، فإن الفقر بالجماعات القروية المستهدفة من قبل المبادرة انخفض بها بـ 16,1 نقطة لينتقل من 28,4 في المائة سنة 2004 إلى 12,3 برسم سنة 2014. كما أن البنك الدولي، وفي إطار تقييم المبادرات والبرامج الاجتماعية المعتمدة من طرف 136 بلدا، احتلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المرتبة الثالثة من بين خمس مبادرات أبانت عن نجاعتها وأهميتها ووقعها على الساكنة.
وترتكز المرحلة الثالثة للمبادرة على تصور جديد، يهدف إلى تكريس دورها كرافعة للتنمية، وذلك بالتركيز على ستة محاور أساسية، وهي إعادة توجيه البرامج، من خلال تركيز تدخلات المبادرة على الاستثمار أكثر في الجوانب اللامادية للتنمية البشرية، وتفعيل دينامية منظومة التنمية البشرية، من خلال تأطير مختلف المتدخلين بها سواء من القطاع العام أو الخاص أو المجتمع المدني، بهدف تحقيق الالتقائية بين مختلف المقاربات القطاعية، وبالتالي الرفع من الأثر الإيجابي للمشاريع المنجزة، ثم التركيز على فعالية الشركاء، وذلك من خلال العمل على تنظيمهم في شبكة من الجمعيات الرائدة، وضمان استمرارية الاستثمارات عبر وضع إطار للحكامة من شأنه ضمان ديمومة المنجزات والمحافظة عليها عبر عمليات الصيانة المنتظمة، وتأمين ديمومة المشاريع عبر دعم الابتكار والإدماج في إطار السلاسل ذات القيمة، ثم فعالية منظومة التدبير التي تروم تكريس الفعالية والنجاعة الميدانية في تدبير البرامج وضمان وقعها الإيجابي على المستهدفين.
ويرتقب إنجاز مشاريع المبادرة في مرحلتها الثالثة ما بين سنتي 2019 و2023، حسب أربعة برامج تضمن إسهام كل الفاعلين في المجال الاجتماعي، ويتعلق الأمر ببرنامج تدارك الخصاص المسجل على مستوى البنيات التحتية، والخدمات الأساسية، بالمجالات الترابية الأقل تجهيزا، وبرنامج مواكبة الأشخاص في وضعية هشة، وكذا برنامج تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب، إضافة إلى برنامج الدعم الموجه للتنمية البشرية للأجيال الصاعدة.
ويهدف البرنامج الأول إلى تحصين مكتسبات المرحلتين الأولى والثانية، مع مواصلة العمل على تدارك جزء من العجز المسجل، حسب مؤشرات خريطة الفقر متعدد الأبعاد، في ما يخص الولوج للبنيات التحتية والخدمات الأساسية. وستهم تدخلات هذا البرنامج خمسة محاور ذات أولوية، تتمثل في الصحة والتعليم والكهربة القروية والتزويد بالماء الصالح للشرب، بالإضافة إلى إنجاز الطرق والمسالك القروية والمنشآت الفنية.
وبخصوص البرنامج الثاني المرتبط بمواكبة الأشخاص في وضعية هشة، فيهم بالأساس تعزيز وتوسيع نطاق التدخلات التي باشرتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية خلال المرحلتين الأولى والثانية لفائدة مختلف فئات الأشخاص في وضعية هشة، مع العمل في إطار شبكات من الجمعيات الرائدة في مجال تخصصها، بهدف نشر قواعد الممارسات الجيدة والارتقاء بجودة الخدمات. وستشمل تدخلات هذا البرنامج إحدى عشرة فئة ذات أولوية من الأشخاص الذين يوجدون في وضعية هشة، وذلك بالعمل على مستوى ثلاثة محاور أساسية، هي مساعدة خمس فئات من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى والمسنين المفتقرين للموارد، ودعم إعادة الإدماج السوسيو-اقتصادي لأربع فئات تضم النساء في وضعية هشة، والسجناء السابقين بدون موارد، والمتسولين والمتشردين، والمدمنين، إضافة إلى حماية فئتين من الأطفال والشباب، تتكون من الأطفال المتخلى عنهم، وأطفال الشوارع والشباب بدون مأوى.
أما البرنامج الثالث فيهدف بالأساس لتوفير الدخل وخلق فرص عمل للشباب وذلك من خلال الاشتغال على ثلاث دعائم أساسية، تتمثل في الاهتمام بالعنصر البشري من خلال اعتماد إجراءات دعم التكوين والمواكبة بهدف إدماج المقاولين وحاملي المشاريع، واعتماد خارطة طريق للتنمية الاقتصادية المحلية بهدف تطوير الأنشطة الاقتصادية وتيسير الإدماج السوسيو -اقتصادي للشباب، وتحديد المشاريع ذات الوقع الإيجابي من خلال تحليل البنية الهيكلية للسلاسل ذات القيمة قصد الاشتغال على الفرص الاستثمارية القابلة للاستغلال مع دعم تمويل المقاولات الصغرى جدا وتسهيل ولوجها للأسواق.
ويهم البرنامج الرابع، الدعم الموجه للتنمية البشرية للأجيال الصاعدة، ويهدف بالأساس إلى التصدي بطريقة استباقية لأحد الأسباب الرئيسية للتأخر الحاصل في مجال التنمية البشرية، وذلك عبر الاستثمار في الرأسمال البشري منذ المراحل المبكرة للفرد، وذلك بتركيز تدخلات المبادرة على محورين جوهريين، هما محور تنمية الطفولة المبكرة، وسيتم في إطاره استهداف النساء الحوامل والمرضعات وكذا الأطفال أقل من 6 سنوات المتحدرين من الأوساط الفقيرة والمعوزة، ومحور مواكبة الطفولة والشباب، الذي يستهدف الأطفال في سن التمدرس والشباب في نهاية مسارهم الدراسي، ودعم التعليم الأولي من خلال بناء 10 آلاف وحدة مدرسية وتهييء 5 آلاف أخرى بالوسط القروي كما سيتم توفير الإطعام المدرسي لمدة سنتين.