محمد اليوبي
صادقت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، في وقت متأخر من ليلة أول أمس الثلاثاء، بالأغلبية، على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2020، وذلك بتصويت 24 نائبا برلمانيا من فرق الأغلبية بالموافقة، وعارضه 13 آخرون ينتمون إلى فريقي الأصالة والمعاصرة والاستقلال والمجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية وفدرالية اليسار الديمقراطي، فيما لم يمتنع أي أحد عن التصويت.
وتقدمت الفرق والمجموعة النيابية، من الأغلبية والمعارضة، بحوالي 270 تعديلا على مشروع قانون المالية لسنة 2020، رفضت الحكومة التجاوب مع أغلبها، فيما وافقت على قبول تعديلات شكلية، وذلك بعد أزيد من 20 ساعة من النقاش داخل لجنة المالية. ومن أبرز المفاجآت تصويت جميع الفرق البرلمانية ما عدا البرلماني عمر بلافريج، عن فدرالية اليسار، على المادة التاسعة التي تمنع الحجز على ممتلكات الدولة لتنفيذ الأحكام القضائية، وذلك بعد تراجع فريقي الاستقلال والأصالة والمعاصرة عن موقفهما الرافض لهذه المادة، وسحبهما للتعديل الذي تقدم به الفريقان، للمطالبة بحذف هذه المادة من مشروع قانون المالية بمبرر أنها تتعارض مع الدستور ومع مبادئ العدالة والنزاهة، وأنها لا تتلاءم مع كل المبادئ التي تؤطر دولة الحق والقانون.
وحصلت «الأخبار» على كواليس انقلاب الفرق البرلمانية على مواقفها الرافضة لهذه المادة الواردة في مشروع قانون المالية، حيث انطلقت أشغال لجنة المالية على الساعة العاشرة صباحا، برئاسة عبد الله بوانو، القيادي بحزب العدالة والتنمية، وبحضور وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، حيث تقدمت كل الفرق البرلمانية بتعديلاتها بخصوص مشروع القانون، ومن بينها المادة التاسعة، حيث اقترحت المعارضة حذفها من القانون، فيما اقترحت الأغلبية تعديلا ينص على أنه «لا يمكن مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري، ولاسيما الحجز على الاعتمادات المرصودة بالميزانية العامة للدولة أو الحسابات الخصوصية أو الحسابات الجارية للخزينة، إلا بعد مرور ثلاث سنوات كاملة من تاريخ الإعذار بالتنفيذ». واقترحت الأغلبية إحداث حساب خصوصي جديد يسمى «صندوق تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة والجماعات الترابية»، ابتداء من فاتح يناير 2020، بهدف ضمان تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة. وأوضحت الأغلبية أن تنفيذ النفقات المتعلقة بأداء المبالغ الناتجة عن الأحكام والقرارات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به، والقابلة للتنفيذ الصادرة في مواجهة الدولة، «تتم عبر الأمر بدفع وأداء النفقات في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية خلال السنة المالية الجارية؛ وذلك داخل أجل 90 يوما من تاريخ تبليغ الإعذار بالتنفيذ».
لكن بعد توقف أشغال اللجنة لتناول وجبة الغداء، طلب بوانو من رؤساء الفرق البرلمانية والبرلماني بلافريج، والوزير بنشعبون، الالتحاق به إلى قاعة مجاورة لمناقشة «أمر مهم» وتناول الغداء جماعة بعيدا عن أعين باقي أعضاء اللجنة والصحافة، حيث دام الاجتماع حوالي ساعة ونصف، طلب خلاله بوانو من رؤساء الفرق ضرورة التصويت بالإجماع على المادة التاسعة، مقترحا إعادة صياغتها لتقديمها على شكل تعديل يلزم اللجنة وجميع الفرق البرلمانية، لكن بلافريج رفض ذلك وانسحب من الاجتماع، فيما وافق باقي رؤساء الفرق على مقترح بوانو، بعدما تحركت الهواتف من كل الاتجاهات، ولعب عبد اللطيف وهبي، عن حزب الأصالة والمعاصرة، الذي كان يتحرك رفقة الوكيل القضائي للمملكة، محمد القصري، دورا كبيرا في «الكواليس» لإقناع نواب «البام» والاستقلال بقبول مقترح بوانو، وهو ما حصل، حيث تم التوافق على صيغة جديدة للمادة التاسعة.
وتنص المادة التاسعة في صيغته الجديدة التي حظيت بالمصادقة داخل اللجنة، على أنه يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة، ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة العمومية أو الجماعات الترابية المعنية. وتضيف المادة نفسها «وفي حالة صدور قرار قضائي قابل للتنفيذ، يدين الدولة أو جماعة ترابية بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه تسعون (90) يوما ابتداء من تاريخ الإعذار بالتنفيذ في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية لهذا الغرض، وفق مبادئ وقواعد المحاسبة العمومية، وإلا يتم الأداء تلقائيا من طرف المحاسب العمومي داخل الآجال المنصوص عليها بالأنظمة الجاري بها العمل في حالة تقاعس الآمر بالصرف عن الأداء، بمجرد انصرام الأجل المشار إليه أعلاه».
وتضيف المادة المعدلة، «وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقى من ميزانيات السنوات اللاحقة، وذلك داخل أجل أقصاه خمس سنوات، وفق الشروط المشار إليها أعلاه دون أن تخضع أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية للحجز لهذه الغاية».